تابعنا
في إطار حربها ضد الوجود الفلسطيني، قررت الحكومة الإسرائيلية هدم كل مبنى فلسطيني جديد يقام في مناطق "ج"، وهي منطقة تبلغ مساحتها 60% من أراضي الضفة الغربية.

فور استلام حكومة اليمين في إسرائيل مهامها أوائل العام الجديد، شرعت بتطبيق اتفاقياتها الائتلافية بين مكوناتها، لاسيما تلك المتعلقة بالعقوبات المفروضة على الفلسطينيين.

وصلت ذروة هذه العقوبات الإسرائيلية عندما أقرت إسرائيل إجراءات ضد السلطة الفلسطينية، تمثلت بتحويل 139 مليون شيكل، ما قيمته 39 مليون دولار من أموالها لعائلات قتلى إسرائيليين قتلوا بعمليات فلسطينية، وخصم فوري لدفعاتها المقدمة للأسرى وعائلات الشهداء، وتجميد بناء الفلسطينيين في المناطق "ج" من الضفة الغربية، وسحب امتيازات لشخصيات فلسطينية تقود الصراع القانوني ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.

يستدعي هذا التصعيد النظر في السياسات "العقابية" التي يرى العديد من الخبراء أن إسرائيل تنتهجها ضد الفلسطينيين وتبعاتها المتوقعة على الواقع الميداني في الأراضي المحتلة.

- تكثيف الاستيطان

لم يكن سرّاً أن أحد أهم بنود التوافقات الائتلافية بين مكونات الحكومة الإسرائيلية الحالية يتعلق باستئناف الأنشطة الاستيطانية غير القانونية في مختلف مناطق الضفة الغربية، ومنح الشرعية للبؤر الاستيطانية التي جرت إزالتها في عهد الحكومات السابقة، ولقيت إقامتها تنديداً واستنكاراً عالميين.

وقد ذهبت حكومة إسرائيل في منح التحركات الاستيطانية بعداً رسمياً من خلال لقاء وزير الدفاع يوآف غالانت رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ومطالبتهم للحكومة بتجميد القرارات الداعية لوقف البناء في المستوطنات، بزعم أنهم بحاجة إلى تطويرها، وسط دعوات تحريضية لوقف بناء الفلسطينيين في المنطقة "ج"، على أساس أنه بناء غير قانوني.

مع العلم أن بنيامين نتنياهو استبق هذا الاجتماع بالكشف عن أنه منذ بداية حكومته الجديدة، أخلت أجهزته الأمنية 38 مبنى فلسطينياً تحت ذريعة أنها غير قانونية في أراضي الضفة الغربية، في محاولة منه لكسب ودّ المستوطنين.

وكشفت أوساط إسرائيلية مخططاً لعودة مئات المستوطنين إلى مستوطنة أفيتار على جبل صبيح جنوبي نابلس، مما سيفاقم الدراما الآخذة بالظهور شمال الضفة الغربية، حيث يحيط الجدل بالمستوطنات القائمة هناك، لأنها تعامل الآن بشكل مختلف من قبل الحكومة اليمينية، في ظل تحضيرات المستوطنين لقدوم ألفين منهم إلى المستوطنة المهجورة.

يذكر أنه جرى إخلاء المستوطنة في يوليو/تموز 2021، لكن في الآونة الأخيرة برزت لافتات في جميع مستوطنات الضفة الغربية بعنوان "العودة إلى أفيتار"، وملصقات مكتوب عليها "حكومة جديدة تعني مستوطنات جديدة".

وجاءت آخر السياسات الاستيطانية الإسرائيلية بالإعلان في 13 فبراير/شباط عن شرعنة تسع بؤر استيطانية من أصل 77 بؤرة غير قانونية، طالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بشرعنتها، حيث يتوزع 725 ألف مستوطن في 176 مستوطنة كبيرة و186 بؤرة استيطانية عشوائية بالضفة الغربية بما فيها شرقي القدس.

- هدم المنازل الفلسطينية

صحيح أن حكومات إسرائيل المتعاقبة دأبت على سياسة هدم منازل الفلسطينيين المنخرطين في أعمال مقاومة، أو تحت ذريعة عدم وجود تراخيص، إلا أن الحكومة الجديدة، وفور تسلمها لمهامها رسمياً، لم تتردد بالإعلان عن أن هذه السياسة تتصدر أولوياتها، لاسيما من خلال استهداف قرية الخان الأحمر التي تضم عشرات المنازل، بذريعة أنها تعيق بناء الحي اليهودي الاستيطاني المجاور بمنطقة "E1"، ويربط بين مستوطنة "معاليه أدوميم" والقدس المحتلة، لكنه مجمد منذ سنوات طويلة.

وبعد أقل من أسبوع من بدء عمل الحكومة، علّق الجيش الإسرائيلي هدم البناء غير القانوني للمستوطنين، في الوقت الذي استمر فيه تدمير المباني الفلسطينية على أساس أنها "غير قانونية"، وسط تحذيرات ضباط كبار في الجيش بأن هذه التحركات ستخلق المزيد من التوترات الأمنية الخطيرة التي ستؤدي إلى تدهور المنطقة، وصراعات دامية، لأنها إجراءات انتقائية، وتعكس سياسة محابية للمستوطنين على حساب الفلسطينيين.

وفي إطار حربها ضد الوجود الفلسطيني، قررت الحكومة الإسرائيلية هدم كل مبنى فلسطيني جديد يقام في مناطق "ج"، وهي منطقة تبلغ مساحتها 60% من أراضي الضفة الغربية، وتقع تحت سيطرة إسرائيلية كاملة في حين تخضع مناطق "أ" لسيادة السلطة الفلسطينية، أما مناطق "ب" فالسيادة عليها مقسمة بين الجانبين.

وقد جاء آخر قرارات هدم المنازل الفلسطينية بمصادقة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي يوم 9 فبراير/شباط على قرارات هدم ثلاثة منازل منفذي عمليات مقاومة تعود إلى الأسير يونس هيلان منفذ عملية الفندق التي أسفرت عن مقتل مستوطن، ومحمد صوف منفذ عملية "أريئيل" التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين، وخيري علقم منفذ عملية بيت حنينا التي قُتل فيها سبعة مستوطنين.

- استهداف الأسرى

وضعت الحكومة الإسرائيلية الجديدة معاقبة الأسرى نصب عينيها باستهدافهم، من خلال تشديد ظروف اعتقالهم، وحرمانهم من الحصول على مستحقاتهم التعويضية من السلطة الفلسطينية بحيث يجري تجميد المبلغ المرسل إليهم، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي يحرض فيها الإسرائيليون على المستحقات المالية للأسرى، فقد سبق للكنيست قبل سنوات التصويت على مشروع قرار لخصم هذه المستحقات من أموال المقاصة التي تحولها إسرائيل إلى موازنة السلطة، وتحويل المبالغ المالية إلى صندوق مالي خاص بالقتلى الإسرائيليين في عمليات المقاومة، وفقاً لما صرح به بيتسلئيل سموتريتش وزير المالية.

أكثر من 5 آلاف فلسطيني معتقل في السجون الإسرائيلية بينهم 500 معتقل إدارياً دون تهمة (AP)

في السياق ذاته، أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أنه أوعز إلى مصلحة السجون باتخاذ جملة إجراءات لتشديد ظروف اعتقال الأسرى، مما جعل ظروف السجون متوترة جداً عقب التنكيل بهم في سجن الدامون، مع أن الأوساط الأمنية الإسرائيلية تعرف جيداً حساسية الفلسطينيين تجاه قضية الأسرى، وهي كفيلة بأن تشعل مواجهة عسكرية.

وتمثلت آخر العقوبات الإسرائيلية ضد الأسرى بإعلان إدارة السجون الإسرائيلية في سجن (ريمون) عن إغلاق الكانتين وبعض المرافق، وتكبيل يدي كل أسير عند خروجه من القسم، ولو للعيادة، وحرمانهم من أداء الرياضة الصباحية. كما قررت إدارة سجن (نفحة) وضع أقفال على الحمامات الخاصة بالاستحمام، وقطع المياه الساخنة.

أما إدارة سجن (عوفر) فقد هددت بحرمان الأسرى من الزيارات العائلية، وتقليل مدة خروج الأسرى إلى ساحة السجن. وفي سجني (جلبوع ومجدو) سحبت الإدارة بلاطات التسخين، وبعض الأدوات الأساسية.

من الجدير الإشارة إلى أن عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل يبلغ 4780، بينهم 160 طفلاً، و29 أسيرة، و914 معتقلاً إدارياً.

- ملاحقة العَلَم الفلسطيني

ما فتئت الحكومة الإسرائيلية تصدر قراراً تلو الآخر في محاولة فاشلة لطمس معالم الهوية الوطنية الفلسطينية، وآخرها حظر رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة، تحت ذريعة أنه يثير الجنون منذ فترة طويلة بين السياسيين اليمينيين والجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وهو الأمر الذي من شأنه زيادة حدة التوتر مع الفلسطينيين خصوصاً أولئك القاطنين في القدس وأراضي 48.

- عقوبة الإعدام

وصلت أجواء العنصرية وكراهية الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة وذلك بصدور دعوات من أعضاء الكنيست والوزراء الذين يطالبون بقتل الفلسطينيين علانية، ودون تردد.

يذكر أن ابن غفير يضع صورة الحاخام باروخ غولدشتاين منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994 في صدر منزله. الأمر الذي تعتبره أوساط فلسطينية تحريضاً على قتل الفلسطينيين.

عضوة الكنيست "ليمور سون هار ميلخ" من حزب العصبة اليهودية، زعمت أن "من قتل يهودياً يجب أن يموت، ومن قتل عربياً فليكن في السجن، لأن مفاهيم المساواة ليست ذات صلة في هذه الحالة، فهي ليست متشابهة"، مطالبة بفرض عقوبة الإعدام على المقاومين "كرادع لهم".

تشير هذه الممارسات إلى اتساع رقعة الخطاب المتطرف الساعي إلى شرعنة استباحة دماء الفلسطينيين، ولكن من خلال قوانين رسمية هذه المرة.

TRT عربي