تابعنا
سواء قبل أو في أثناء أو بعد اعتماد قانون الهجرة الجديد في فرنسا، أعرب مختلف القطاعات في البلاد عن معارضتها لبنوده التي جرى تشديدها في مجلس الشيوخ.

من المقرر أن يدلي المجلس الدستوري برأيه بشأن قانون الهجرة الفرنسي الجديد المثير للجدل في 25 يناير/كانون الثاني، أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من إقراره من قِبل الجمعية الوطنية. ولا يزال صدور هذا القانون الذي يشدد شروط استقبال المهاجرين وإقامتهم يحظى بمعارضة على عدة جبهات على مدار عدة أسابيع.

العمال غير النظاميين يحتجّون

وبدأت تظهر بوادر الرفض في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما كان مشروع قانون الهجرة قيد الدراسة، إذ تظاهر نحو 650 عاملاً غير نظامي تحت نوافذ مجلس الشيوخ بناءً على دعوة الاتحاد العام للعمل.

وفي تصريحه لـTRT عربي يؤكد أسامة (مهاجر تونسي بلا أوراق إقامة يعمل في مجال البناء منذ نحو ست سنوات في منطقة إيل دو فرانس) أنه كان متخوفاً من حذف مجلس الشيوخ المادة 3 من مشروع القانون التي تنص على "التسوية التلقائية" لوضعية العاملين غير النظاميين في مهن تعاني من نقص في فرنسا، وهو ما حصل بالفعل، إذ حذف مجلس الشيوخ المادة 3 وعوضها بالمادة 4 مكرر التي تنص على "التسوية على أساس كل حالة على حدة" وفقاً لمعايير معينة، إذ سيكون على المحافظ قبل منح بطاقة الإقامة تقييم عمل المهاجر غير النظامي ومدى اندماجه الاجتماعي، وكذلك احترامه للنظام العام وأسلوب الحياة وقيم المجتمع الفرنسي.

وبعد أشهُر من الصمت خرج بدوره باتريك مارتن، رئيس منظمة نقابات أصحاب العمل التي تمثل قادة الأعمال (ميديف)، على راديو كلاسيك ليقول إنّ "الاقتصاد الفرنسي سيحتاج بشكل كبير إلى العمالة الأجنبية في العقود المقبلة".

وتابع: "نحن نعلم أن عدد السكان في سن العمل في فرنسا، على سبيل المثال، سوف يتراجع اعتباراً من عام 2036. ولكن لدينا أنظمة اجتماعية من معاشات التقاعد، والتأمين ضد البطالة، والصحة التي تعتمد على دخل العمل، وبالتالي على تشغيل العمالة. ماذا علينا أن نفعل؟".

ثورة الأطباء

وإلى جانب امتعاض أرباب العمل، أثار إلغاء المساعدات الطبية الحكومية الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين، التي صوَّت عليها مجلس الشيوخ في القراءة الأولى، واستبدال المساعدات الطبية الطارئة (AMU) بها، غضباً كبيراً في صفوف الأطباء كذلك.

وفي أثناء فحص النص وقَّع 3000 من مقدمي الرعاية الطبية على مقال في صحيفة لوموند الفرنسية للتذكير بأهمية هذه المساعدة التي تشكل -وفقاً لجون فرانسوا كورتي، الطبيب العام ونائب رئيس منظمة أطباء العالم، وأحد الموقعين على هذا المقال- "أولوية سكانية من حيث الصحة العامة".

ويتابع في حديثه لـTRT عربي أن "الحد من حصول هذه الفئة من السكان على الرعاية الطبية كارثة، وسيكون له نتيجة مباشرة تؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية، ولكن أيضاً بشكل عام صحة جميع السكان".

ورغم حذف مادة "إلغاء المساعدات الطبية الحكومية" من قانون الهجرة الجديد، فإن الحكومة وعدت في المقابل بإصلاح نظام المساعدات الصحية الموجهة إلى المهاجرين غير النظاميين في عام 2024.

العالم الأكاديمي مهدد

ووضع اليمين عدة أهداف في مرمى هذا القانون المثير للجدل طال أيضاً الطلاب الأجانب، ففي بيان صحفي نُشر في 20 ديسمبر/كانون الأول أعرب 61 رئيس جامعة عن قلقهم من النص الذي -حسب قولهم- "يهاجم القيم التي تقوم عليها الجامعة الفرنسية"، فيما اعتبره بعض قادة المدارس الكبرى "تهديداً خطيراً للقدرة التنافسية الدولية".

ويرفض رؤساء الجامعات بالأساس ثلاثة تدابير، وهي تحديد البرلمان لحصص سنوية للحد من عدد الأجانب المسموح لهم بدخول الأراضي الفرنسية، والزيادة في رسوم تسجيلهم، إضافة إلى دفع "عربون عودة" للطلاب الأجانب الراغبين في الدراسة في فرنسا.

وتسببت هذه الإجراءات في دفع وزيرة التعليم العالي سيلفي ريتيللو إلى تقديم استقالتها في 20 ديسمبر/كانون الأول، التي رفضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آنذاك وقال في برنامج C à vous على قناة France 5 إن "إيداع العودة" كان "فكرة سيئة" وستجري مراجعته إذا لم يفرض عليها المجلس الدستوري رقابة.

وبمجرد اعتماد القانون أكد اليسار أيضاً وقوفه في وجهه، معلناً أن الإدارات الـ32 التي يرأسها مسؤولون منتخبون يساريون لن تطبق تشديد شروط المساعدة الاجتماعية الخاصة بالأجانب على النحو المنصوص عليه في قانون الهجرة، إذ سيتعين على الأجانب الذين لا يعملون الانتظار قبل أن يصبحوا مؤهلين للحصول على المساعدة. وستكون القاعدة ثلاثين شهراً للعمال.

الفن والعمل الجمعوي في وجه القانون

وفي إعلان مشترك عبّرت 45 نقابة وجمعية ومنظمة غير حكومية عن مطالبها الرسمية من الرئيس الفرنسي بعدم إصدار القانون.

وكتبوا: "بفضل قيمنا المشتركة المتمثلة في التضامن والأخوّة والمساواة، لا يمكننا قبول رؤية الحكومة ورئيس الجمهورية يؤيدان جزءاً كبيراً من البرنامج التاريخي لليمين المتطرف: التفضيل الوطني، وإعادة التفكير في قضية قانون الأراضي، وفقدان الجنسية، وتجريم الأشخاص غير المسجلين، والقيود المفروضة على الحق في العيش مع الأسرة.. نشعر بالفزع لأن أيديولوجيا كارثية قد سادت على الحقائق، وانتصرت الأوهام على واقع ديناميكيات الهجرة".

وبالنسبة إلى يان مانزي، المؤسس المشارك لجمعية يوتوبيا 56 التي تعمل مع المهاجرين، وأحد الموقعين على البيان المشترك، فإنّ اعتماد القانون هو "عار وأمر مروّع ويشكل نهاية الحقوق الأساسية في فرنسا".

ويضيف لـTRT عربي: "لن يجري الترحيب بالمهاجرين غير الشرعيين وأولئك الذين جرى رفض لجوئهم بعد الآن، ولن يحصلوا على أي شيء، وسيجدون أنفسهم في الشارع. وهذا لا يتماشى مع حقيقة ما يجب القيام به. يوجد بالفعل آلاف الأطفال في الشوارع".

ولهذا يؤكد أن "القادم سيكون أسوأ"، داعياً إلى "وحدة المنتخبين والمواطنين وتعبئة الرأي العام لمواجهة حقيقة ما جرى التصويت عليه وعدم السماح بتطبيق هذا القانون الذي سُنَّ بمباركة اليمين المتطرف".

ويؤكد أنه سيخرج في المظاهرات التي تُنظَّم قبل صدور قرار الحكماء في المجلس الدستوري في 25 يناير/كانون الثاني، وسيواصل التعبئة بعده حتى يستيقظ الرأي العام".

وتأمل النقابات والأحزاب اليسارية والمنظمات غير الحكومية أيضًا في التعبئة في الشوارع يوم الأحد 14 يناير/كانون الثاني لمحاولة منع إصدار القانون.

ستبقى الأمور على حالها

وأمام كل هذه الجبهات المعارضة للقانون يستبعد برونو كوتريس، المحلل السياسي، في اتصال مع TRT عربي أن "تتغير الأمور بشكل جذري".

ويوضح: "كرر رئيس الدولة في مرات عديدة التزامه هذا القانون، وعبَّر غابريال أتال رئيس الوزراء الجديد في كلمته في أثناء تنصيبه عن ارتباطه بضرورة تنظيم الهجرة في فرنسا".

وفي المقابل يرى كوتريس أن كل هذه المظاهرات والالتماسات وتعبئة المجتمع المدني ورفض اليسار قد تؤدي إلى التخفيف من نقاط معينة في القانون".

ويشكك المحلل السياسي في تشكيل "جبهة موحدة" ضد القانون، معللاً ذلك بقوله: "لا يعارض الجميع بنفس الطريقة، منهم من يريد سحب نصوص، ومنهم من يسعى إلى تخفيفها فقط، فيما يرفض طرف آخر أصلاً مبدأ تنظيم تدفق المهاجرين باعتبار فرنسا بلد استقبال، ولتشكيل جبهة موحدة يجب تحديد نفس الأهداف".

TRT عربي
الأكثر تداولاً