وسط سباق التسلح العالمي.. هل ينجح سوناك في تدارك عجز الجيش البريطاني؟ / صورة: Getty Images (Getty Images)
تابعنا

أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، زيادة جديدة في الإنفاق العسكري، في وقت تتزايد فيه المخاوف الاستراتيجية من الحرب الجارية في أوكرانيا، وتتصاعد وتيرة التوتر بين الغرب والصين، وهو ما أطلق العنان لسباق دولي واسع للتسلح.

وتواجه الحكومة البريطانية انتقادات كثيرة في ما يخصّ سياساتها الأمنية، تحديداً مسألة جاهزية الجيش القتالية، التي كشفت عدة تقارير عن تدنّيها.

يأتي قرار زيادة الإنفاق متزامناً مع الركود الاقتصادي الذي تشهده المملكة، ولتشبع الحاصل في سلاسل إنتاج وتوريد الأسلحة، وهو ما يضع الحكومة البريطانية أمام تحديات مزدوجة، داخلية وخارجية، ويطرح سؤالاً عن مدى نجاح سوناك في تدارك تراجع الجيش البريطاني.

زيادة في الإنفاق العسكري

وحسب ما أعلنه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، فإن الحكومة ستزيد الإنفاق العسكري بخمسة مليارات جنيه إسترليني (ستة مليارات دولار) إضافية، "لتجديد مخزون الذخيرة وتعزيزه، وتحديث مؤسسة الطاقة النووية البريطانية وتمويل المرحلة التالية من برنامج غوّاصات أوكوس" حسبما جاء في بيان داونينغ ستريت.

وعلى المدى الطويل أعلن رئيس الوزراء أنه سيحدّد طموحاً بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج الداخلي للبلاد، وبرر سوناك هذه الإجراءات بقوله: "مع ازدياد عدم الاستقرار في العالم واشتداد المنافسة بين الدول، يجب أن تكون المملكة المتحدة مستعدّة للصمود".

وأشاد سوناك بالتحرك بوصفه طريقة "لضمان أن لا نكون مجدداً عرضة لتصرفات أي قوة معادية"، لكن عرضه المتمثل في خمسة مليارات جنيه إسترليني إضافية أقلّ من نصف ما يقول البعض بحزب المحافظين الحاكم إنه ضروري للتمكن من دعم أوكرانيا أمام روسيا مع ضمان أن لا تكون بريطانيا عرضة للخطر.

وتعهد البيان بأنه "سنحصّن دفاعاتنا الوطنية، من الأمن الاقتصادي مروراً بسلاسل إمداد التكنولوجيا انتهاءً بالخبرات المخابراتية، لضمان أن لا نكون مجدَّداً عرضة لتصرفات أي قوة معادية".

جيش متدهور ومخاوف استراتيجية

يأتي هذا الإعلان في وقت تتزايد فيه الانتقادات لحكومة سوناك، بشأن المستويات المتدنية لجاهزية الجيش القتالية، ولتضرر مخزونات الذخيرة والسلاح البريطانية نتيجة مساعدات لندن لأوكرانيا في حربها المستمرة لأكثر من سنة.

وفي أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أبلغ جنرال أمريكي كبير وزير دفاع المملكة المتحدة بن والاس بأن الجيش البريطاني لم يعد من بين أفضل القوات المقاتلة في العالم، لافتاً إلى أن الجيش لم يُعتبر قوة قتالية عالية المستوى، وفق تحقيق سابق لـ"سكاي نيوز".

وأوضح التحقيق نقلاً عن مصادر عسكرية، أن ذخيرة القوات المسلحة البريطانية قد تنفد "في غضون أيام قليلة" إذا طُلب منها القتال، كما تفتقر المملكة المتحدة إلى القدرة على الدفاع عن أجوائها ضدّ مستوى الضربات الصاروخية والطائرات المسيَّرة التي تتعرض لها أوكرانيا حاليّاً.

في ذات السياق، خلال حديثه مع راديو "LBC" البريطاني السبت، قيّم رئيس لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني توبياس إلوود، قدرات جيش بلاده بأنها تؤهله "للصمود 5 أيام فقط في حال خوضه حرباً".

وعلى الرغم من أن الإنفاق العسكري للمملكة المتحدة يعد الأعلى من بين الدول الأوروبية، إذ يبلغ نسبة 2.2% من الناتج الداخلي الخام للبلاد، فإن مخزوناتها من السلاح والذخيرة تضررت بشدة مؤخراً، إذ قدّمت نحو 2.3 مليار جنيه إسترليني (2.8 مليار دولار) مساعدات لأوكرانيا، لكنها لم تعوّض إلا 560 مليون جنيه إسترليني (682 مليون دولار) من هذه الأسلحة والذخائر.

وإضافة إلى التهديد الاستراتيجي الروسي عبر الحرب في أوكرانيا، ترى الحكومة المحافظة البريطانية في الصين "تحدِّي العصر"، وفق تصريح سوناك، مضيفاً أن للصين خططاً "لإعادة تشكيل النظام العالمي"، إذ أصبحت "استبدادية بشكل متزايد في الداخل وحازمة في الخارج".

تحديات مزدوجة أمام سوناك

على الرغم من الضرورة الملحَّة لهذه الزيادة في الإنفاق العسكري التي أعلنها رئيس الوزراء البريطاني، تواجه الحكومة تحديات في هذا الشأن، على رأسها الركود الاقتصادي الكبير الذي تشهده البلاد.

وفي وقت سابق في فبراير/شباط الماضي، صرّح وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت بأنه يتفق مع تصريحات القادة العسكريين البريطانيين حول تنامي التهديدات الخارجية في ظلّ الحرب في أوكرانيا، لكنه لا يرى "إمكانية لتخصيص أموال إضافية لتحديث القوات المسلحة الملكية بسبب التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 10.5%".

إضافة إلى هذا، تواجه الخطط البريطانية منافسة خارجية شرسة، مع التوجه العامّ في حلف الناتو إلى تحديث وتطوير جيوش الدول الحليفة، بما أطلق سباق تسلح دولياً، يقابله في الجهة الأخرى عجز صناعة السلاح العالمية عن تلبية هذا الطلب المتزايد.

وفي أواخر أغسطس/آب عبّر مسؤولون في البنتاغون عن المخاوف نفسها، وحسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عمّن وصفته بـ"المسؤول المطّلع" داخل وزارة الدفاع الأمريكية، فإن مخزون الجيش من القذائف المدفعية عيار 155مم يعرف انخفاضاً "مقلقاً"، على حد قوله، مضيفاً أنه "حتى الآن ليست المستويات حرجة"، لكن "ليست بالمستوى الذي نرغب في خوض قتال به".

ولا يعود هذا الاستنزاف، حسب مختصين، فقط إلى استهلاك أوكرانيا المفرط للذخائر، بل إلى أسباب سياسية أخرى، فبعد نهاية الحرب الباردة لم يجد الحلفاء ضرورة استراتيجية ترغمهم على استمرار توسيع قدراتهم الإنتاجية الدفاعية في هذا النطاق، غير أن ذلك أصبح ملحّاً بعد الحرب الأوكرانية.

بالتالي تعاني الصناعات الدفاعية الغربية اليوم متاعب كثيرة في سبيل استجابتها لهذا الطلب المتزايد، على رأسها الولايات المتحدة، المورّد الرئيسي للذخائر لدول الحلف. وحسب مقال لمجلة "ذي إيكونوميست"، فمن أسباب ضعف استجابة مصنّعي الدفاع الأمريكيين عدم اعتيادهم التعامل مع شبكة زبائن أوسع، وبالتالي مع تأخر طلبات حكوماتها حدث إهمال لتوسيع القدرات الإنتاجية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً