كيف عاش الأوكرانيون لحظات الحرب الأولى قبل عام؟ / صورة: AP (AP)
تابعنا

بعد أسابيع طويلة من التقارير الغربية المحذرة من حشد الرئيس فلاديمير بوتين لقواته على الحدود الأوكرانية، استعداداً للهجوم على البلاد. وما رافق ذلك من تكثيف الجيش الروسي مناوراته العسكرية، في البر والجو والبحر، والتي استخدمت فيها مختلف الأسلحة من القاذفات الاستراتيجية إلى الصواريخ فرط الصوتية. حانت ساعة الصفر فجر الـ24 من فبراير/شباط، واندلعت الحرب.

"كانت تلك اللحظات صادمة بالنسبة إلى العالم، وبالرغم من كل المؤشرات التي سبقت الحرب، لم يكن أحد يتصور أن ذلك سيحدث فعلاً" يقول الصحافي الأوكراني محمد فرج الله، في تصريح لـTRT عربي. وهو ما تؤكده رواية رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس، حين تقول إنها استيقظت عند الساعة الخامسة فجراً على اتصال نظيرها اللاتفي، لتسمع من خلف السماعة الكلمات الخمس المرعبة: "يا إلهي! إنها تحصل".

فيما على الأرض، هذه الصدمة لم تكن حكراً على المراقبين من الخارج، بل تضاعفت وطأتها عند الذين عايشوها في الداخل الأوكراني، سواء كانوا مواطني البلد أو المقيمين فيه الأجانب، ذلك إذ وجدوا أنفسهم أمام اقتتال شرس أصبح واقعهم اليومي المعاش.

صدمة ورعب

"شبح القلق من الحرب كان يتملَّك الجميع. والكثير من الأشخاص، وأنا من بينهم، كنا نرفض تقبل ذلك الواقع" تروي الشاعرة الأوكرانية إيلا ييفتوشينكو، الفترة التي عاشتها قبيل هجوم الـ24 من فبراير/ شباط. وتضيف في حديثها لـTRTعربي: "ظلت الشكوك تساورني على طول تلك الأيام، كذلك إرهاق الأسئلة: هل ستحدث الحرب أم لا؟ أعلينا فعل شيء بخصوصها أم لا؟ أم علينا (زوجي وأنا) مغادرة البلاد في حل وقوع الغزو؟".

هذا كان "قبل أن تخدرني صدمة القصف الأول" تقول الشاعرة التي بالرغم من أنها كانت وقتها موجودة في لفيف (غربي البلاد)، أي في منأى عن المناطق الأساسية التي استهدفتها القوة النارية الروسية، فقد تأثرت بالضربة الأولى كباقي الجسد الأوكراني.

في سومي، التي كانت ضمن الأهداف الرئيسية للهجوم الروسي، تقول جيهان، وهي طالبة مغربية كانت تدرس الهندسة هناك، في تصريحاتها لـTRTعربي، بأنه: "في اليوم الأول لم نذق طعم النوم، ظللنا نرتعش ونحن نطالع شاشات هواتفنا. سمعنا أن خاركوف قصفت، وبعدها كييف، فيما كان صمت الشوارع الرهيب يخنقنا في انتظار دوي الانفجار الذي يكسر سيادته".

وتسترسل الطالبة التي كانت، لأول مرة في حياتها، تخوض هذه التجربة الصوتية للحرب، والتجربة النفسية لرعبها، بأنه عندما وقع الهجوم على سومي "سمعنا في البدء صوت رصاص بعيد، سرعان ما أخذ بالتلاشي، ليتبعه الخامسة من مساء الأربعاء قصف شرس (...) كان الأمر فظيعاً، لقد أطفؤوا كل أضواء الشارع، كنا نسمع أصوات الاشتباكات تحتد، وبعدها صافرات الإنذار، هرعنا إلى الملاجئ حيث مرت لحظات السير إليها في ظلمات الشارع كأنها سنوات".

وفي خاركوف، يتذكر الطالب المغربي علاء الدين، الذي عايش هو الآخر اندلاع تلك الحرب في أكثر بؤرها سخونة، بأنه "عدا القصف المرعب وطريق الرعب نحو الملاجئ ومحطات المترو، مثَّلت رؤية السلاح مُشاهدة صادمة بالنسبة إلينا، إذ لم نعتد ذلك في بلداننا".

ويضيف علاء الدين، متحدثاً لـTRT عربي أنه: "في صباح اليوم الثاني، خرجنا نبحث عن قطارات لتحملنا نحو الغرب، كل المدنيين كانوا يحملون السلاح وفي وسط الأزقة يحتشدون في مجموعات بعضها كان قد شرع في إغلاق الطرق (...) كانت هذه المشاهد مرعبة، وزادت حينما سمعنا إشاعات عن استهداف قطارات الركاب".

من الناحية العسكرية

وبما أن روسيا كانت تريد لها أن تكون حرباً خاطفة، سعت ليكون هجومها الأول مكثَّفاً ومتعدد المحاور، مستهدفة مواقع متعددة لتشتيت دفاعات القوات الأوكرانية، واللعب على عنصر الصدمة. وهو ما جعل الضربة الأولى قوية، زادها قوة الترقب الذي سبق حدوثها.

هكذا عملت روسيا، قبل ساعة انطلاق الهجوم، على حشد نحو 150 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا و30 ألفاً آخرين في الشمال عند حليفها البيلاروسي، حسب ما أوردت التقارير الغربية. وطوّق الجنود الروس الأراضي الأوكرانية تطويقاً شبه كامل، مع إغلاق المنافذ البحرية للبلاد بحشد السفن الحربية في البحر الأسود.

هكذا هاجم الجنود الروس الأراضي الأوكرانية من أربعة محاور رئيسية: شرقاً من دونيتسك ولوغانسك، وفي الجنوب الشرقي من شبه جزيرة القرم، وفي الشمال الشرقي من الأراضي الروسية نحو إقليمَي خاركيف وسومي، وفي الشمال من بيلاروسيا نحو العاصمة كييف، بالإضافة إلى الغارات الجوية المكثفة، والقصف من البوارج الحربية لمدن الساحل الجنوبي الأوكراني.

خلال هذا الهجوم استطاعت روسيا السيطرة على نحو 20% من مساحة أوكرانيا، بما فيها الضواحي الشمالية والشرقية من العاصمة كييف، وعلى محطة تشرنوبيل النووية، ومحطة زابوريجيا النووية لإنتاج الكهرباء الكبرى من نوعها في أوروبا.

وامتدت السيطرة الروسية من ضواحي العاصمة كييف ومقاطعة تشيرنيهيف في الشمال، ثم مقاطعات خاركيف ولوهانسك ودونيتسك في الشرق، إلى زابوريجيا وخيرسون في الجنوب.

TRT عربي