أغنى رجل في العالم يستحوذ على شركة تويتر  (DPA)
تابعنا

لقد أصبحت منصة التواصل الاجتماعي تويتر شركة خاصة، وبهذا الاستحواذ يكون ماسك قد قام بخلطة سحرية مركبة، وحدها الأيام كفيلة بإبراز معالمها وأهم تداعياتها، فقد حوّل تويتر وهي منصة الفضاء العامّ، كما يحبّ مناصروها أن ينعتوها، إلى شركة خاصة لكي يجعلها مصدراً مفتوحاً على شاكلة الحلم التكنولوجي في فترة التسعينيات عندما أصبح الإنترنت متاحاً للاستخدام العام الفردي.

لم يكن الاستحواذ مفاجئاً، ولكنه بقي صادماً ومثيراً للرأي العامّ العالمي من جهة حجم الصفقة وجرأتها. فقد بدأت العملية منذ أن اشترى ماسك 9 بالمئة من أسهم الشركة ليكون أكبر المساهمين فيها. وبعد أخذ وجذب، استطاع الاستحواذ عليها بشكل كامل بطريقة لم تخلُ من الشراسة الاستثمارية، إذ بلغت قيمة الصفقة 44 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني أن سعر السهم بلغ 54.20 دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها 38 بالمئة على سعر سهم الشركة الفعلي لهذا الشهر.

لا يضع رجل هذا المبلغ الكبير في استثمار دون أن يكون لديه تصوُّر مفصَّل عن الكيفية التي سوف يحسِّن فيها الشركة ويجعلها في جوانب ما مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً. ومع ذلك وحتى الآن لم يُدلِ ماسك بأي تفصيل حول رؤيته التفصيلية حول تويتر. فكل ما كشف عنه هو مجرد أفكار عامة حول الكيفية التي يرى فيها تويتر حالياً، وكيف يرغب أن يراها مستقبَلاً، وهي نظرة عامة تدور حول مبادئ حرية التعبير كشرط مسبق لأي مجتمع ديمقراطي يتمتع بالصحة والعافية.

يمكن استخلاص هذه النظرة العامة لدى ماسك من مجموعة من تغريداته، ومن الكلمة التي قدّمها في تجمُّع TED مؤخراً، وفيهما أوضح أنه قام بالاستثمار في تويتر لأنه يؤمن بإمكانية أن تكون هناك منصة لحرية التعبير في جميع أنحاء العالم. وعبّر عن اعتقاده بأن حرية التعبير ضرورية "لديمقراطية فاعلة" كما وصفها. وقد أكّد أن الشركة في شكلها الحالي "لن تزدهر ولن تخدم هذه الضرورة المجتمعية".

ونظراً إلى حجم الصفقة الكبير، وإلى مدى انتشار تويتر في العالم، والسمعة التي تحظى بها خصوصاً عن نخبة صناع القرار والفكر، فإن ماسك من خلال هذه الخطوة يطمح إلى الظهور بمظهر المسيح التكنولوجي المخلّص الذي يأخذ على عاتقه إحداث هذا التحول الكبير، ليس في تويتر وحسب وإنما ربما في الإنترنت بشكل عامّ، أي العودة بالإنترنت لتكون فضاءً نظيفاً للتداول بعيداً عن الاستغلال المالي والأمني كما هو الواقع المستحكم الآن من خلال الشركات التكنولوجية أو من خلال اللاعبين الأكثر خبثاً مثل بعض الحكومات والهاكرز.

ولكن كيف ستتحقق هذه المهمة الخلاصية؟ وأين؟ إلى الآن ليس واضحاً بالضبط الكيفية التي سوف تترجم فيها أفكار ماسك على واقع وبنية الشركة لاحقاً، ولكن من خلال كلامه يمكن استشراف أهمّ الكيفيات التي سوف تكون محلّ اهتمام الرجل في المرحلة المقبلة.

يبدو أن الحقل الأول الذي سوف يغرز فيه ماسك فأسه سيكون "حرية التعبير"، ففي مارس/آذار نشر ماسك على حسابه على تويتر استفتاءً شعبياً يسأل فيه متابعيه عما إذا كانوا يرون أن تويتر تلتزم مبدأ حرية التعبير لدعم ديمقراطية فاعلة. جاءت الإجابة بأن الغالبية الكبرى لا تؤمن بهذا الشيء، ولذلك يرى ماسك أن الرقابة التي تفرضها تويتر على المحتوى من شأنها أن تهدِّد التعبير الحر عن الأفكار وبالتالي خلق مجتمعات مقموعة. ولذلك لا غرابة أننا سوف نرى بأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب سوف يُسمح له بالعودة للتغريد مجددا، الأمر الذي سوف يعيد الانتعاش لرواية اليمين المتطرف من خلال السماح لها بالعودة إلى المنصات الرئيسية بعد أن انسحبت إلى المنصات الهامشية. وهنا سوف تبرز بشكّ صارخ جدلية حرية التعبير والأمن مجدداً، فهناك نوع من المحتوى لا شك بأنه ضارّ على السلْم الإنساني، وهو ذلك المحتوى الذي يروّجه أصحاب اليمين المتطرف ويمتلئ بالعنصرية والكراهية والحضّ على قتل الآخر.

الانفتاح على حرية التعبير من حيث المحتوى ربما يستتبع انفتاحاً خوارزماتياً يتعلق بالتركيبة التقنية للشبكة، وهو انفتاح أقلّ جدلاً من سابقه. ففي تغريدة أخرى له بدا ماسك كأنه يدعم أن تكون خوارزمية تويتر مفتوحة بحيث يتمكن المستخدمون من معرفة كيف يعمل تويتر لترويج بعض المحتوى وتخفيض الوصول إلى محتوى آخر على سبيل المثال.

طبعاً هذا ليس بالأمر الجديد كلياً، فالكثير من شيفرات تويتر هي مفتوحة بالفعل، بل تُعتبر تويتر من المنصات مفتوحة المحتوى أيضاً بحيث أصبحت تُعتمد في الكثير من الدراسات العلمية. ولكن يبقى التوجه نحو مزيد من الانفتاح التقني بحيث يتم الاطلاع على كيفية قيام مهندسي الشبكة بتشغيلها أمراً من شأنه أن يجعل الشبكة أكثر شفافية من ناحية، وأكثر أمناً من ناحية أخرى، إذ يستطيع المستخدمون أصحاب الخبرة المساهمة في ردم الفجوات التقنية التي يمكن أن يستغلها الهاكرز في عمليات القرصنة وسرقة البيانات الشخصية والاحتيال، وهو ما تَعرَّض له ماسك نفسه عام 2020.

أيضاً قد يطرأ تغيُّر على النموذج الاستثماري للشركة، بمعنى الابتعاد عن الإعلانات التجارية التي يرى ماسك أنها تمارس سلطة كبيرة على الشبكة باتجاه نموذج الاشتراك. طبعا قد يحدث هذا التغيير تدريجياً، فقطع الإعلانات فوراً قد يكون مضراً للشركة على المنحى المالي، وربما هذا ما يعبّر عنه حذف ماسك تغريدته التي تحدث فيها عن هذا التغيير. بطبيعة الحال هذا التحول لن يكون جذرياً، فشركة تويتر قد فعّلت سابقاً خاصية الاشتراك. فعندنا تويتر الأزرق على سبيل المثال، وهي خدمة اشتراك شهري تتيح للمستخدمين الوصول إلى ميزات متفردة مقابل اشتراك مالي معيَّن، ولذلك قد يعمل ماسك على تعزيز هذا التوجه بإضافة ميزات أخرى وخيارات أكثر جاذبية لتشجيع المستخدمين على الاشتراك، وربما أيضاً تنويعها بحيث لا تشمل فقط عمليات التغريد، بل وحصد البيانات لأغراض الدراسة والبحث.

أخيراً، هناك بطبيعة الحال زر التعديل الذي سوف يرى النور قريباً، وهذا لن يكون من ضمن قائمة تغييرات ماسك لأن الحديث عنه قد تم مسبقاً ويجري العمل عليه وقد يكون إطلاقه قريباً.

من الصعب التنبؤ بمستقبل تويتر مع استحواذ ماسك على الشركة، هل يكون مشرقاً كما يرى المتفائلون، أم معتماً كما يرى المتشائمون ومنهم الرئيس التنفيذي الحالي للشركة باراغ أغراوال الذي خاطب موظفيه بالقول إن "مستقبل الشركة غير مؤكَّد"، أو جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون والرئيس التنفيذي لها، الذي بدأ ترويج نظرية المؤامرة حول دور الصين في عملية استحواذ ماسك على شركة تويتر. على أي حال، سوف نترقب ونرى، فالأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً