مظاهرة في العاصمة الفرنسية تطالب بوقف الإسلاموفوبيا / صورة: AA (Mustafa Yalcin/AA)
تابعنا

"اسمي خان.. ولستُ إرهابياً" "my name is khan, and a I am not terrorist" فيلم سينمائي من إنتاج 2010 يلعب فيه البطل دوراً في إطار حكاية مشوقة لإيصال رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة، يخبره من خلالها بغضبه من وصمه بالإرهاب لمجرد أنه ينتمي إلى الدين الإسلامي.

حكاية فنية قد تكون مسلية للبعض، فربما يحب البعض العمل ويمنحه تقييماً عالياً من الناحية الفنية، ثم ينسى الجميع الحقيقة التي دفعت بالمشاركين إلى تصوير هذه الحكاية ومثيلاتها، دون أن يتغير الواقع حقيقة.

تعود جذور هذه الحكاية إلى ما قبل ذلك الفيلم بوقت طويل، حدث ذلك بعيد هجمات 11 سبتمبر التي كانت سبباً في تغيير سياسة أمريكا والتحركات السياسية، وأثرت في حياة كثير ممن يطمحون إلى أن يكونوا جزءاً من الحلم الأمريكي.

كانت تلك الحادثة فارقة بتحويلها المسلمين إلى متهمين بالضرورة وجعلهم عرضة للتحقيق والتفتيش وتطبيق إجراءات مشددة وحظر سفر، ليكونوا موضع الشبهة في أي حادثة يصفها العالم بالإرهابية، لكن ما غض المجتمع الدولي بصره عنه، أن مثل هذه الإجراءات تتنافى مع مبدأ العدالة ويشوبها عدم القانونية لخضوعها لقانون طوارئ غير مبرر وطال أمد استخدامه.

طبقت الدول التي صنفت نفسها مهددة إجراءاتٍ حكومية عالمية تحت مبرر حماية الأمن القومي من الإرهاب، رافقتها سلسلة متلاحقة من تشريعات أصدرتها المجالس التشريعية جعلتها ضمن إطار قانوني يحميها أمام الطعن بعدم مشروعيتها وأصبح مسلمو العالم مجرمين بشكل رسمي.

ما لم يكن في حسبان العرب والمسلمين الذين سُجنوا ضمن تلك الدائرة، أنهم قد يتعرضون لإقصاء ممنهج، لا بشكل رسمي فحسب، وإنما من المجتمع الذي يعيشون ضمنه في أماكن ظنوا أنها ستفتح لهم بوابات أوطان جديدة.

تفيد أغلب نظريات علم النفس بأن التصنيف والتأطير حالة تشكل عبئاً على من تطبق عليه، غير أن العالم بقي يعامل المسلمين على أنهم إرهابيون بالفطرة، وأطلق على موروثهم ودينهم ومجتمهاتهم كثيراً من السمات الدموية ذات الطابع العنيف، محددين لهم صورة نمطية لا تشبههم بالضرورة.

يبدو ذلك مُتّسقاً مع ما تتكبده الحكومات من ثروات طائلة تنفقها على ضخ إعلامي هدفه بث نوازع الفُرقة والتحشيد ضد المسلمين، سواء في نشرات الأخبار أو في الأعمال الفنية بتقديمهم بصورة سلبية في الغالب، كما يشكل نتيجة منطقية لعدم سن قوانين تحارب العنصرية الموجهة ضد فئة معينة، أو غض النظر عن التجاوزات بحقهم في كثير من الأحيان.

وعلى الرغم من أن دساتير الدول المتقدمة تكفل حرية الدين والمعتقد للمواطنين والمقيمين كافة فإن السنوات الأخيرة شهدت هجمات على المسلمين في دول متفرقة، دون أن تسفر الهجمات عن محاكمة حقيقية عادلة أو أن تكون تلك الهجمات سبباً لإصدار تشريعات توقف مثل هذه الأحداث عند حد معين وتعاقب مرتكبيها.

من نافل القول أن لكل دولة الحق في أن تسن التشريعات المناسبة لحماية مجتمعاتها ولا يضيرها في ذلك شيئاً طالما أنها لا تتعدى في ذلك على حريات الأخرين أو تصادر حقوقهم، لكن المشكلة تبدأ في الوقت الذي تكون القوانين التي تسنها السلطات انتقائية وتحدد المجرم والضحية بشكل مسبق، ما يدل على مجافاة تامة للعدالة وتحرّي الدقة وازدواجية في تطبيق المعايير بناء على مقاييس غير عادلة.

ومثال ذلك أعلن وزير العدل السويدي أنهم سيعززون تشريعات مكافحة الإرهاب بإقرار مشروع قانون جديد قدمته الحكومة إلى البرلمان، جاء ذلك في أثناء مشاركته في اجتماع وزراء عدل دول الاتحاد الأوروبي المنعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، موضحاً أن مشروع القانون يمنع الانضمام إلى تنظيم إرهابي قدمته الحكومة إلى البرلمان للتصويت عليه، على أن تدخل التغييرات التشريعية حيز التنفيذ في 1 يونيو/حزيران 2023 بهدف منع الانضمام إلى المنظمات الإرهابية.

هذا أمر حق لا محالة لكن من قال إن هذه المنظمات تدين بدين واحد؟ وأن كل ما يوصم بالإرهاب هو مسلم بالضرورة، وهل يبيح ذلك على سبيل المثال، غض العالم بصره عن رسائل الكراهية التي أرسلها أحد الأشخاص إلى المساجد في بريطانيا ،عقب حدوث الزلزال المدمر في سوريا وتركيا مخاطباً فيها المسلمين ومتمنياً موت أعداد أكبر منهم دون أن يكون لذلك السلوك عقبات قانونية رادعة، أو تلك المجلة الفرنسية "شارلي ابدو" التي سخرت من ضحايا الزلال برسومات تقطر كراهية وعنصرية ولا تهدف إلا إلى تعزيز العداء للمسلمين في الغرب.

أُطلقَ على مثل هذه الحالات "الإسلاموفوبيا" وهي كلمة مستحدثة، يُقصد بها الخوف أو الرهاب غير العقلاني، وعرّف قاموس أكسفورد الإنجليزي الإسلاموفوبيا بأنها "الخوف والكراهية الموجهة ضد الإسلام، قوةً سياسيةً تحديداً، والتحامل والتمييز ضد المسلمين".

تستمر الأوساط الرسمية في أوروبا أو أمريكا بإنكار وجود مثل هذه الظاهرة وتعتبر إجراءاتها المبالغ فيها مبررة، في وقت بدأت فيه بعض الأوساط الأكاديمية تفرد مساحات أكبر لدراسة الظاهرة والتعليق على مدى خطورتها، وما يمكن أن تتسبب به من تدمير وفرقة في مجتمعات من المفترض أن يعم السلام بين أفرادها، في مواجهة فئة من منظّرين وفلاسفة يطعنون بأن الإسلاموفوبيا أصبحت سلاحاً للإسلام السياسي، يبرر فيه مظلوميته ويبيح تغلغله في المجتمعات وأن الأقليات المسلمة لا تعاني من أي اضطهاد في أوروبا.

لكن ذلك غير مطابق للأرقام والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية التي تفيد بتمييز في قطاعات مختلفة بالنسبة إلى التوظيف والتعيين أو التقدم في المرتبة الوظيفية، أو حتى في الحصول على الخدمات الطبية والمحلية لسكان بعض الأحياء.

بعض الدول استفاقت إلى الأزمة التي يحتمل أن تفرزها مثل هذه الظواهر بخلق مشكلات في بنية المجتمعات المبنية على الاستقرار وعلى سيادة القانون، لكن ذلك يتطلب جرأة المواجهة والاعتراف بوجود وتفشي هذه الظاهرة وعدم الادعاء بخلاف ذلك.

بهذا الصدد عيّنت كندا في أواخر يناير/كانون الثاني مطلع العام الجاري أول ممثلة خاصة لديها معنية بمكافحة الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام)، وهو منصب استُحدِث بعد سلسلة هجمات استهدفت المسلمين مؤخراً في البلاد.

وشغلت المنصب صحفية مناصرة ومدافعة عن حقوق الإنسان ومستشارة وخبيرة، وممثلة لدعم وتعزيز جهود الحكومة الفيدرالية في مكافحة الإسلاموفوبيا والعنصرية المنهجية والتمييز العنصري وعدم التسامح الديني.

اليوم وبعد عقدين ونيف لا يزال الوضع على ما هو عليه، ولا يزال المسلمون متهمين بالتطرف والإرهاب، ولا يزالون يحاولون جاهدين إلقاء عبء مثل ذلك الاتهام القبيح عن أكتافهم.

تسبب صعود بعض التيارات اليمينية في العديد من الدول الغربية في انتشار واسع للإسلاموفوبيا والتغاضي عنها، لكن ذلك كان من الممكن تفاديه في حال أخذ الظاهرة على محمل الجد وإيلائها الأهمية اللازمة كي لا تستشري الفكرة الرافضة للأقلية المسلمة في المجتمع، أو تصبح الهجمات المتكررة ضدهم وإقصاؤهم حدثاً عادياً لا يستحق الوقوف عنده.

قد يكون من الممكن تحقيق جزء من النتائج بالحذو حذو كندا ومحاولة تغيير الصورة التي لُفقت للأقلية المسلمة عبر عقود، لكنه لم يعد كافياً بل ويحتاج إلى جهد مضاعف، قبل أن يُوَلّد التطرف تطرفاً مقابلاً.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً