تابعنا
حذّرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في بيانها، أنّه وفي ظل البيئة القاسية التي يواجهها الأشخاص الفارّون من الحروب والصراعات أو الباحثون عن حياة أفضل، فمن "الضروري ألا يتجاهل البرلمان الأوروبي أضرار أنظمة الذكاء الصناعي العنصرية".

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقرار قانون جديد ينظِّم عمل الذكاء الصناعي ضمن حدود دول الأعضاء، وسيكون القانون في حال إجازته بشكل رسمي من مؤسسات الاتحاد الأول من نوعه، الذي يضع قواعد وأحكاماً تنظّم الذكاء الصناعي بما يحمي مستخدمي الاتحاد من الخروقات التي قد تنجم عن استخدامه، وخصوصاً فيما يتعلق بحفظ البيانات والخصوصية.

لم يتوصل الاتحاد إلى إقرار النسخة النهائية من القانون بعد، فالمداولات حول القانون بدأت بحلول 2021، أي قبل عامين تقريباً، وكانت الجهات المختصة قد توصلت إلى النسخة النهائية قُبيل ظهور الذكاء الصناعي التوليدي ChatGPT ليعيد المداولات إلى المربّع الأول ويخلط الأوراق.

استخدامات عنصرية

وفي أثناء مناقشة نص القانون أثارت بعض الجهات الحقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية عديداً من التحفّظات على النسخة الأولية، وخصوصاً في الموضوعات المتعلّقة بالقضايا التحيّزية والتمييزية التي قد تمارسها السلطات الأوروبية باستخدام هذه التكنولوجيا ضد الفئات الأشد ضعفاً على رأسهم المهاجرون.

وقد حذّرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في بيانها، أنّه وفي ظل البيئة القاسية التي يواجهها الأشخاص الفارّون من الحروب والصراعات أو الباحثون عن حياة أفضل، فمن "الضروري ألا يتجاهل البرلمان الأوروبي أضرار أنظمة الذكاء الصناعي العنصرية".

وأضافت المنظمة في بيانها: "يجب على المشرّعين حظر التنميط العنصري وأنظمة تقييم المخاطر، التي تصنّف المهاجرين وطالبي اللجوء على أنهم تهديدات؛ وحظر التكنولوجيا التنبؤية التي ترصد التحركات على الحدود وحرمان الأشخاص من حق اللجوء".

تحذير منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان لم يأت من فراغ، فقد أنفقت فرونتكس -وهي وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية- ما يقرب من 434 مليون يورو على المراقبة ذات الطابع العسكري والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في الفترة من 2014 إلى 2020، وقد كان الهدف من كل هذا النشر التكنولوجي "العسكري" على الحدود هو إعاقة مرور المهاجرين وحرمانهم من حقهم في حياة أفضل وأكثر أمناً.

كما أنّ مخاوف الاستخدام التمييزي والتحيّزي ضدّ المهاجرين لا يقتصر على الحدود وحسب، ففي عام 2020 تبيّن أن سلطات الضرائب الهولندية قد استخدمت خوارزميات ذكاء صناعي صنّفت عن طريق الخطأ نحو 26 ألف من الآباء بأنهم ارتكبوا احتيالاً في طلبات إعانات رعاية الأطفال الخاصة بهم، ليتبيّن أنّ العديد من هؤلاء الآباء لديهم خلفية مهاجرة.

على أثر ذلك طُلب منهم سداد مبالغ كبيرة، ما أدّى إلى صعوبات مالية ونفسية كبيرة للأسر المعنيّة، وبعد التدقيق، خلصت هيئة حماية البيانات إلى أنّ معالجة البيانات بوساطة نظام الذكاء الصناعي المستخدم كانت تمييزية.

استهداف اللاجئين

ويعكس سعي الاتحاد الأوروبي إلى عسكرة الحدود بتقنيات الذكاء الصناعي المخاوف الأمنية وخصوصاً أن المهاجرين أصبحوا الشمّاعة التي تعلِّق عليها الحكومات الأوروبية فشلها في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية التي نجمت عن كورونا وما تلاها من أزمات، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي تيارات اليمين المتطرف التي تقتات على سياسات التحريض والتعبئة الجماهيرية ضد "الغير".

وربّما ما يحدث في فرنسا والعديد من الدول الأوروبية حالياً من أعمال عنف ومواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين مستائين من إخفاق سياسات الإدماج أكبر دليل على المخاوف الأمنية في دول الاتحاد الأوروبي.

كما أنّ حشر قضية اللاجئين ضمن البعد الأمني سوف يفاقم من هذه الأزمات، ويؤجّج المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار.

إنّ العودة بقضيّة اللاجئين إلى بعدها الإنساني الصرف، من شأنه أن ينزع فتيل هذه الأزمات، ومن هنا يجب إعادة النظر في آليات استخدام الذكاء الصناعي في مثل هذه القضايا من مجرد المراقبة والتجسّس والتصنيف إلى الحماية.

فمن أجهزة كشف الكذب إلى الطائرات من دون طيار والأنظمة الأخرى التي تعمل بالذكاء الصناعي، أثبتت التجربة الأوروبية الحالية أن أدوات مراقبة الحدود تدفع الناس نحو طرق ومسالك أكثر خطورةً وفتكاً، كما تجرّدهم من حقوق الخصوصية الأساسية الخاصة بهم، وتضرّ بشكل غير مبرر ولا سليم بمطالبهم في الوصول الآمن إلى أماكن الهجرة التي يقصدونها.

وقد أصبح من المعروف على نطاق واسع أنّ هذه التقنيات تعمل على تجريم الأشخاص المتنقلين، وتصنّفهم على أساس عنصري، وتسهّل عمليات الترحيل غير القانونية التي تنتهك مبادئ الحماية الإنسانية.

النزعة الاقتصادية

إضافة إلى البعد الأمني، هناك بعدٌ اقتصادي وراء انتشار تقنيات الذكاء الصناعي لغايات المراقبة والرصد والإبعاد، فهذا القطاع يعدّ قطاعاً رائجاً للعديد من الشركات لجني الكثير من الأرباح، منها على سبيل المثال لا الحصر شركات Palantir وG4S وBuddi Ltd.

وتمارس هذه الشركات سياسة الضغط واللوبيات لتعزيز حضورها في دوائر صنع القرار داخل الحكومات الأوروبية مستغلين نزعة الخوف لديها من المهاجرين لنشر مزيدٍ من تقنيات الذكاء الصناعي لأغراض عسكرية على الحدود، وجعل حدود أوروبا عصيّةً في وجه المهاجرين وطالبي اللجوء.

وفي السياق ذاته، أشار بحث لمنظمة العفو الدولية إلى أنّ الكاميرات التي صنعتها شركة هولندية تدعى TKH Security، تُستخدم في الأماكن العامة، وتُلحق بالبنية التحتية للشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة، تستخدم من أجل ترسيخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين وتعزيز نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضدّهم.

كما كشفت تحقيقات مماثلة أيضاً، عن أنّ الشركات الموجودة في فرنسا والسويد وهولندا باعت أنظمة مراقبة رقمية، مثل تقنية التعرّف على الوجه (FRT) وكاميرات الشبكة، إلى جهات صينية لتعزيز نظام المراقبة الشاملة الذي تبنيه الحكومة الصينية، والذي يستخدم على نطاق واسع ضدّ بعض الأقليات العرقية والدينية في البلاد، الأمر الذي يعزز سياسات التمييز بحقهم ويحرمهم من حقوقهم في التحرك والعيش بأمان.

شروخ بنيوية

ويعزِّز من مخاوف استخدام الذكاء الصناعي لأغراض تمييزية أيضاً خلوَّ سياسات الاتحاد الأوروبي من الاتساق في شأن النظر إلى المهاجرين أو الأقليات من عرقيات مختلفة.

على سبيل المثال، قام صندوق الأبحاث التابع للاتحاد الأوروبي بتمويل بحث عن تقنية "تصنيف العِرْق"، وهي تقنيّة تميّز عرق الشخص من خلال ميّزات مثل لون البشرة أو ملامح الوجه، وقد واجهت هذه التكنولوجيا انتقادات شديدة من علماء الكمبيوتر والحقوقيين الذين يخشون من أن هذه التكنولوجيا قد تغذي التمييز، ولا تأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي للهوية العرقية.

كما موّل الصندوق أيضاً مشروع iBorderCtrl الذي أُلغي لاحقاً، والذي يهدف إلى إنشاء نظام لأمن الحدود يستخدم تقنية التعرّف على الوجه لمعرفة ما إذا كان الناس يقولون الصدق أم يكذبون، من دون مراعاة الظروف الاستثنائية والعصيبة التي يمرّ بها المهاجرون وطالبو اللجوء، إذ تحرمهم من التصرّف على طبيعتهم.

إنّ المخاوف الأمنية، والنزعة الاقتصادية من وراء هذه التقنيات، وغياب الاتساق في بنية الاتحاد الأوروبي القانونية تعتبر شروخاً بنيوية ربما تضعف من الأصوات الحقوقية التي تحذّر من الاستخدامات الخبيثة للذكاء الصناعي في حقّ المهاجرين والأقليات من عرقيات مختلفة في الاتحاد الأوروبي.

ولا يبدو أن المنظمات الحقوقية لديها القدرة على ممارسة التأثير لمعالجة هذه الشروخات، كما لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي جادٌّ في التعاطي معها، وبالتالي فإننا أمام حلقة جديدة من التمييز ضدّ المهاجرين وطالبي اللجوء عنوانها هذه المرة تكنولوجي.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي