تابعنا
في هذه المرحلة من الكارثة، يعد تقديم الدعم المعنوي واللوجستي أكثر أهمية بكثير من تضخيم الادعاءات التي تتمحور حول طفرة البناء في تركيا.

تعرضت المقاطعات الجنوبية الشرقية في تركيا لهزات أرضية مزدوجة بلغت قوتها 7.7 و7.6 درجة على التوالي، مما خلف دماراً هائلاً من الموت والخراب. سارعت فرق إدارة الكوارث في تركيا إلى إرسال فرقها إلى المناطق التي ضربتها الكارثة، لكن فداحة الأمر كانت مهولة لدرجة أن أنقرة أعلنت على الفور حالة التأهب من المستوى الرابع، وطلبت المساعدة الخارجية.

لا تعد الزلازل حدثاً غريباً على تركيا التي تعد بين أكثر عشرة دول في العالم معرضة للزلازل باستمرار. تعتبر الهزات المزدوجة التي وقعت يوم الاثنين هي الأكثر تدميراً التي شهدتها البلاد منذ عام 1939. وتأثر بشكل مباشر ما لا يقل عن عشر مقاطعات، بحجم كوبا، مع تعداد سكاني يبلغ 13.5 مليون نسمة عانوا من الكارثة بشكل مباشر هذا فضلاً عن مناطق شمال سوريا التي عانت من الزلزال هي أيضاً.

أكثر من أي شيء آخر، تركيا وسوريا بحاجة إلى دعم إنساني. أكثر من مجرد كلام، نحن بحاجة إلى عمل، فرق إنقاذ ودعم فني وأي مساعدة لوجستية لبعثاتنا الخارجية في تنظيم المساعدات. لكن لسوء الحظ، بدأ قسم من وسائل الإعلام الغربية في تشويه سمعة الحكومة التركية في وقت كانت الدولة مشغولة للغاية بالإشراف على مهام البحث والإنقاذ في جميع أنحاء البلاد.

يتركز أحد الادعاءات الخاصة التي تطرح في وسائل الإعلام الأجنبية على طفرة البناء التي شهدتها السنوات العشرين الماضية من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. في الوقت الذي تنشر فيه الهزات الارتدادية المتتالية الخوف والذعر في المنطقة المنكوبة بالكارثة، تنشر المؤسسات الإعلامية الغربية تقارير ومقالات افتتاحية تزعم أن النمو الاقتصادي في تركيا "المدفوع بالبناء" هو السبب إلى حد كبير في ارتفاع عدد القتلى في الزلزال الذي ضرب المناطق المنكوبة. الحكومة متهمة بغض الطرف عن التزام معايير البناء والسلامة المهمة.

على الرغم من وجوب التحقيق في جميع المباني المنهارة ومعاقبة أصحاب المصالح إذا ثبتت إدانتهم بانتهاك قواعد البناء، يجب إعطاء الحكومة مساحة للتركيز على عمليات البحث والإنقاذ وتنفيذ خطط الطوارئ مثل إسكان عشرات الآلاف من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم في الأيام الأربعة الماضية بالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية والإمدادات الأساسية الأخرى للسكان المتضررين.

يمكن أن يُنظر إلى تعالي الأصوات الناقدة في أثناء كارثة طبيعية على أنه محاولة قبيحة لتسييس الأزمة. من الجيولوجيين إلى قادة العالم، بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، يمكن لكل عقل عقلاني أن يرى مدى الضخامة غير المسبوقة في حجم الزلازل المزدوج الذي وقع يوم الاثنين. الزلزال الثاني الذي حدث على مقربة من الزلزال الأول وبنفس القدر من القوة جعل هذه الكارثة ظاهرة نادرة في التاريخ الزلزالي المسجل.

تركيا ليست الدولة الوحيدة في العالم التي لديها كتلة من المباني القديمة أو التي قد لا تجتاز اختبار السلامة من الزلازل. الولايات المتحدة لديها كتلة كثيفة من المباني غير السليمة أيضاً. على سبيل المثال، ولاية لوس أنجلوس: لا سجلات لدى بلديتها عن عدد المباني غير المطيلة في جميع أنحاء المدينة. في عام 2013، أشار تحليل مستقل إلى أن ما لا يقل عن 1000 مبنى في مدينة لوس أنجلوس ومئات أخرى في مقاطعات أخرى ممكن أن تكون عرضة للانهيار إذا حدث زلزال شديد الضخامة.

في ضوء زلازل تركيا المزدوجة، كثير مما يجب معالجته. جعلت الخصائص المميزة لهذا الزلزال، مثل تعدد خطوط الصدع الرئيسية والتمزق الزلزالي على عمق ضحل، هذه الكارثة واحدة من أسوأ الكوارث في المنطقة. كان التأثير قاسياً إلى درجة أن الطرق الفرعية والطرق السريعة تشققت، وتحطمت المباني مثل حزمة من الكرتون. حتى قلعة غازي عنتاب التي يبلغ عمرها 2000 عام تعرضت لأضرار جسيمة على الرغم من تجديدها عدة مرات في التاريخ الحديث.

بينما يجب أن يظل التركيز في هذه المرحلة على إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص العالقين تحت الأنقاض واستعادة جثث من قضوا، يجب على الحكومة التحقيق في المباني لمعرفة مكان انتهاك قوانين البناء وتحديد الأشخاص المسؤولين عن تجاوز هذه القواعد.

لكن في الوقت نفسه، يجب على المؤسسات الإعلامية، وخاصة العاملة من الدول الغربية، الامتناع عن استغلال كارثة بهذا الحجم لمجرد الانتهازية السياسية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً