تابعنا
عملت تركيا على إنتاج الدبابات المتطورة لتخفيض اعتمادها على الخارج وفي هذا السياق سُلّمت دبابة "ألطاي" الجديدة إلى القوات المسلحة التركية وبهذه الخطوة ومثيلاتها خفضت تركيا اعتمادها على الخارج في الصناعات الدفاعية من 80% إلى 20%.

انشغل العالم بمتابعة تفاعلات ونتائج الانتخابات التركية الحاسمة الأخيرة، التي عبّرت في إحدى دلالاتها عن استمرار مسار تركيا الاستقلالي، ومع ذلك كانت مشاريع مهمة بدأت مبكراً في هذا المسار في عدة مجالات حيوية.

يتضمن هذا المسار الذي من شأنه تعزيز الاستقلال الذاتي المشاريع الوطنية الاستراتيجية التي نفذتها تركيا مؤخراً ومنها على سبيل المثال سفينة تي جي غي أناضول (TCG Anadolu) وهي أول حاملة مسيّرات هجومية في العالم وأكبر سفينة حربية تركية، وعُرضت في عدة مواني مدنية وسُمح للمواطنين بالصعود إليها وتفقد مستوى القدرة العسكرية الذي توصلت إليه الصناعات العسكرية التركية في سعيها نحو الاكتفاء الذاتي، وعلى متنها استطاع المواطنون رؤية الطائرات التركية المسيّرة بأنواعها.

على المستوى العسكري أيضاً، عملت تركيا على إنتاج الدبابات المتطورة لتخفيض اعتمادها على الخارج وفي هذا السياق سُلّمت دبابة "ألطاي" الجديدة إلى القوات المسلحة التركية وبهذه الخطوة ومثيلاتها خفضت تركيا اعتمادها على الخارج في الصناعات الدفاعية من 80% إلى 20%.

وفيما وراء المستوى العسكري عُمل على إنجاز مشاريع استراتيجية في مجال الفضاء والطاقة والمال والمواصلات والتكنولوجيا. وفي هذا الإطار جرى إطلاق القمر الصناعي الجديد "إيمجه" إلى الفضاء، ووصل إلى مداره وتمكن من إرسال أولى الإشارات.

وكان الهدف الأساسي من وراء إطلاق القمر الصناعي الجديد تقليل الاعتماد على الخارج وتلبية احتياجات المؤسسات التركية من الصور الفضائية عالية الدقة.

ويمكن أن نشير هنا إلى أن القمر الصناعي أُنتِج محلياً من المهندسين الأتراك بشكل كامل، وكان أهم ما يميزه هو عدسات الكاميرات المصنعة محلياً، وهذا المشروع كان في إطار البرنامج الوطني للفضاء الذي أُطلِق عام 2021، ومن بعده لوحظت سرعة وتيرة العمل في مجال الدراسات الفضائية وتطوير الأقمار الصناعية.

من ناحية أخرى تجولت توغ السيارة الكهربائية التركية المحلية، وعُرضت في الميادين أمام المواطنين. وجرى التعامل مع هذا المنتج أكثر من كونه سيارة عادية إلى كونها رمزاً للتقدم التكنولوجي والاقتصادي والسير نحو السمعة العالمية.

ويمكننا القول إن مشروع السيارة التركية المحلية كان حلماً طال انتظاره لمدة 60 عاماً في تركيا. لم يعد الأمر حلماً، بل أصبح مشروعاً كبيراً سيساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المحلي، إذ يُتوقَّع أن يساهم المشروع بنحو 50 مليار دولار في الاقتصاد التركي على مدار الأعوام الخمسة عشر قادمة.

أما في مجال الطاقة يمكن القول أن المشاريع في هذا المجال لا تقل أهمية عن المجال الأمني والعسكري. فمسار تركيا الاستقلالي في مجال الطاقة يعفيها من الاعتماد على الخارج إذ بدأت بعدة مسارات منها مشاريع البحث والتنقيب، التي استطاعت عبرها اكتشاف الغاز في البحر الأسود والنفط في شرق البلاد.

وعليه،افتتح مشروع الغاز الطبيعي المستخرج من البحر الأسود، الذي اكتشفته طواقم وسفن تملكها تركيا. وأثمرت الجهود عن ربط الحقل بشبكة التوزيع حيث سيجري نقل أكثر من 700 مليار متر مكعب من الحقل إلى شبكة التوزيع.

وفضلاً عن مسارات البحث والتنقيب اجتهدت تركيا في مشاريع توليد الطاقة عبر طرق غير الاعتماد على المصادر الهيدروكربونية واتجهت إلى مجالات مثل توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية، و ضُخَّت أول كمية من الطاقة الكهربائية من محطة أق قويو النووية التي افتتحها الرئيس أردوغان. وستزوّد المحطة 10% من الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية مما يوفر فاتورة الطاقة التي تدفعها تركيا سنوياً ويجعلها أكثر استقلالية في هذا المجال.

ومن جانب آخر، افتتح مركز اسطنبول المالي، بإشراف صندوق الثروة السيادي في تركيا. ويرى المراقبون المختصون في المجال الاقتصادي أن مركز اسطنبول المالي يمكن أن يضع تركيا ضمن قائمة الدول الرائدة في القطاع المالي، ويجعلها في موقع منافس عالمياً لأقوى المراكز المالية.

وفي ذات السياق مشاريع أخرى تسير على قدم وساق منها منشآت بنية تحتية تعالج المعادن النادرة المكتشفة في تركيا وتحاول إنتاج آلاف الأطنان من المواد التي تسهم في رفع قيمة الصادرات التركية وتشكل مدخلاً مهماً للاقتصاد التركي.

تميزت تركيا خلال عهد حزب العدالة والتنمية بجملة من المشاريع الكبرى التي سعت من خلالها تركيا لتحقيق استقلال أكبر في سياستها الداخلية والخارجية عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات الاستراتيجية، والاعتماد على القدرات المحلية في تحديد مسارات نهضتها المستقبلية ولا تزال تسعى بشكل حثيث في هذا الطريق وبشكل ثابت نحو مزيد من الاستقلال.

ومع أن العمل في المجالات المختلفة يسير بشكل متوازي فإن المثال الأكثر وضوحاً في تركيا هو المشاريع الاستراتيجية في الصناعات العسكرية، التي برز منها بشكل جلي الطائرات بلا طيار مثل "أقنجي بيرقدار" و"قيزيل إلما".

ومن خلال هذا المثال يمكننا أن نضع صورة بانورامية لعملية متكاملة، إذ تحوّل العمل في مشاريع الصناعات العسكرية بشكل حقيقي مع مجيء حزب العدالة والتنمية.

وجرى التعامل مع مشاريع الصناعات العسكرية عمليةً متكاملةً إذ جرى بناء البنية التحتية لشراء الاحتياجات وتحويل المسار الصناعي، وتشكيل علاقات سليمة بين التكنولوجيا وصناعة الدفاع من أجل زيادة الفرص وتوسيع القدرات. ثم أُنشئت مؤسسات جديدة بمهام محددة، وأعيدت هيكلة المؤسسات القديمة وأُعيد ربطها بمؤسسات صناعة القرار مباشرة.

وكان لسياسة إسماعيل ديمير، الرئيس السابق لصناعات الدفاع في تركيا، دوراً في التعافي من معضلة انعزال بعض القطاعات عن بعضها. فراعى الانفتاح بين القطاعين العام والخاص، مما مهد لانطلاقة كبيرة حوّلت العملية إلى حركة كاملة للتنمية الصناعية، واتجاه تكنولوجي وطني. وذلك من خلال التعاون بين طيف واسع من المؤسسات التي تنتمي لمجالات عدة من الصحة إلى الطاقة ومن العمل العسكري إلى الأمني.

تقتضي المصالح الجيوسياسية لتركيا أن تُعلي شأن المشاريع الوطنية، فالثورة العسكرية العالمية في تطوير الطائرات بلا الطيار دخلت متغيراً جديداً للعبة في التنافس الدولي. فهي في أوكرانيا وليبيا وكاراباخ وسوريا، وكان لها دور كبير في تحقيق مصالح تركيا.

كما أن هذه المشاريع الدفاعية المحلية الصنع توفر بديلاً استراتيجياً ناجحاً في ظل إعاقة الولايات المتحدة تسليم طائرات F-16 إلى تركيا بعد إخراجها من مشروع مقاتلة F-35.

وتعطي هذه المشاريع لتركيا زخماً في تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر التدريجي من الاعتماد على القوى الخارجية.كما توفر لتركيا مورداً اقتصادياً يساعد في مزيد من تقدمها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً