تابعنا
يواجه مستقبل مشروع الممر الهندي الذي يتمتع بقدرة عالية على التأثير في التوازنات الاقتصادية العالمية مخاوفَ أمنية خطيرة وعدم استقرار ومخاوف سياسية؛ بسبب الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الحالية.

طرحت الهند مشروع ممرٍّ تجاريٍّ قد يؤثر في التجارة العالمية والإقليمية، ويغيّر معالمها، معيداً تشكيل التاريخ قبل أشهر.

وفي قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في الهند، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت الولايات المتحدة رسميّاً عن المشروع الجديد، الذي يرى فيه البعض بديلاً لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية في الشرق الأوسط.

ويعرف هذا المشروع باسم "الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا" (IMEC)، ويروّج داعموه بأنه سيكون أفضل ممرّ اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

في السنوات الأخيرة، أصبحت الهند واحدةً من الدول التي برزت على الساحة، بسبب القوّة العاملة الرخيصة لديها، وأيضاً بسبب علاقاتها المتوترة مع الصين.

وفي قمة مجموعة العشرين الأخيرة، وُقّع على مذكرة تفاهم بخصوص مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

هذا المشروع سيبدأ من الهند، وسيمتدّ عبر الإمارات والسعودية، ومن ثمَّ إلى الأردن فإسرائيل وسيصل إلى أوروبا عن طريق البحر.

ووفقاً للمسار المُعلَن، سيكون أساس هذا المشروع في الشرق الأوسط دولة الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، وسوف تُبنى الطرق البحرية، وتُمدّ خطوط السكك الحديدية وكابلات البيانات عالية السرعة وخطوط الطاقة من أجله.

وفقاً للخبراء، فإنَّ للممرِّ تأثيراً إيجابياً في العديد من الجوانب؛ يأتي في مقدمتها أنَّ الهند ستُربط بأوروبا عبر الشرق الأوسط، وأنّ الممر يمكن استخدامه بحراً وبراً وعن طريق السكك الحديدية.

وعلى صعيد آخر، فإنّ الهند تهدف من خلال هذا المشروع إلى زيادة النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل في المناطق التي يمرّ بها الطريق الجديد، إضافة إلى تقليل المدة الزمنية للنقل بنسبة 40%.

كما أنَّ هناك حاجة أيضاً إلى العديد من المستثمرين لإنشاء الممر، وتماشياً مع هذا السياق، أعلنت السعودية عن نيتها استثمار 20 مليار دولار في هذا المشروع في مرحلته الأولية.

لكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما يقابلها من تحولات في المشهد السياسي والجيواستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط عبر العالم، قد تؤثر في هذا المشروع.

مستقبل ضبابي مع حرب غزة

يواجه مستقبل مشروع الممر الهندي الذي يتمتع بقدرة عالية بالتأثير في التوازنات الاقتصادية العالمية مخاوفَ أمنية خطيرة وعدم استقرار ومخاوف سياسية؛ بسبب الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الحالية.

وتلقي الحرب الأخيرة على غزة بظلالها على أفق المشروع، على الرغم من تطمينات أمريكية وإسرائيلية.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مؤخراً، إنّ "الشرق الأوسط أصبح الآن أكثر هدوءاً مما كان عليه في العشرين عاماً الماضية"، وذكّر بأنّ "المنطقة على وشك تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي جديد بقيادة الولايات المتحدة". من جهته، وصفَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المشروع بأنه "أكبر مشروع تعاون في التاريخ من شأنه أن يُغيّر وجه الشرق الأوسط".

لكنْ من الجليّ أن أول المخاوف التي تظهر عائقاً أمام المشروع في المرحلة الحالية هي خطورة المسألة الأمنية، أمّا التخوّف الآخر فسيكون من شكل وطبيعة العلاقات المستقبلية للسعودية التي تقف في موقع مهيمن في هذا المشروع، وقد جمّدت علاقاتها مع إسرائيل في الفترة الحالية، بسبب الحرب على غزة.

هناك أيضاً المسألة اللوجستية التي تطرح بقوة، فميناء حيفا الإسرائيلي يُعدّ الميناء الثاني على مشروع الطريق التجاري المعنيّ.

لكن هذا الأخير مهتزّ المصداقية، وبسبب الحرب الجارية تتشكل الآن مخاوف أمنية خطيرة حول الميناء وموقعه؛ لأن المسألة الأكثر أهمية في الطرق التجارية هو الأمن.

ومن المحتمل جداً أن يكون لدى حركة حماس والمقاومة الفلسطينية القدرة العسكرية على الإضرار والتأثير في هذه الطريق التجارية وعرقلة نشاط ميناء حيفا، نظراً للموقع الجغرافي.

وفي واقع الأمر، هناك طريقتان لضمان أمن هذه الطريق التجارية؛ فإما أن يجري حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سلميّاً على أساس حلّ الدولتين، وإما أن يجري "تطهير" المنطقة من الحركات المسلحة، وهذا المسار الأخير يبدو مستحيلاً.

وفي المقابل، يتّضح أن هناك توجهاً نحو سياسات تطهير عرقي، تعتمد على العنف والخوف، بدلاً من سياسات السلام على المدى الطويل، إذ يعيش الجميع برخاء.

السعودية و"موازين الطريق"

على المستوى الجيواستراتيجي، تلعب المملكة العربية السعودية دوراً مهماً في مستقبل مشروع الممر الاقتصادي الجديد، بناءً على الموقف السياسي الذي ستتخذه تجاه إسرائيل بعد النزاع الحالي.

وقد يكون لمشروع الطريق الهندي فرصة للتطوّر في حال تحقَّقَ التقارب وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، كما تريد الولايات المتحدة، إلا أنّ أي تراجع سعودي قد ينهي المشروع في المهد.

ويبدو أن الموقف السعودي من القضية الفلسطينية واضح مؤخراً، فقد جمّدت نقاشاتها حالياً مع إسرائيل، ونادت بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة ضمن حدود 1967 وإبقاء عملية السلام نشطة، ولهذا الغرض عيّنت السعودية مؤخراً أوّل سفير لها لدى فلسطين.

إنّ الوضع الحالي للقضية الفلسطينية مع هذا الصراع غير المتكافئ والمذابح غير القانونية والجرائم الحربيّة بحق المدنيين، سوف يجعل السعودية تتراجع خطوةً إلى الوراء، فيما يتعلق بالتقارب المُحتمل مع إسرائيل، وهذا من شأنه إحباط الخُطط الأمريكية الخاصّة بالممرِّ الاقتصادي.

وعلى صعيد آخر، فإن وضع السعودية كشريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وأيضاً بحكم أنها حصلت على عضوية مجموعة "بريكس" خلال قمّتها الأخيرة، من المرجّح أن يجعلها هذا أقرب إلى خطّ بكين وموسكو في إطار المشهد الجيواستراتيجي الحالي.

وباختصار إنَّ مشروع الممر الاقتصادي، الذي خطَّطت له الولايات المتحدة كجزء من جهودها للتحول الجيواستراتيجي ضدّ تأثير الصين في الشرق الأوسط بسبب التأثيرات السياسية والأمنية التي خلقها الصراع في المنطقة، قد يتعثّر أو يفشل قبل أن يبدأ.

إضافة إلى ذلك، فإن انعدام الأمن والتوتر وعدم الاستقرار الناجم عن البيئة السياسية غير المستقرة في المنطقة، والحرب على غزة، قد يعيق الاستثمارات ويعطِّل طرق النقل والتجارة، ويحوِّل الخدمات اللوجستية بين الهند وأوروبا إلى طرق أُخرى بديلة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً