يواصل الشارع التركي حراكه الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية والداعي لوقف إطلاق النار / صورة: AA (AA)
تابعنا

في ساعات صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية عسكرية مفاجئة وشاملة ضد المناطق التي تحتلها إسرائيل عام 1948. بددت هذه الخطوة الأساطير حول مناعة إسرائيل وهياكلها الاستخبارية مثل الموساد أو "شين بيت" بعد أن سيطرت كتائب القسام على العديد من المواقع العسكرية في محيط قطاع غزة خلال وقت قصير.

هزت العملية التوازنات الإقليمية في المنطقة، وعلى رأسها عملية التطبيع مع إسرائيل، ووضعت القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم، وردت إسرائيل بإعلان حرب شاملة على القطاع، استهدفت خلالها المدنيين وانتهكت القانون الدولي على مرأى العالم، وبينما عارضت شعوب العالم سياسات إسرائيل الخارجة عن القانون، تبنت تركيا خطاباً قاسياً ضد إسرائيل ووقفت إلى جانب فلسطين.

سياسة تركيا تجاه فلسطين

كانت ومازالت سياسة تركيا تجاه فلسطين تتخذ موقفاً داعماً إلى جانب الشعب الفلسطيني وتحديداً مطلبه بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967، وهو من ثوابت أنقرة في التعامل مع القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، ورفض سياسة الاستيطان الإسرائيلية، فمؤخراً استخدم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تعبير "لص" بدلاً من لفظ "مستوطن" لوصف سياسات الاستيطان الإسرائيلي.

وفي مناسبات عدة، أضرت الهجمات الإسرائيلية على غزة بالعلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل، بعد أن أعلنت تركيا مرات عديدة أن الهجمات الإسرائيلية المنافية للقانون الدولي يجب أن تتوقف على الفور.

وفي الحرب الأخيرة، صرح كبار السياسيين والمسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان، بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وأن نتنياهو مجرم حرب مثل هتلر.

علاوةً على ذلك، ذكر المسؤولون الأتراك أنه يجب محاكمة إسرائيل في المحاكم الدولية؛ بسبب مهاجمتها المتعمدة للمناطق المدنية مثل المستشفيات ومخيمات اللاجئين والمدارس.

كما ألقى أردوغان اللوم بشكل خطير على الدول الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي تدعم، من دون قيد أو شرط، الهجمات الإسرائيلية غير القانونية.

عندما ندقق في خطابات تركيا وتصريحاتها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، نرى أن السياسة التي تنتهجها الحكومة قد أصبحت أكثر تشدداً تدريجياً، وأدانت تركيا الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، وانتقدت حكومة نتنياهو، وأكد أردوغان أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن هو الخيار الأكثر منطقية للاستقرار الإقليمي.

وبعد الهجوم على المستشفى الأهلي ومداهمة مستشفى الشفاء، صرّح الرئيس أردوغان في خطابه أمام حزب العدالة والتنمية، أن حماس ليست منظمة إرهابية، بل هم مجاهدون يدافعون عن أراضيهم. ولذلك، بدأ موقف تركيا وسياستها بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول بالتشدد يوماً بعد يوم.

هناك منطق وراء عدم قطع تركيا علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل والتشديد التدريجي لتصريحاتها المناهِضة لإسرائيل، وتُظهر استراتيجية الرئيس أردوغان أن تركيا تتصرف بعقلانية وتركز على المكاسب طويلة المدى.

أنقرة، التي ترى أن حرب غزة ستنتهي وأن عليها أن تبقى على اتصال مع تل أبيب، لا تريد قطع العلاقات مع إسرائيل، وهذا أمر معقول أيضاً بالنسبة إلى بعض الفصائل الفلسطينية، وفي واقع الأمر، تريد تركيا أن تلعب دور الوسيط والضامن من أجل إنهاء الحرب.

ولتحقيق هذه السياسة، يتعين على تركيا التفاوض مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وبينما تحافظ تركيا على سياساتها النشطة، فإنها تتبع سياسات حذرة وواقعية قدر الإمكان حتى لا تكون في الجانب الخاسر في عمليات التحول الإقليمي.

خطوات تركيا وإمكاناتها

وبوسع تركيا أن تتخذ ثلاث خطوات حاسمة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وإنهاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، ومنع الأزمة من التفاقم.

أولى هذه الخطوات دور الوساطة، إذ إن تركيا التي قدمت سابقاً عدداً من مبادرات الوساطة للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط، يمكن لها أن تلعب هذا الدور بخاصة في ظل علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، فتركيا تريد أن تكون وسيطاً يسعى إلى الجمع بين الجهات الفاعلة الإسرائيلية والفلسطينية، ولكي يحدث ذلك، فإن الحفاظ على علاقات سياسية مع جميع الأطراف أمر لا بد منه.

الخطوة الثانية لتركيا عرضُ الدولة الضامنة، فعلى غرار النموذج القبرصي الذي لعبت فيه أنقرة دور الدولة الضامنة، وتمكنت من تحقيق الاستقرار في الجزيرة، تسعى تركيا إلى تكرار النموذج ذاته في قطاع غزة وفلسطين.

وفي هذا السياق، قال الرئيس أردوغان ووزير الخارجية فيدان إن الدول الأخرى، وكذلك تركيا، يجب أن تلعب دور الضامن للوضع في غزة، ومن أجل إبقاء خطة الضمانة مطروحة على الطاولة، لم تقطع تركيا اتصالاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وفي حال نجاح تركيا في هذا الأمر، فلن تتمكن إسرائيل من مواصلة الإبادة الجماعية في فلسطين، هذا ما يدفع إسرائيل والدول التي تدعمها إلى رفض أن تكون تركيا دولة ضامنة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إنه لم يجرِ التوصل بعد إلى إجماع سياسي وشعبي داخلي على أن تصبح دولة ضامنة في القضية الفلسطينية.

ثالثا، أظهرت الأزمة، بخاصة في شمال غزة، مدى الحاجة إلى تقديم المساعدات الإنسانية، في هذه المرحلة يمكن لتركيا اتخاذ خطوات لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق البحر والبر عبر بوابة رفح من خلال ترتيب الأمر دبلوماسياً مع السلطات المصرية.

تركيا التي تتمتع بخبرة وقدرة عاليتين في مجالات الوساطة والدولة الضامنة والمساعدات الإنسانية، قادرة على التواصل وإقامة العلاقات مع كلّ من إسرائيل وحماس والجهات الفلسطينية الأخرى؛ كما أنها واحدة من الجهات الفاعلة الوحيدة التي يمكنها التحدث مع الجهات الفاعلة في المنطقة والجهات الفاعلة الغربية/غير الغربية.

وترى تركيا التي جربت كل السُبل الدبلوماسية أن الحل النهائي يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس وإنهاء الاحتلال، ونتيجة لذلك، تؤكد تركيا أن الصراع لن ينتهي من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة وإنهاء سياسات الاحتلال الإسرائيلي.

واستمراراً لدعواتها إلى وقف دائم لإطلاق النار لإنهاء الخسائر في صفوف المدنيين، تقف تركيا إلى جانب الشعب الفلسطيني، ووصفت أنقرة الهجمات الإسرائيلية بأنها إبادة جماعية، ولا تنتقد إسرائيل فحسب، بل تنتقد أيضاً الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا وفرنسا، التي تدعم إسرائيل.

وتحاول تركيا، التي تُشبّه حماس بحركة "قِوَي مِلِّيَّةٌ" أي وَطَنِيَّةٌ، التي قاتلت الاحتلال في الأناضول، إدارة العملية من دون قطع الاتصالات مع كل من فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل من أجل منع تحول الصراع إلى حرب إقليمية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً