تابعنا
‏يتمتع ترمب -‏بلا ريب- بولاء أعمى من قبل شريحة ذات ثقل سياسي لا يستهان بها في أوساط الحزب الجمهوري الأمريكي، ‏جعلته يصل إلى درجات عظيمة من الغرور والغطرسة السياسية.

‏لطالما تباهى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، ‏أمام مناصريه في ‏لقاءات وتجمعات عامة عديدة بدهائه ومكره السياسي، وقدرته في استغلال القوانين الأمريكية ‏والثغرات الموجودة فيها لتحقيق مصالحه الشخصية، مثل التهرّب الضريبي وإعلان إفلاس بعض شركاته الخاسرة كي يتجنب دفع أموال الدائنين لهذه الشركات.

‏يتمتع ترمب -‏بلا ريب- بولاء أعمى من قبل شريحة ذات ثقل سياسي لا يستهان بها في أوساط الحزب الجمهوري الأمريكي، ‏جعلته يصل إلى درجات عظيمة من الغرور والغطرسة السياسية، أبرزها ‏عندما أعلن في أحد لقاءاته الانتخابية عام 2016 عن قدرته على إطلاق الرصاص ‏وارتكاب جريمة قتل في وضح النهار في أحد الشوارع الشهيرة بمدينة نيويورك الأمريكية، دون أن يفقده ‏ذلك الأمر صوتاً واحداً من أصوات ناخبيه ومؤيديه.

الوثائق والأسرار

‏ومن المفارقات الغريبة ‏في السياسة الأمريكية خلال حملة ترمب للرئاسة حينها، قضاء جلّ وقته خلال انتخابات عام 2016 في توجيه الانتقادات اللاذعة، والمهينة ‏أحياناً، ‏ضدّ خصمه السياسي المرشحة الديمقراطية ‏هيلاري كلينتون، متهماً إياها بإخفاء الرسائل الإلكترونية واستخدامها بريداً إلكترونياً خاصاً بها وليس حساباً إلكترونياً حكومياً خلال مراسلاتها الرسمية، مما أضعف ‏من حظوظ المرشحة الديمقراطية ‏حينئذ في الفوز بتلك الانتخابات بعد تدخل المباحث الأمريكية الفدرالية في التحقيق حول ملابسات هذه القضية. ‏

وعليه كان ينبغي ‏على ترمب أن يكون أحرص الناس ‏في التعامل مع الوثائق والأسرار الحكومية، وفقاً لما يقتضيه القانون الأمريكي والنُظم السياسية المتعارف عليها.

اتهامات خطيرة

‏يعد دونالد ترمب، أول رئيس أمريكي يُتهم مرتين من قبل مجلس النواب الأمريكي، قبل فشل مجلس الشيوخ الأمريكي ‏في التصويت لصالح محاكمته وعزله ومعاقبته، ‏ويعتبر ‏أيضاً أول رئيس أمريكي سابق يوجَّه إليه ‏عدد من التهم الفيدرالية في ولاية فلوريدا ‏حول احتفاظه بالمئات من الوثائق الرسمية السرية بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية، ‏وكذلك عرقلته لمحاولات "إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية" الأمريكية للحصول والاحتفاظ بهذه الوثائق عالية السرية.

كما يواجه ترمب أيضا ‏تهماً رسمية ‏ثانية وجهها إليه المدعي العام في مدينة مانهاتن ‏بولاية نيويورك تتعلق ببعض ممارسته التجارية، و‏إضافةً إلى ‏هاتين التهمتين الرسميتين، يواجه تهماً أخرى في ولاية جورجيا تتعلق بتدخله الشخصي ‏للتأثير على تغيير نتيجة الانتخابات في هذه الولاية الأمريكية ‏المهمّة ‏عام 2020 التي خسر نتيجتها لصالح الرئيس الحالي جو بايدن.

‏سيحاول الرئيس الأمريكي السابق بلا شك استغلال ‏هذه القضايا الرسمية، المتصل بعضها بالمساس بالأمن القومي الأمريكي، استغلالاً جيداً لصالح ‏حملته الانتخابية الحالية لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، وذلك ‏بتقديم نفسه كضحية ‏سياسية للدولة العميقة بقيادة الرئيس جو بايدن.

‏لا ريب أنّ محاكمة خصم ومرشح سياسي للرئاسة الأمريكية مثل الرئيس السابق ترامب أمراً نادر الحدوث في الديمقراطيات الليبرالية الغربية، رغم وجود سوابق تاريخية مثل ‏محاكمة آرون بور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق توماس جيفرسون، قبل أكثر من 200 عام.

وتتركز خطورة هذه ‏القضايا الرسمية التي يواجهها ترمب في تعميق حدّة الانقسامات التي يعيشها المجتمع الأمريكي ‏منذ عقود عديدة، والتي تتزايد اتساعاً عاماً بعد عام مستهدفة روح وتقاليد المؤسسات الأمريكية الحاكمة العريقة، ويبقى السؤال المطروح حالياً هو: هل سيُحاكَم ترمب قبل الانتخابات الأمريكية المُقبلة؟

وإذا كان الأمر كذلك، هل ستفضي هذه ‏التهم القوية، ذات الأدلة الثابتة والموثقة، بالحكم على الرئيس الأمريكي بالسجن؟ وهل ستؤدي كذلك إلى اضطرابات شعبية مناهضة لها؟

إمكانية فوزه

‏يعتقد كثير من رجال القانون مثل وزير العدل الأمريكي السابق في عهد ترمب، ‏‏وليام بار، بأنّ التهم الفيدرالية الموجهة حالياً ‏ضد ترمب هي "‏تهم حقيقية ذات أدلة قوية ستؤدي بأي شخص ارتكبها ‏إلى السجن".

‏أضعفت ‏هذه التهم والملاحقات القضائية ‏إلى حد ما ‏من شخصية ترمب التي حرص كثيراً على إبرازها شخصية قوية ومُهابَة تفعل ما تريد وكأنّها فوق القانون، إذ استطاع طيلة حياته التجارية أن يخيف ‏خصومه ومنافسيه ‏من الملاحقات القضائية ذات التكلفة المالية ‏العالية، واتخاذ أساليب في التهديدات أشبه ‏بتلك التي يتبعها رجال المافيا المخضرمون، ‏يساعده في ذلك بعض المحامين الذين لا يبالون كثيراً بالقيم القانونية والأخلاقية، مثل محاميه الشخصي السابق والمدان حالياً في بعض القضايا، ‏مايكل كوهين.

ويواجه ترمب هذه التهم القضائية في وقت تخلى عنه كثيرون ممن ‏عملوا في ‏مناصب رفيعة في إدارته السابقة للحكومة الأمريكية، مثل ‏نائبه السابق مايك بنس، المرشح حالياً للرئاسة الأمريكية ووزير العدل السابق وليام بار، وكبير موظفي البيت الأبيض ‏ووزراء الدفاع والخارجية ومستشار الأمن القومي ‏وعدد من المستشارين السابقين.

‏ومع ذلك يظل ترمب -‏بسبب قاعدته الانتخابية- في طليعة المرشحين للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الأمريكي، وفقاً لاستطلاعات الرأي العام الأمريكية.

‏زادت هذه التهم القضائية من تعقيدات المشهد السياسي للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الأمريكي الذي يشهد عدداً كبيراً من المرشحين الطامحين في ثقة الناخب الجمهوري لتمثيل الحزب في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة لعام 2024.

‏‏وفي حال إدانة ترمب في أي من القضايا المرفوعة ضدّه حالياً، فإنّ ذلك لا يمنعه من الترشح والفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة، إذ لا يوجد في الدستور الأمريكي ‏ ما يمنع ‏ترشيح أصحاب السوابق القضائية، أو حتى أولئك ‏الذين يعيشون خلف قضبان السجون الأمريكية، ‏حقَّ الترشح والفوز في الانتخابات الأمريكية، إذ شهد التاريخ الأمريكي حالات سوابق ‏تاريخية ‏ترشح فيها بعض المسجونين السياسيين الأمريكيين، إلّا أنّ الحظ لم يحالفهم بالفوز.

سابقة خطيرة

‏تبدو الحلقة القضائية تضيق شيئاً فشيئاً على ترمب، وكذلك احتمالات إدانته والحكم بسجنه ‏مما سيعدُّ سابقة خطيرة في التاريخ السياسي الحديث للولايات المتحدة الأمريكية.

‏ولعل قول المدعي الفيدرالي المستقل ‏جاك سميث: "لا أحد فوق القانون الأمريكي"، ‏رسالة يطلب فيها من الشعب الأمريكي -وبخاصة الموالين لترمب- ‏باحترام سير العدالة الأمريكية والأحكام الصادرة منها مهما ‏كانت نتائجها.

يتولى جاك سميث التحقيق في القضايا الفيدرالية المتهم فيها الرئيس الأمريكي السابق، ‏بما فيها التحقيقات الجارية حالياً حول أحداث 6 يناير/كانون الثاني من ‏عام 2021 ‏عندما اقتحم مؤيدو ترمب مبنى الكونغرس الأمريكي.

‏ولعل مصداقية "أن لا أحد فوق القانون" ‏تجسدت في 20 يونيو/حزيران الحالي حينما أقرّ هنتر بايدن، نجل الرئيس الحالي جو بايدن، بالذنب في التهم الموجهة ضدّه ‏المتعلقة بحيازة السلاح دون ترخيص قانوني وبعض القضايا المالية الأخرى، ‏وربما يبقى الأمل في أن لا يستجيب أتباع الرئيس السابق، دونالد ترمب، لدعوات التظاهر والتشكيك في مشروعية ‏العدالة ونزاهة القضاء الأمريكي برمته.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً