تابعنا
يعكس  الزخم والالتفاف حول الحملة التي تطالب بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، الوزن الكبير الذي بدأت هذه القضية تحتله لدى الرأي العام الإسرائيلي وتأثيرها المتنامي على قرار الحرب والقدرة على الاستمرار بها.

شكّل يوم الأحد 14 يناير/كانون الثاني الجاري، ذروة الحراك الإسرائيلي الذي تقوده عائلات 136 من الأسرى الإسرائيليين، المدنيين والعسكريين، الذين تحتجزهم فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (طوفان الأقصى)، والذي يطالب الحكومة بالموافقة على عقد صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، تضمن عودة الأسرى الإسرائيليين.

شارك في الحراك الذي استمر 24 ساعة متواصلة بمناسبة مرور مئة يوم على السابع من أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 300 ألف متظاهر وفق قادة الحملة، كما توقفت الحياة بشكل كامل في معظم المؤسسات الأكاديمية والاقتصادية لمدة 100 دقيقة تماهياً مع عدد أيام الأسر التي قضاها الأسرى في غزة، ووقف المتظاهرون 100 ثانية، وألقيت كلمات شارك فيها رئيس الدولة يتسحق هرتسوج ورئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد ورئيس الهستدروت (اتحاد النقابات الاسرائيلية) وفنانون وكتاب إسرائيليون.

يعكس هذا الزخم والالتفاف حول الحملة التي تطالب بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، الوزن الكبير الذي بدأت هذه القضية تحتله لدى الرأي العام الإسرائيلي وتأثيرها المتنامي على قرار الحرب والقدرة على الاستمرار بها.

سابقة تاريخية

يعتبر وجود عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين (136) حدثاً غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو يأتي في ظل اتهامات موجهة للحكومة والمنظومة الأمنية بالمسؤولية عن مصيرهم؛ بسبب الفشل في حمايتهم ومنع أسرهم من دخول الكيبوتسات والبلدات والمعسكرات في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

استعادت إسرائيل 110 أسرى من المدنيين الذين ينضوون تحت فئة الأطفال والنساء وكبار السن، عبر صفقة تبادل إنسانية صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مقابل إطلاق سراح ما يزيد على 300 أسير وأسيرة فلسطينيين من سجون الاحتلال والسماح بإدخال مواد غذائية ومساعدات طبية للقطاع وهدنة استمرت سبعة أيام.

يوجد تاريخ حافل من صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل والقوى الفلسطينية وحركات مقاومة ودول عربية، مثل حزب الله اللبناني ومصر وسوريا ولبنان، عبر عقود من الصراع، إذ عُقدت عشرات الصفقات التي كانت تجري على قاعدة إطلاق سراح أسرى مقابل أسير أو أكثر من الجنود أو المدنيين الإسرائيليين.

تختلف قضية الأسرى الإسرائيليين الحالية، ليس في حجمها فقط، وأعداد الأسرى الإسرائيليين، بل كونها نتجت عن هجوم منظم واستراتيجي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصاب هيبة وسمعة منظومة الأمن الإسرائيلية، كما أنه هشم صورة ردعها، وقادها إلى شن حرب على غزة، بهدف "تدمير قوة وحكم حركة حماس واستعادة الأسرى بالقوة".

فشل إسرائيل في استعادة الأسرى يقوض الإجماع

رغم تحول مطلب استعادة الأسرى إلى واحد من أهداف الحرب المعلنة على غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي وبعد مرور مئة يوم على إعلان حالة الحرب على غزة، فشل في الوصول إلى الأسرى، أو تحريرهم (باستثناء أسيرة واحدة في بداية الحرب)، بل إنه قتل بالخطأ ثلاثة أسرى نجحوا في الفرار من قبضة آسريهم، وهو ما زاد من حالة الغضب لدى العائلات وقناعتها أن السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى يكمن في الاستجابة إلى مطالب حركة حماس وتنفيذ صفقة تبادل.

ازدادت حدة الاستقطاب في الشارع الإسرائيلي بفعل طول مدة الحرب، وعدم القدرة على تحقيق أهدافها، وعجز منظومة الأمن الإسرائيلية عن إحداث أي اختراق في الحصول على معلومات حول مكان وجود ومصير الأسرى، فضلاً عن تحريرهم، وهو استقطاب وصل إلى جلسات "الكابينيت" المصغر والحكومة والإعلام والشارع بما يقوض الإجماع الداخلي على الاستمرار بالحرب، وينزع الثقة بشكل نهائي من نتنياهو وقدرته على تحقيق أهدافها، إذ عبّر أكثر من 170 شخصية أمنية رفيعة من قادة أجهزة أمن وجنرالات سابقين عن "عدم ثقتهم بنتنياهو، وضرورة تغييره".

وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن صبيحة 14 يناير/كانون الثاني الجاري بالتزامن مع حراك عائلات الأسرى، أنه أرسل وزير خارجيته إلى المنطقة من أجل "تحريك مفاوضات تبادل الأسرى"، بالتزامن مع دعوة وجهها إليه أعضاء في حملته الانتخابية وأركان إدارته بالعمل على "وقف إطلاق للنار في غزة" وتسريبات عن قطيعة بينه وبين نتنياهو وعودة الخلافات بينهما على خلفية تجاهل الأخير للمطالب الأمريكية تجاه السلطة الفلسطينية وإدارة الحرب في غزة.

معادلة حماس: صفقة تعني نهاية الحرب

تنشر حركة حماس بين الفينة والأخرى، فيديوهات تحمل رسائل من الأسرى المحتجزين لديها، موجهة إلى حكومتهم وعائلاتهم، بهدف تحريك الملف والضغط من أجل إنجاز صفقة تبادل جديدة، والتحذير من أن الأسرى لديها مهددون بالموت تحت القصف أو بسبب نقص الغذاء والدواء جراء استمرار الحرب.

بخلاف شروط ومطالب الصفقة الأولى التي تحرر بها 110 من أسرى وأسيرات إسرائيليين، والتي جرت تحت سقف وعنوان إنساني، وضعت حركة حماس معادلة جديدة لتحرير بقية الأسرى، تقوم على مبدأ أن تحرير الأسرى يعني انتهاء الحرب بشكل كامل وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

الشرط الذي وضعته حركة حماس وأعلنت عنه قيادتها السياسية والعسكرية، في الداخل والخارج، حوّل مطلب حراك عائلات الأسرى ومن يلتف حولهم من سياسيين وعسكريين، سابقين وحاليين، إلى حراك من أجل وقف الحرب، كأمر واقع (ضمنياً)، حتى من دون أن يعلنوا ذلك بشكل صريح.

يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن شرط إنهاء الحرب الذي تصر عليه حركة حماس، يعد ثمناً كبيراً، وأن هذا سيعني (بشكل عملي) هزيمة إسرائيلية أمام حماس، وأن البديل عن ذلك يكمن في ممارسة مزيدٍ من الضغط العسكري على حركة حماس في غزة، وقادتها في الخارج (التلميح باغتيال العاروري في بيروت) يمكن أن يحقق ما لم يتحقق خلال مئة يوم.

انقسام وحالة استقطاب ستحسم الحرب

أعلن وزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير، ووزير المالية رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسليل سموتريتش، عن معارضتهما إجراء صفقة تبادل تتضمن إطلاق سراح أسرى فلسطينيين "خطيرين"، كما هدد الوزير بن غفير بالاستقالة من الحكومة في حال وقف الحرب.

الوزير وعضو مجلس الحرب المصغر جادي ايزنكوت، دعا بدوره في جلسات الكابينيت إلى "اتخاذ خطوات شجاعة والتوقف عن الكذب على أنفسهم" في موضوع الأسرى، بالتزامن مع مشاركة شريكه في الحزب الوزير بيني غانتس، والذي اختار أن يعبر عن موقف شبيه بشكل عملي من خلال المشاركة في المسيرة التي طالبت بإطلاق سراح الأسرى في ذكرى مئة يوم على أسرهم.

يُظهر هذا الخلاف أن قدرة الحكومة الحالية على البقاء في الحكم باتت مهددة، فضلاً عن قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة وموحدة تجاه الضغط المتنامي من قِبل حراك عائلات الأسرى من أجل الموافقة على مطالب حركة حماس، وتعالي الأصوات المطالِبة بالذهاب إلى انتخابات واستبدال حكومة نتنياهو التي تتحمل مسؤولية فشل "7 أكتوبر"، وتعجز عن الوصول إلى الأسرى، ولا تبدي مرونة وحساسية كافية تجاه مطلب استعادتهم.

ويلخص عبد القادر بدوي، الباحث في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، هذه المعضلة بقوله: إن "هامش المناورة أمام نتنياهو يكاد ينفد، وهو مطالب باتخاذ قرارات حاسمة، بعد مئة يوم من المراوحة في المكان، في موضوع الأسرى"، معتبراً أن "أي قرار سيتخذه نتنياهو، سيعني نهاية حكمة، وربما حياته السياسية، فضلاً عن إنهاء الحرب"، وأنه لن يستطيع أن يوفق بين قطبي ائتلافه والشارع وحراك الأسرى من جهة وبين القدرة على الاستمرار في القتال من دون تحقيق نتائج ملموسة من جهة أخرى.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً