تابعنا
أجاز مجلس الوزراء الإسرائيلي الأحد الماضي قرار تشكيل قوة جديدة باسم الحرس القومي لتكون بإمرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مع اقتطاع 1.5 بالمئة من ميزانيات مختلف الوزارات لتمويل إنشاء القوة الجديدة.

أجاز مجلس الوزراء الإسرائيلي الأحد الماضي قرار تشكيل قوة جديدة باسم الحرس القومي لتكون بإمرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مع اقتطاع 1.5 بالمئة من ميزانيات مختلف الوزارات لتمويل إنشاء القوة الجديدة.

القرار جاء ضمن تفاهم بين بن غفير ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كي يوافق الأول على قرار تعليق خطة "الإصلاح القضائي" إلى حين انعقاد الدورة القادمة للكنيست، أي لمدة ثلاثة أشهر على أبعد تقدير.

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن إيتمار بن غفير رئيس حزب المنعة (القوة) اليهودية كان أُدينَ بتهم التحريض على العنصرية، ودعم الإرهاب، حتى من المحاكم الإسرائيلية نفسها، ويرفع في مكتبه صور العنصري المدان إسرائيليّاً أيضاً المطرود من البرلمان والساحة السياسية مئير كاهانا، ومنفّذ جريمة الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين.

ويتبنّى بن غفير مع رفيقه وحليفه بتسلئيل سموترتيش وزير المالية والوزير الإضافي بوزارة الدفاع والمشرف على المشروع الاستيطاني بالضفة الغربية -حسب الاتفاق الائتلافى مع نتنياهو- طروحات عنصرية صريحة تجاه الشعب الفلسطيني من حيث إنكار وجوده، والدعوة إلى فرض التهجير القسري "الترانسفير".

واجه قرار الأحد منذ صدوره موجة معارضة واسعة في إسرائيل مع الانتباه لأبعاده المختلفة المتعلقة ليس فقط بالفلسطينيين بل بالإسرائيليين أنفسهم لارتباطها الوثيق بخطة "الإصلاح القضائي"، كما ترتبط برغبة بن غفير وحلفائه في فرض رؤاهم الدينية والفكرية والسياسية على الدولة ككل بما في ذلك نظامها وطابعها العلماني الديمقراطي ولو كان لليهود فقط.

جاءت الاعتراضات الإسرائيلية ذات سمات وجوانب دستورية وقانونية وسياسية وأمنية وأخرى متعلقة بخلفية وشخصية بن غفير نفسه وخطورته على استقرار الدولة العبرية، ودفعه الأمور باتجاه حرب أهلية لفرض وجهة نظره بالقوة على الإسرائيليين وإحكام القبضة على الدولة ومؤسساتها المختلفة.

من هنا يمكن فهم مطالبته بإقالة وزير الدفاع يواف غالانت الرافض للانقلاب القضائي، فيما بات الأخير وزيراً معلَّقاً أو مع وقف التنفيذ حسب تعبير سلفه الجنرال بيني غانتس (وكالة الأناضول الاثنين 3 أبريل/نيسان) إثر إعلان نتنياهو إقالته، ولكن بلا إصدار خطاب رسمي بذلك أو التراجع علناً عن الإقالة.

قانونياً، رفضت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا وفقهاء دستوريون كثر (موقع عرب 48 الأحد 2 أبريل/نيسان) الفكرة التي تعاني ثغرات قانونية تتعلق بمرجعية القوة الجديدة وتركيبتها وعلاقتها بجهاز الشرطة، وطبيعة الإشراف عليها وتبعيتها المباشرة للوزير بن غفير.

هذا الكلام يعني أن هذه القوات ستكون مسيَّسة وخاضعة لقرارات بن غفير مع قدرات على تنفيذ اعتقالات وتقييد الحريات، وبالتالي ستكون "فاشية" وفق تعبير بعض الصحف العبرية (الأحد 2 أبريل/نيسان).

وقد أثارت "قوة بن غفير" الجديدة غضب الرئيس جو بايدن ومثّلت أحد أسباب تصريحه العلني بإغلاق أبواب البيت الأبيض في وجه نتنياهو (يوسي بيلين، إسرائيل اليوم، الجمعة 31 مارس/آذار) ما لم يتم التوصل إلى تسوية وتوافق واسع حول خطة "الإصلاح القضائي" التي تتفرع عنها قوة بن غفير.

الخشية القانونية وقفت خلف قرار الحكومة تشكيل لجنة خاصة تضمّ قادة ومسؤولين أمنيين وموظفين كباراً آخرين من أجل وضع رؤية وخطة لهيكلة القوة الجديدة ومرجعيتها خلال مدة 90 يوماً -هي نفسها مدة دورة الكنيست الصيفية لمناقشة الخطة القضائية- بما يعني تغييبها في الأروقة البيروقراطية أو سعياً جدّيّاً لشرعنتها وسدّ ثغراتها، علماً أنها تبدو مصيرية لبن غفير وربما للحكومة نفسها.

في السياق المؤسساتي اعترض قائد ومفوض عامّ الشرطة الجنرال يعقوب شبتاي (موقع عرب 48 الثلاثاء 4 أبريل/نيسان) علناً على قرار تشكيل القوة الجديدة، وقال إنها يجب أن تكون جزءاً من الشرطة وتُدار هرميّاً من قيادتها وتلتزم لوائحها الداخلية والقانون الإسرائيلي بشكل عامّ.

أما سياسياً فقد تعرض قرار تشكيل قوة الحرس القومي لموجة من الانتقادات لخلفية بن غفير نفسه، باعتبارها جزءاً من خطة "الإصلاح القضائي" المرفوض سياسيّاً وشعبيّاً على نطاق واسع، بخاصة أنها جاءت نتيجة مقايضة أو ابتزاز مع نتنياهو لتعليق وتأجيل الخطة لا إلغائها أو إزاحتها عن جدول الأعمال تماماً.

في المجمل، بدا قرار تشكيل الحرس القومي تعبيراً عن سطوة بن غفير رغم امتلاكه ستة مقاعد فقط بالكنيست من أصل 64 للائتلاف الحاكم، كما عبّرَت عن ضعف نتنياهو وخضوعه لحلفائه المتطرفين، بل الأكثر تطرّفاً، من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن حتى مع قناعته بآثار القرار وتداعياته السلبية قصيرة وحتى طويلة المدى على الوضع السياسي والأمني الهشّ أصلاً في إسرائيل.

لا شك أن القوة ستكون ميليشيا "فاشية" كما عبرت الصحافة العبرية، وستزيد حدة الاحتقان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً مع توجه بن غفير إلى ضمّ المستوطنين المتطرفين شبان التلال والبؤر العشوائية لقوات الحرس.

من هنا كانت تحذيرات مفتّش عامّ الشرطة السابق الجنرال موشيه كرادي (موقع عرب 48، الأحد 2 أبريل/نيسان) من قدرة بن غفير عبر "الميليشيا الفاشية" الخاصة به على تنفيذ انقلاب عسكري بالمعنى الكامل للمصطلح، والسيطرة على مؤسسات حكومية بالقوة بما في ذلك مجلس الوزراء نفسه.

على الجانب الفلسطيني، ستُستخدم قوة بن غفير لحماية وتوسع المشروع الاستيطاني، بخاصة في حالة رفض جيش الاحتلال تنفيذ تعليمات رفيقه نائب وزير الدفاع سموتريتش، إذ ستتولى الأمر قوة بن غفير الخاصة.

بعبارة أخرى، ستتولى قوة بن غفير حماية ودعم وتمكين المستوطنين عبر طرد وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم بالضفة الغربية بما فيها القدس، ومحاصرتهم ضمن بانتوستانات وفق نظام الفصل العنصري الذي وُضعت بذوره أصلاً منذ سنوات، كما تقول منظمات حقوقية أممية وحتى إسرائيلية مرموقة.

سيستخدم بن غفير قوته أو الميليشيا الخاصة به ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 حتى مع كونهم إسرائيليين من حيث الجنسية (مركز عدالة، الاثنين 3 أبريل/نيسان)، والسعي لتكريس مكانتهم كمواطنين من الدرجة الثانية عبر استهداف تحركاتهم ونشاطاتهم وتظاهراتهم الديمقراطية دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم أو دعماً لأشقائهم في الضفة الغربية وغزة.

عموما وخلال الفترة القادمة قد تمرّ "ميليشيا بن غفير" وتبصر النور، وقد تقتلها شياطين التفاصيل والبيروقراطية والإجراءات الدستورية والقانونية مع تشكيل لجنة عليا من كبار الموظفين لتحديد هيكليتها ومرجعيتها، لكنها بالتأكيد تقدّم فكرة واضحة عن الواقع الحالي في إسرائيل، حيث بن غفير المدان بالعنصرية والإرهاب لم يعُد هامشياً وبات يتموضع في صلب الساحة السياسية والحزبية.

من جهة أخرى، تؤكّد خطوة إنشاء هذه القوة على أن تعليق خطة "الإصلاح القضائي" تكتيكي فقط، والأزمة لا تزال كما هي مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك الحرب الأهلية التي يبدو أن بن غفير يستعدّ لها مستحضراً كلام حليفه سيمحا روتمان (نيويورك صن، الجمعة 31 مارس/آذار) رئيس اللجنة الدستورية بالكنيست عن أن الخلاف بات بمثابة حرب دينية حول الهوية لا الخطة نفسها، وسيتسبّب عدم تمريرها في مشكلات كبيرة وعدم استقرار، وسيواجه الذين يضعونها في مقدمة الأولويات صعوبة في دعم الحكومة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي