المستشار الألماني أولاف شولتز (Abdulhamid Hosbas/AA)
تابعنا

يريد المستشار الألماني أولاف شولتز انضمام مزيد من الأعضاء إلى الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، لكنه دعا أولاً إلى إصلاحات في الكتلة المكونة من 27 دولة تتعلق بعملية صنع القرار الأساسية حول قضايا مثل السياسة الخارجية والضرائب.

وستشهد رؤيته انضمام تسع دول أخرى إلى الاتحاد الأوروبي في وقت يتعرض فيه الاتحاد حاليّاً للتهديد بسبب حرب يبدو أنها طويلة في أوكرانيا وعلاقات ممزَّقة إلى حد كبير مع روسيا.

لشولتز أيضاً مصدر قلق كبير يتمثل في تراجُع سلطة ألمانيا في أوروبا. داخل الاتحاد خلافات في ما يبدو، وإذا لم تُدَر بعناية فقد تؤدي إلى خروج عدد قليل من البلدان من الاتحاد الأوروبي. لقد أعربت المجر وإيطاليا وإسبانيا بالفعل عن مخاوفها بصوت عالٍ بشأن المسائل المتعلقة بدعم حرب أوكرانيا، وتقاسم الطاقة، والعلاقات مع روسيا، بلا ترتيب معيَّن.

قد يعزّز الأعضاء الجدد موقع ألمانيا كسلطة رئيسية في أوروبا، لكنهم سيساهمون أيضاً في رؤية أوروبا كقوة باهتة في السياسة الداخلية والخارجية.

خدمة ذاتية

يُنظَر إلى فكرة شولتز على أنها خدمة ذاتية. بعثت التطورات في اجتماع لجنة الطاقة بالاتحاد الأوروبي مؤخراً برسالة واضحة إلى ألمانيا مفادها أن دولاً مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا، إلى حد ما، قد تشارك الغاز على مضض مع ألمانيا، مما يعني خفض الإنتاج الصناعي في بلدانها. لكن هذا النوع من الإيثار قد لا يحدث في الشتاء المقبل، فألمانيا تسعى يائسة لتأمين صفقة طاقة جديدة مع أي طرف باستثناء روسيا، لكن يبدو من الصعب التفاوض على صفقات للطاقة طويلة الأجل، وغالباً ما يستغرق توقيعها سنوات. لذلك فإن عملية إدخال أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي من شأنها أن تجلب معهم واردهم من الطاقة أيضاً. معظم هذه البلدان ضعيف اقتصاديّاً إلى حدّ ما، وستكون سعيدة لبيع أصولها للصناعة الألمانية واحتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

يتطلع شولتز إلى دول غرب البلقان وأوكرانيا ومولدوفا المجاورة وحتى جورجيا للمساعدة على تلبية احتياجات ألمانيا من الطاقة. وفي هذا السياق دعا إلى "سوق داخلية حقيقية للطاقة تزوّد أوروبا بالطاقة المائية من الشمال، والرياح من السواحل، والطاقة الشمسية من الجنوب".

نقص العمالة الماهرة

أظهر استطلاع حديث أجراه معهد البحوث الاقتصادية في ألمانيا أن ما يقرب من 50 في المئة من الشركات التي شملها الاستطلاع قالت إنها تفتقر إلى العمال الماهرة. وقد ارتفع هذا الرقم عن آخر مرة أُجريَ فيها المسح في أبريل/نيسان.

وتشمل القطاعات الأكثر تضرُّراً: الفندقة وتجارة التجزئة والبناء والتخزين. سوف تملأ فكرة شولتز في جلب عمال من الاتحاد الأوروبي الفراغ، وتساعد على تهدئة الأصوات المناهضة للهجرة داخل البلاد. عديد من المستشفيات في ألمانيا، لا سيما في المناطق الريفية، في حاجة ماسَّة إلى الممرضات والأطبَّاء، حتى إن قطاع تكنولوجيا المعلومات المزدهر في البلاد يعاني من نقص في العاملين الجدد. بناء على ذلك وبتمويل من غرفة التجارة والصناعة، تعمل ألمانيا من خلال مشروع بعنوان "يداً بيد من أجل المواهب الدولية" (Hand in Hand for International Talent) على جلب متخصصي تكنولوجيا المعلومات إلى ألمانيا، من دول مثل الهند والبرازيل وفيتنام، وذلك منذ عام 2020.

لكن لدى ألمانيا مشكلة أخرى، فالقوى العاملة الأجنبية المرئية واجهت منذ فترة طويلة تحديات خطيرة للاستقرار في ألمانيا. وبطبيعة الحال فليس الافتقار إلى القوى العاملة هو السبب، فنظرة ألمانيا العامة إلى القوى العاملة الأجنبية سلبية؛ فقط اسأل الأتراك الذين، بعد أجيال عديدة، ما زالوا يشعرون أنهم لا ينتمون إلى هذا البلد. لذلك فإن جلب القوى العاملة الأوروبية يمكن أن يساعد على تهدئة تلك العاصفة والسماح لألمانيا بالمضي قدماً.

لكن في رؤية شولتز تكمن مشكلة، فهو لا يأخذ في الاعتبار الندبة التي خلّفَتها جائحة كوفيد، أو الجرح النازف لحرب أوكرانيا والركود الوشيك في منطقة اليورو.

لماذا ستفشل رؤية شولتز؟

يراهن الرجل كثيراً على أن تعزف جميع الحكومات الأوروبية لحن ألمانيا. لم يستجب الإسبان والإيطاليون واليونانيون كثيراً مؤخراً عندما طلبت منهم ألمانيا خفض استهلاك الغاز حتى يتمكن من الحصول على مزيد. إذا استمرت أزمة الطاقة في الشتاء هذا العام وشتاء العام المقبل 2024، فستجد ألمانيا صعوبة بالغة في إقناع شركائها الأوروبيين الحاليين بتجاهل احتياجات الطاقة المحلية ومساعدة الألمان.

بطبيعة الحال سيراقب أعضاء الاتحاد الأوروبي المقترَحون لدخول الاتحاد وسيضعون الشروط الصحيحة قبل إبرام أي عقود لتشغيل الصناعة الألمانية التي استفادت منذ فترة طويلة من الغاز الروسي الرخيص.

وفقاً لمصادر مطّلعة في قطاع الصناعة، اشترت ألمانيا الغاز الروسي بأسعار تفضيلية وباعته لأعضاء الاتحاد الأوروبي بما يقرب من أربعة أضعاف السعر. لذلك، وفقاً لرؤية شولتز، عندما تذهب ألمانيا إلى إيطاليا واليونان للحصول على الطاقة الشمسية، يجب أن يُتوقع دفع أسعار عالية.

لم تكُن الحكومات الألمانية المتعاقبة معروفة بالتفكير خارج الصندوق، ونظرتها المحافظة البطيئة عموماً تعني أن برلين لم تدرك بعدُ التغييرات التي تحتاج إليها لإدخالها على استراتيجيتها طويلة المدى في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، والاقتصاد والتماسك الاجتماعي الداخلي.

إن جلب أفقر جيران أوروبا الشرقية رغبةً في رأسمالهم البشري والطاقة شيء، ولكن عندما تبدأ اقتصاداتهم بالفشل والدخول في الركود الوشيك في منطقة اليورو، سيكون لدى ألمانيا وفرنسا قائمة أطول من ذي قبل من أعضاء الاتحاد الأوروبي المعتمدين اقتصاديّاً عليهما.

كما أن فقدان علامة "بطل العالم في التصدير" بسبب انخفاض الطلب العالمي على السلع الألمانية يعني أن بعض شركاتها قد تبدأ في الإغلاق، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة يخاطر بموجة من حالات الإفلاس في جميع أنحاء ألمانيا، وبالتالي رفع معدَّلات البطالة. ماذا ستفعل القوى العاملة المستوردة حديثاً عندما يكون في ألمانيا بالفعل عدد كافٍ من العاطلين عن العمل؟

سيؤدي هذا إلى نشوء توترات اجتماعية. فـ"وظائف ألمانية للشعب الألماني" تُعَدّ عبارة شائعة لليمين الألماني المتطرف، وبالتالي كيف يبرِّر شولتز استقدام عمال جدد من الخارج؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً