تابعنا
على مدار الفترة من يوليو/تموز إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اتجهت أسعار النفط بالسوق الدولية للصعود، لتبلغ 86 دولاراً للبرميل، مما أدى لموجة تضخّمية على مستوى العالم.

وأزعج ذلك الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فقد وصلت معدلات التضخم إلى 6% في أمريكا، ونحو 4% بدول الاتحاد الأوروبي.

إثر ذلك طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن تجمع "أوبك بلس" مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بزيادة حصص الإنتاج، من أجل تراجع الأسعار وتهدئة موجة التضخم، ولكن نتيجة اجتماع "أوبك بلس" أتت مخيبةً آمال بايدن والرؤساء الأوروبيين، إذ أعلنت "أوبك بلس" أنها ستستمر على نفس وتيرة الزيادة اليومية في الإنتاج بنحو 400 ألف برميل فقط.

وهنا وجد بايدن نفسه في تحدٍ جديد مع كتلة منتجي النفط، فأعلن أن لديه أدوات أخرى سوف يستخدمها لتهدئة أسعار النفط، وكان ذلك في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، ما أدى إلى تراجع أسعار النفط حتى الاثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني، ليكون سعر خام برنت تحت سقف الـ80 دولاراً.

ولكن مع إعلان أمريكا أنها ستسمح باستخدام أداة المخزون النفطي بنحو 50 مليون برميل، وأن سياسة اللجوء لمخزون النفط سيتم تنفيذها بالتعاون مع دول أخرى من كبار مستخدمي النفط، مثل الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية، أعلنت هذه الدول استعدادها لتوظيف حصص مختلفة من مخزوناتها الاستراتيجية للتفاعل مع دعوة بايدن.

عكس الاتجاه

على غير المتوقع في سوق النفط الدولية، اتجهت أسعار النفط للصعود مرة أخرى يومي 23 و24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لتتجاوز سقف الـ82 دولاراً لخام برنت ونحو 78.5 دولاراً للخام الأمريكي. مما أدى إلى أن يتهم الرئيس الأمريكي شركات النفط الكبرى بأنها تستغل الأزمة وترفع الأسعار.

وتترقب السوق ما ستُسفر عنه اجتماعات "أوبك بلس" مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، وما إن كانت ستتفاعل مع مطالب الرئيس الأمريكي وكبار مستهلكي النفط، أم إنها ستستمر في سياستها لتحقيق هدف القضاء على زيادة المعروض النفطي التي اتّسمت بها السوق خلال الفترة الماضية؟

وإذا استقرت قرارات "أوبك بلس" على تطبيق نفس معدلات الزيادة المتفق عليها في نوفمبر/تشرين الثاني الحالي لبقية عام 2021، فإننا أمام إدارة جديدة داخل طرف المنتجين، لتشهد معادلة أسعار النفط صراعاً قوياً بين طرفيها (المنتجين والمستهلكين).

فالمنتِجون يشعرون أنهم منذ منتصف 2014، يتعرّضون لخسائر كبيرة، جعلتهم في وضع مالي سيء، وبخاصةٍ تلك الدول التي تعتمد على النفط كموْرد رئيس لإيراداتها العامة، أو مكوّن رئيس في صادراتها السلعية، ولذلك تشعر أنه جاء الوقت لتستردّ بعضاً من خسائرها، وبخاصةٍ بعد أن تراكمت التداعيات السلبية الجائحة كورونا على تداعيات أزمة النفط الرخيصة على مدار قرابة 8 أعوام.

التوظيف السياسي للأزمة

لا تزال التقديرات متذبذبة بشأن مستقبل أداء نمو الاقتصاد العالمي، فما بين ذاهب إلى نظرة تفاؤلية بانتعاش النمو، وبالتالي زيادة الطلب على النفط، ومخاوف مما يُعلن عن احتمالات العودة إلى الإغلاق الكامل، في ظلّ تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا في العديد من الدول.

ولكنّ الجديد هذه المرة، رفض "أوبك بلس" رجاء الرئيس الأمريكي لكتلة المنتِجين، والمتمثلة بشكل كبير في "أوبك بلس"، عدم جمع روسيا المنافس والعدو التقليدي لأمريكا والغرب، وكذلك السعودية، غير المرْضِي عن قيادتها السياسية، المتمثلة في ولي العهد محمد بن سلمان.

ويأتي هذا الالتقاء بين روسيا والسعودية، ليحقق نوعاً من التوافق داخل "أوبك بلس" على تحقيق مصالح مشتركة، للضغط على كلٍّ مِن أمريكا وأوروبا. فروسيا لديها مشكلات جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 2014، بعد احتلالها إقليم القرم بأوكرانيا، في عام 2014.

كما أنها تُمارس أدواراً منافسةً لتوجهات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، وتريد أن تصل إلى تسويات، تضمن لها وضعها على خريطة القوى الدولية، وكذلك تحقيق مصالحها الاقتصادية.

ورغم هذا التحالف الروسي-السعودي داخل "أوبك بلس" فالتاريخ القريب يخبرنا بأن هذا التحالف هش، ويمكن لأمريكا أن تصيبه في مقتل عبر إحدى الأوراق التي تملكها، وبخاصةٍ تجاه السعودية، ففي أبريل/نيسان 2020، وقع خلاف سعودي روسي، حول كميات النفط المعروضة في ظلّ كورونا، فلم تستجب روسيا لمطالب ابن سلمان، ما أدّى إلى ما عُرِف بحرب الأسعار، إذ بلغ سعر برميل النفط نحو 19 دولاراً في ذلك الوقت.

وقد تسفر الأيام القريبة عن سعي أمريكا لتفكيك هذا التحالف، وجعل تكتل "أوبك بلس" بلا فاعلية في تحديد مسار الأسعار في السوق الدولية للنفط، كما كانت تفعل في تكتل "أوبك".

وبخاصةٍ أنّ في يد أمريكا ورقة إنهاء ملف برنامج إيران النووي، والوصول إلى تسوية لهذا الملف سيُمكّن إيران من تغيير وضعها في "أوبك بلس" وطلب كامل حصتها في التصدير، التي كانت متاحة قبل أن تُفرض عليها العقوبات في عام 2018، والتي تُقدّر بنحو 3.5 مليون برميل يومياً، فيما هي الآن نحو 300 ألف برميل يومياً فقط.

ومن شأن استخدام الورقة الإيرانية وغيرها داخل "أوبك بلس" أن تصل أمريكا إلى هدفها لزيادة المعروض من النفط، وبالتالي تهدئة الأسعار في السوق الدولية، وتبريد الموجة التضخمية في اقتصادها وباقي اقتصاديات العالم. بل وشلّ دور تكتل "أوبك بلس" في إدارة أسعار النفط في السوق الدولية.

هدف التجارة العادلة

كثيراً ما تنادي الدول الغربية وأمريكا وغيرها من الدول الصاعدة التي تعتمد على التصدير بسيادة التجارة الحرة، ولكن الدول النامية التي تعتمد على تصدير المواد الأولية، تطالب بالتجارة العادلة، لتحصل على مقابل عادل لثرواتها.

ويُعدُّ النفط أحد أهم الموارد الاقتصادية للدول النامية، ولحصتها دور مؤثر في وضع الطاقة العالمي، ولكن ثمة مطالب بألا يُستخدم النفط كورقة سياسية، لاعتبارات إنسانية، مثل الشتاء القاسي الذي تعاني منه دول أوروبا، أو الاعتماد الكبير للحضارة الإنسانية على النفط والغاز كأكبر مصْدر لإنتاج الطاقة.

وفي كل مرة تخوض فيها الدول النامية مواجهات مع أمريكا والدول الصناعية، تنتهي بانتصار أمريكا وحلفائها، بسبب تفتيت جبهة الدول النامية، وعدم وجود أجندة مشتركة لمصالحها.

إلا أن مشكلة الطاقة في عام 2021 وما بعده، والتي يصاحبها مشكلات أخرى في الغذاء، وهشاشة وضع تعافي الاقتصاد العالمي، ستمثّل اختباراً حقيقياً، لإمكانية تكتل "أوبك بلس" القيام بدور تاريخي في إعادة التوازن لمعادلة النفط في السوق الدولية، لتكون مصالح طرفيها (المنتجِين والمستهلكين) متساوية، أو على الأقل ألا يجور طرف على الآخر.

وفي ضوء التجارب التاريخية يمكننا القول إن "الوضع سوف ينتهي لصالح أمريكا"، ليس من قبيل الانحياز لنظرية المؤامرة أو تبني نظرة تشاؤمية، ولكن لهشاشة بنية تكتل "أوبك بلس"، وعدم وجود أجندة مشتركة لمصالح أعضائها، وسهولة تأثير أمريكا على مواقف أعضاء هذا التكتل.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً