نتنياهو / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

لم يكن الفلسطينيون بحاجة إلى تشكيل الحكومة السابعة والثلاثين برئاسة بنيامين نتنياهو، حتى يكونوا على قناعة أنهم أقرب من أي وقت مضى إلى اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، لا سيما في ظل البرنامج السياسي لهذه الحكومة التي تضع نصب عينيها خوض سباق مع الزمن لفرض مزيد من الوقائع على الأرض أمام الفلسطينيين في محاولة لتعويض ما يعتبره اليمين الإسرائيلي تفريطاً من الحكومتين السابقتين برئاسة يائير لابيد ونفتالي بينيت.

لعله يوجد كثير من الوجاهة التي تحمل مثل هذا التوقع المتشائم، لا سيما بالنظر إلى شخوص الحكومة الجديدة، بالأخص رئيسها الذي ابتدع فكرة "إدارة" الصراع مع الفلسطينيين بدل اللجوء إلى "حلّه" جذرياً، منذ استلامه رئاسة الحكومة للمرة الأولى عام 1996.

اللافت أن نتنياهو ذو السجل الدامي مع الفلسطينيين قد يبدو شخصية أقل يمينية من شركائه الفاشيين الجدد، لا سيما إيتمار بن غفير زعيم العصبة اليهودية الذي شكل فوزه في الانتخابات مفاجأة من العيار الثقيل، فهو لا يخفي أفكاره المتطرفة، ولا يخجل من دعواته العنصرية ضد الفلسطينيين، وقد بدأ خطواته نحو تطبيق هذه المخططات من خلال حصوله على حقيبة الأمن القومي، التي يريد من خلالها الإسراع بتحويل المسجد الأقصى إلى الهيكل المزعوم، وفرض أحكام الإعدام على منفذي عمليات المقاومة، فضلاً عن اعتبار فلسطينيي 48 تهديداً وجودياً لإسرائيل، وضرورة التعامل معهم على أنهم "طابور خامس".

ليس ذلك فحسب، فإن شريكهما الثالث بيتسلئيل سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية الذي حظي بحقيبة وزير في وزارة الحرب، بموجبها فهو يسعى لاستكمال سيطرة الاحتلال على ما تبقى من الضفة الغربية، لا سيما توسيع البناء الاستيطاني في المنطقة "ج" من جهة، ومن جهة أخرى هدم ما فيها من بناء فلسطيني، وإزالة أي معالم للوجود الفلسطيني، وصولاً إلى فرض أحكام دينية على الجنود، من خلال السعي إلى الحصول على صلاحية تعيين حاخام الجيش من قبل الحاخامات، وليس هيئة أركان الجيش، وتشجيعهم على اتباع نهج الحاخامات في التعامل مع الفلسطينيين، أي العمل على "تخفيف الإصبع في الضغط على الزناد"، وقبل ذلك وبعده تكثيف الاقتحامات الاستيطانية لليهود في المسجد الأقصى، وصولاً إلى نزع الوصاية الأردنية على الأوقاف الإسلامية في القدس، مما ينذر بتوتر بين عمان وتل أبيب، لا يعلم أحد مآلاته.

إن لم يكن هذا الاستعراض كافياً لإبداء قلق فلسطيني حقيقي من القادم، فإن لدينا وزير الحرب الجديد الجنرال يوآف غالانت، وهو قائد المنطقة الجنوبية الأسبق في جيش الاحتلال، الذي قاد العدوان على غزة في 2008، ولديه مواقف عدوانية ضد الفلسطينيين، ولسان حاله تجاههم "ما لا يأتي بالقوة، يأتي بمزيد من القوة"، أي أننا نتوقع مزيداً من المواجهات الدامية، والعدوانات اللاحقة، مع العلم أنه يستلم مهامه بالتزامن مع استلام قائد الجيش الجديد هآرتسي هاليفي بعد أيام، وقد جرت العادة أن يفتتح كل جنرال عهده في قيادة الجيش بعدوان يستعرض فيه قدراته العسكرية، على حساب دماء الفلسطينيين.

أمام هذا السرد التحليلي للمواقف المتوقعة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة من الممكن أن نرصد عدداً من المواقف الصادرة عن عواصم المنطقة والعالم التي حذرت في مجموعها من سيناريوهات دامية في الأراضي الفلسطينية، بخاصة في ضوء المواقف الصادرة عن وزرائها، لا سيما باتجاه إحداث تغيير جوهري فيما يسمى "الوضع الراهن" في المسجد الأقصى والقدس المحتلة، الأمر الذي قد يفجر مواجهة دينية كفيلة بإشعال المنطقة كلها، في حين أن العالم ليس متفرغاً في هذه الآونة سوى لحرب أوكرانيا.

بدا لافتاً الموقف الصادر عن الأردن، وتحديداً عن الملك عبد الله الثاني الذي حذر من انتفاضة فلسطينية "قادمة"، في ظل تعهد الحكومة الإسرائيلية بتعزيز الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة، لكن من الواضح أنه تعمد تجاوز جزئية المسجد الأقصى لأنه يتعلق مباشرة بالوصاية الأردنية عليه وعلى باقي المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة.

مع العلم أن الأوساط الأردنية تتوقع أن الأقصى سيكون في عين عاصفة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وأن الأمر يتجاوز كثيراً اقتحاماً هنا وطقساً تلمودياً هناك، لما هو أبعد من ذلك بحيث يمس تغييراً جوهرياً في الأقصى يصل إلى جعل الصلوات الدينية اليهودية أمراً روتينياً يومياً، بل أداء الطقوس التوراتية المتعلقة بالسجود الملحمي وذبح القرابين وقراءة نصوص التلمود.

أكثر من ذلك فإن المخطط اليميني الإسرائيلي الجديد يتعلق بإلغاء مسألة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وصولاً إلى تهويده بالكامل، الأمر الذي يحمل في طيّاته إشعالاً للوضع الميداني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة، ومن جهة أخرى توتراً مع الأردن بصفة خاصة بما يعيد القطيعة التي سادت بينهما طيلة ولاية نتنياهو السابقة التي امتدت اثني عشر عاماً، ومن جهة ثالثة عرقلة مسار التطبيع الذي ينوي الأخير استئنافه مع الدول العربية الأخرى.

صحيح أن الشق الأكثر يمينية في الحكومة الإسرائيلية الجديدة ينوي استعجال الأحداث الزمنية، حتى لو كان الثمن اشتعال المنطقة بأسرها، لكن رئيسها نتنياهو الذي لديه حسابات تبدأ ولا تنتهي، داخلية وخارجية، سيلجأ بالضرورة إلى كبح جماح شركائه الفاشيين، بحيث سيمنحهم بعض مطالبهم، ويمنع عنهم تطلعات أخرى.

فهو يعلم أكثر من غيره أن المجتمع الدولي يضع حكومته تحت المجهر، ويرصد حركاتها وسكناتها، وباعتباره وزير الخارجية الفعلي فإنه سيكون على موعد يومي مع صدور مزيد من الإدانات الدولية والإقليمية التي تضع عليه أعباء دبلوماسية، وتحول دون تنفيذ مخططاته العدوانية في ساحات أخرى من المنطقة، أولها الأراضي الفلسطينية وليس آخرها إيران، وبينهما سوريا ولبنان وأوكرانيا.

الفلسطينيون من جهتهم قد يستعدون لمواجهة هذه الحكومة على صعيد التحذير من اندلاع انتفاضة شعبية، لكن الخطورة تكمن في أن الاحتلال يحكم قبضته على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويستبيح الضفة الغربية على مدار الساعة قتلاً واعتقالاً واقتحاماً بصورة يومية، ويواصل الفلسطينيون يوماً بعد يوم تشييع شهدائهم، رغم أن عمليات المقاومة تتواصل بين حين وآخر، لكنها تواجه بحالة من الملاحقة والاستئصال فيما تسميها إسرائيل سياسة "جز العشب".

أما في قطاع غزة فالحصار القاتل يواصل ضرب أطنابه للعام السابع عشر على التوالي، دون وجود بصيص أمل يعمل على تحقيق اختراقات في كسره باستثناء القاعدة الإسرائيلية القائلة إن "غزة لا تحيا ولا تموت"، والاقتصار على "إبقاء رؤوس الفلسطينيين فوق الماء"، رغم أن المقاومة تراكم قوتها العسكرية، وباتت تشكل تهديداً حقيقياً أمام الاحتلال.

لعل الخلاصة المستفادة من هذا الاستعراض أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة باتت تواجه تحدياً حقيقياً أمام الفلسطينيين، الذين باتوا على قناعة لا تخطئها العين بأنهم أمام تحول مفصلي في مستقبل العلاقة بين الجانبين، صحيح أن المواقف الفلسطينية الصادرة في الأيام الأخيرة تحذر من عواقب سياسة هذه الحكومة، لكن التحذير شيء وترجمة هذا التحذير شيء آخر، وبينهما سلسلة طويلة من الخطوات والإجراءات على الأرض، قد تكشف الأيام القادمة عن مدى إمكانية الذهاب إلى تنفيذها وتطبيقها.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي