تابعنا
خلق بعض عمليات تحرير الرهائن الإسرائيليين في أكثر من مكان في العالم، أسطورة حول الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، وقدرتها على تنفيذ عمليات شبه مستحيلة وعلى درجة عالية من الخطورة والتعقيد.

في 12 فبراير/شباط الماضي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تحرير أسيرين مختطفين في قطاع غزة، عبر عملية نفذتها وحدة "اليمام" التي تعتبر "وحدة مكافحة الإرهاب" الوطنية في إسرائيل، بالتنسيق مع جهاز الأمن العام "الشاباك" وبغطاء جوي من سلاح الجو ووحدات من البحرية والقوات البرية.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملية تحرير الأسيرَين من مدينة رفح، بعد أكثر من أربعة أشهر على اختطافهما من غلاف غزة، في عملية "طوفان الأقصى" بأنها "من أكثر عمليات تحرير الرهائن التي نفذتها إسرائيل نجاحاً في تاريخها".

واعتبر نتنياهو أن "هذا (النجاح) يثبت أن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لتحرير بقية الأسرى" الذين تحتجزهم فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعددهم 134 أسيراً وفقا للأرقام الرسمية التي تعترف بها تل أبيب.

أدت عملية تحرير الأسيرين "الناجحة" في المقاييس الإسرائيلية (استشهد فيها أكثر من ستين شهيداً فلسطينيّاً)، وحالة النشوة التي أعقبتها، إلى إعادة إحياء الجدل في الداخل الإسرائيلي حول "الطريقة المُثلى" لتحرير الأسرى من غزة، وإن كانت توجد إمكانية واقعية لتحريرهم بالقوة ومن خلال عمليات خاصة، دون الخضوع لمطالب حركات المقاومة الفلسطينية والدخول في مفاوضات معها، وهو ما أعاد إلى الذاكرة سجلاً طويلاً من عمليات تحرير الرهائن التي نفذتها إسرائيل، خارج وداخل حدودها.

أسطورة عدم الخضوع والوصول إلى كل مكان

خلق بعض عمليات تحرير الرهائن الإسرائيليين في أكثر من مكان في العالم، أسطورة حول الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال، وقدرتها على تنفيذ عمليات شبه مستحيلة وعلى درجة عالية من الخطورة والتعقيد.

هذه الهالة التي ضخَّمتها وسائل الإعلام الإسرائيلية تحولت إلى واحدة من المسلمات في أدبيات منظومة الأمن الإسرائيلية، كرست فكرة رفض الدخول في مساومات مع الخاطفين، وتفضيل تعريض المخطوفين والقوة التي ستحررهم إلى الخطر، على دفع الثمن الذي يطلبه الخاطفون.

تعد عملية "عنتيبي" التي نفذتها وحدات خاصة إسرائيلية عام 1976 في أوغندا وحررت فيها 140 مخطوفاً، من بينهم 105 يهود وإسرائيليين، احتُجزوا في أوغندا بعد اختطاف الطائرة التي تقلهم، واحدة من الأساطير التي انتشرت في العالم حول القدرات الخاصة للوحدات المختارة الإسرائيلية.

كما تحولت العملية إلى رمز إسرائيلي، بسبب تنفيذها بعيداً عن حدودها بآلاف الكيلومترات وعدم التخلي عن المختطفين أو الخضوع للخاطفين، رغم المخاطرة التي انطوت عليها العملية، والأهم من ذلك أنها جاءت بعد أربع سنوات من الفشل في تحرير الفريق الأوليمبي الإسرائيلي الذي احتُجز في ميونخ الألمانية عام 1972 وقتل خلال محاولة الشرطة الألمانية تحريرهم تسعة رياضيين إسرائيليين.

عملية عنتيبي أو يونتان

أُنتجت أفلام وثائقية عدّة في إسرائيل ونُشرت كتب ومذكرات فضلاً عن عشرات المقابلات حول عملية عنتيبي أو "كرة الرعد" وفق اسمها المشفر في سجلات جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو عملية "يونتان" كما باتت تعرف بسبب مقتل يونتان نتنياهو أحد قادة وحدة "سييرت متكال" (وحدة هيئة الأركان)، وهو شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي خدم هو الآخر في هذه الوحدة التي خرّجت كثيراً من قادة إسرائيل الأمنيين والسياسيين، مثل إيهود باراك، وزير الأمن ورئيس الوزراء ورئيس الأركان الأسبق، ونفتالي بينيت الذي شغل مناصب وزارية عدة أهمها وزارة الأمن بالإضافة إلى رئاسة الوزراء.

شكلت عملية الإنقاذ في عنتيبي نموذجاً للاعتماد الإسرائيلي على الذات ومساحة لاستعراض قدرات وحدات النخبة الإسرائيلية وذراعها الطويلة في العالم.

وقعت العملية عندما اختطفت مجموعة من أربعة أشخاص (ألمانيين وفلسطينيين) ينتمون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية من مطار أثينا الدولي في 27 يونيو/حزيران 1976، وعلى متنها 248 مسافراً بينهم 105 يهود وإسرائيليين وأجبروا الطائرة على الإقلاع إلى مطار عنتيبي في أوغندا وطالبوا، من أجل إطلاق سراح الرهائن، بإطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل وأسرى تابعين لمنظمات يسارية عالمية من سجون كينيا وألمانيا وفرنسا وسويسرا.

أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الفترة، إسحاق رابين، فريق إنقاذ إسرائيليّاً على متن ثلاث طائرات عسكرية، وتمكن الفريق الذي ضم وحدة هيئة الأركان ووحدة غولاني ووحدة مظليين من تحرير الرهائن وإعادتهم إلى إسرائيل.

عملية "اليد الذهبية" في غزة

شكلت عملية تحرير الأسيرين الإسرائيليين من قطاع غزة في 12 فبراير/شباط الماضي مناسبة لتعزيز قدرة إسرائيل على استعادة الرهائن، والتغطية على أجواء الإحباط بسبب مرور قرابة خمسة أشهر على اختطافهم دون التمكن من تحريرهم أو التوصل إلى صفقة تضمن إعادتهم.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول العملية التي أطلق عليها اسم "اليد الذهبية" إنها "أكثر العمليات نجاحاً في تاريخ إسرائيل"، ورغم عدد الأسرى القليل الذي حُرر، وقربه من إسرائيل مقارنة "بعنتيبي" وفترة الأسر الطويلة نسبيّاً التي أمضوها لدى المقاومة (129 يوماً)، فلم يكف الإعلام الإسرائيلي عن وصفها بـ"البطولية".

السبب قد يكمن في عوامل لا علاقة لها بالعملية بحد ذاتها، إذ قد تكون كامنة في محاولة لتعويض الفشل في إطلاق سراح البقية حتى اللحظة، أو محاولة صرف النظر عن المفاوضات التي تتوسط فيها كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر لإنجاز صفقة تبادل والتهرب من دفع الثمن الذي قد يؤدي إلى تفكك ائتلاف نتنياهو بسبب تهديدات وزير الأمن الوطني الإسرائيلي إيتمار بن غفير بالخروج من الائتلاف إذا ما أُطلق سراح أسرى فلسطينيين مقابل تحرير الأسرى الإسرائيليين من غزة.

بغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء تضخيم عملية تحرير الأسيرين من رفح، ورغم المكاسب المعنوية التي حققتها، فإنها لا يمكن أن تشكل القاعدة في التعامل مع قضية الأسرى المتبقين، ولا أن تغني عن قناة التفاوض القائمة، وبالتالي فإنها ستُضاف في نهاية المطاف إلى أرشيف العمليات العسكرية الكثيرة الأخرى، دون أن تمتلك المفتاح لتغيير الواقع وقوانينه الصلبة وتعقيداته.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً