تابعنا
يقدم الاحتلال الإسرائيلي المرحلة الثالثة من الحرب في إطار تخفيض وتيرة الحرب وتأثيراتها الإنسانية على المجتمع الفلسطيني في غزة، فالإعلان عنها جاء بعد ضغط أمريكي وقبيل زيارة لوزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة.

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، التي أطلق عليها اسم "السيوف الحديدية"، بعمليات قصف جوي واسعة، وبعد 20 يوماً تقدمت قواته باتجاه محافظتي غزة وشمال غزة، واستمرت عملياته ما يقرب من 3 شهور قبل أن يعلن بدء انسحابه في نهاية ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٣.

وانتقل جيش الاحتلال بعملياته إلى خان يونس التي انسحب منها في الأسبوع الأول من شهر أبريل/نيسان الماضي، فيما لم تشمل عمليات جيش الاحتلال الواسعة محافظة رفح جنوب القطاع التي يهدد باقتحامها بين الحين والآخر.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي وبعد انسحاب جيش الاحتلال من شمال ومدينة غزة أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الانتقال إلى المرحلة الثالثة في الحرب، المرحلة التي وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها انتقال من القصف الكثيف إلى القصف المحدد مع سحب الجزء الأكبر من قوات الاحتلال من القطاع.

وسبق أن أشار غالانت في حديثه أمام لجنة الأمن والسياسة الخارجية في الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣ إلى أن المرحلة النهائية للحرب يجب أن تفضي إلى إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة.

وتُظهر الشهور الأربعة الماضية في شمال ومدينة غزة طبيعة ومستقبل عمليات جيش الاحتلال التي يُتوقع لها أن تستمر لفترة طويلة في ظل فشل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، لرفض الاحتلال تقديم أي التزام لوقف الحرب التي قال رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي إنها لن تنتهي قبل نهاية عام ٢٠٢٤ الذي وصفه بـ"عام الحرب".

نقاط الارتكاز

أسس الاحتلال الإسرائيلي لشكل عملياته في المرحلة الثالثة من خلال تأسيس واقع أمني جديد في قطاع غزة يخدمه في تحقيق هذه الأهداف، ومن أهم هذه الإجراءات احتلال ممر "نتساريم" الممتد شرقاً من الحدود ما بين القطاع ودولة الاحتلال وصولاً إلى شاطئ البحر غرباً، بمحاذاة مدينة غزة والمحافظة الوسطى.

أهمية هذه المنطقة تكمن في أنها تعطي جيش الاحتلال القدرة على الوصول إلى مناطق مختلفة في قطاع غزة، وتحديداً في محافظة غزة والوسطى التي يفصل الممر بينهما، بالإضافة إلى اتصال المرفأ البحري الذي يقيمه الجيش الأمريكي على ساحل القطاع، فمن هذه المنطقة انطلقت غارات الاحتلال البرية على مدينة غزة ومحافظة الوسطى.

أما الركيزة الثانية التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي فهي المنطقة العازلة على طول الحدود ما بين القطاع ودولة الاحتلال والتي تمتد بعمق 800 متر بحد أدنى في أراضي قطاع غزة، وبالإضافة إلى وظيفتها الدفاعية تمنح هذه المنطقة جيش الاحتلال فرصة وحرية الحركة على طول المناطق الحدودية.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سابقاً في أكثر من مناسبة، على رغبة إسرائيل بالاحتفاظ بسيطرة أمنية تتيح لها العمل بصورة مشابهة للضفة الغربية التي تشهد غارات متكررة للاحتلال على مدنها ومخيماتها.

الغارات البرية والجوية

لم يمكث الاحتلال كثيراً بعد انسحابه من شمال ومدينة غزة وعاد إلى بعض أحيائها محاولاً إكمال أهدافه الأمنية، وتثبيت نمط جديد من العمليات في قطاع غزة، تقوم بموجبه وحدات محددة من جيش الاحتلال بالعمل في أحد الأحياء من دون بقية المناطق.

وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى "انتقال الجيش من مرحلة المناورة المكثفة إلى نوع معين من العمليات الخاصة".

وفي مقابلة للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري مع صحيفة نيويورك الأمريكية أكد أن جيش الاحتلال انتقل إلى مرحلة جديدة " تتضمن عدداً أقل من القوات البرية والغارات الجوية".

هذا النوع من العمليات بدأته قواته مبكراً بعد أن أغارت قوة من جيش الاحتلال على حي تل الهوى غرب مدينة غزة، تلاه تقدم لقوات الاحتلال في مناطق غرب مدينة غزة وتحديداً في حي الرمال، وهي العملية التي ادّعى فيها الاحتلال سيطرته على نفق يمر من تحت مقر وكالة الأونروا.

وتلى ذلك إطلاق عملية عسكرية في حي الزيتون شرق مدينة غزة الذي حاولت فيه قوات الاحتلال بناء نموذج في الإدارة المحلية وقوة للمساعدة في عملية توزيع المساعدات، وهو ما فشلت فيه لاحقاً، وفي الوقت نفسه أغارت قوة من جيش الاحتلال على حي تل الهوى غرب مدينة غزة.

أما عملية الإغارة الأهم التي أجراها جيش الاحتلال فكانت على مستشفى الشفاء منتصف شهر مارس/آذار الماضي واستمرت حتى بداية شهر أبريل/نيسان، وهي المرة الرابعة التي يقتحم فيها الاحتلال المستشفى، وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال إن " قوات من اللواء 401، والنحال، والقوة البحرية الخاصة شايطيت 13، تحت قيادة الفرقة 162 دخلت المنطقة".

ويلاحظ أن جميع هذه العمليات جاءت من محور "نتساريم"، وهذا ما ينطبق كذلك على عملية جيش الاحتلال تجاه مخيم النصيرات التي أطلقها في الأسبوع الأول من شهر أبريل/نيسان الماضي، والتي عمل فيها على تأمين المناطق المحيطة بتمركزه.

وهدفت أغلب عمليات الاحتلال المنطلقة من هذا المحور إلى تأمين قوات الاحتلال في هذه المناطق من جانب، وإكمال ما لم يتحقق في المعركة البرية الواسعة من جانب آخر.

الركيزة الثانية من نمط العمليات الإسرائيلية الجديد هي تكثيف الغارات الجوية وعمليات الاغتيال المركزة، فبعد انسحاب جيش الاحتلال من محافظة الشمال ومدينة غزة بدأ بتركيز عمليات اغتياله على الشخصيات العاملة في المجال المدني، فقتل عدداً من رؤساء اللجان الطوارئ الحكومية، واستمر في ملاحقة نشطاء المقاومة الفلسطينية.

وجاء التطور الأهم في شكل القصف الجوي والمدفعي باستخدامه ردّاً على إطلاق المقاومة الفلسطينية الصواريخ والقذائف، وفي 23 أبريل/نيسان الماضي وبعد ادّعاءات من جيش الاحتلال بإطلاق صواريخ للمقاومة من بلدة بيت لاهيا، أعلن المتحدث باسم الجيش إخلاء عدد من المناطق في بيت لاهيا بالتزامن مع تكثيف القصف الجوي والمدفعي على البلدة.

خطورة المرحلة الثالثة

يقدم الاحتلال الإسرائيلي المرحلة الثالثة من الحرب في إطار تخفيض وتيرة الحرب وتأثيراتها الإنسانية على المجتمع الفلسطيني في غزة، فالإعلان عنها جاء بعد ضغط أمريكي وقبيل زيارة لوزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة.

لكن ما جرى هو استمرار لفداحة الآثار الكارثية للحرب، ووفقاً للأمم المتحدة وصل شمال ومدينة غزة في شهر مارس/آذار الماضي إلى حافة المجاعة ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى التحذير من أكبر كارثة من صنع البشر.

كما أن عمليات الاجتياح المستمرة لقوات الاحتلال أدت إلى تدمير مستشفى الشفاء بصورة أخرجته عن الخدمة، المستشفى الذي صمد طيلة أيام العملية العسكرية واستطاعت الطواقم الطبية إعادته إلى الحياة، تركته مدمراً ما دفع المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إلى وصف تدمير أكبر مستشفى في غزة بـ"نزع قلب النظام الصحي في قطاع غزة".

بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار إسرائيل بالمرحلة الثالثة يعني إطالة أمد الحرب، وهذا يتفق مع تصريحات غالانت الذي قال إنهم أمام "مرحلة طويلة"، فيما قال رئيس أركان جيش الاحتلال إن عام 2024 هو "عام الحرب".

هذا الأمر يعني بصورة أخرى أن عمليات إعادة إعمار غزة سوف تنتظر حتى انتهاء العمليات العسكرية في القطاع، وعبّرت الدول المناحة سابقاً عن معارضتها أي عملية إعادة إعمار في ظل الحرب، كما اشترطت الوصول إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في ظل الدمار الهائل الذي يعانيه قطاع غزة.

وفي تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار إلى أنه في حال جرى تسليم مواد البناء بشكل أسرع بخمس مرات من حرب 2021، فإن إعادة الإعمار يمكن لها أن تتحقق بحلول 2040.

وأضاف تقرير البرنامج الأممي أن استمرار الحرب لمدة 9 شهور أخرى يعني أن نسبة الفقر سوف ترتفع ما يقرب من 60.7%.

TRT عربي