ولأنّ بحر الصين والمحيط الهادئ هو الامتداد التجاري والأمني العسكري الاستراتيجي للصين، كان من الطبيعي أن تستثمر بكين إمكاناتها في المجال العسكري البحري، خصوصاً في الإنذار والرصد الراداري، فقدمت مؤخراً راداراً عملاقاً يمكنه تغيير معادلة الصراع في محيط الصين البحري. / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

منذ مدة ليست بالقليلة، تمضي الصين في تطوير صناعاتها الدفاعية مستفيدةً من التقدّم التكنولوجي الذي تحققه في المجالات المدنية، لا سيّما في مجال الاتصالات.

ولأنّ بحر الصين والمحيط الهادئ هو الامتداد التجاري والأمني العسكري الاستراتيجي للصين، كان من الطبيعي أن تستثمر بكين إمكاناتها في المجال العسكري البحري، خصوصاً في الإنذار والرصد الراداري، فقدمت مؤخراً راداراً عملاقاً يمكنه تغيير معادلة الصراع في محيط الصين البحري.. فما مواصفات هذا الرادار؟

حتى السواحل الأسترالية

وحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، فإنّ الرادار الجديد الذي تبلغ قدرته 30 ميغاوات، يمكنه أن يقلب التوازن لصالح البحرية الصينية، وذلك من خلال توسيع نطاق رصده الظرفي في القتال بشكل كبير مقارنةً بالأنظمة الحالية، إذ يتيح للقوات الصينية اكتشاف الصواريخ القادمة من بُعد يصل إلى 2800 ميل (4500 كيلومتر)، وهي مسافة تمتدّ ما بين جنوب الصين وشمال أستراليا.

ولمعرفة أهمية الوصول إلى هذه المسافة، تكفي معرفة أنّ أنظمة الرادار النموذجية اليوم محدودة؛ بسبب انحناء الأرض، وتميل إلى أن يصل مداها إلى 2000 ميل (3218 كيلومتراً)، فيما تتمتع الأنظمة المثبتة على السفن بمدى أقصر بكثير.

أما في مجال رصد الأهداف المتعددة -الطائرات مثلاً- فيمكن للرادار الصيني تتبع أهداف متعددة على مسافة 2175 ميلاً (3500 كيلومتر)، ويوافق أنّ هذه هي المسافة من جنوب الصين إلى جزيرة غوام، غرب المحيط الهادئ، تماماً حيث توجد أقوى قاعدة عسكرية أمريكية لمواجهة الصين في "الهادئ".

ويقول البروفيسور في جامعة "هاربين للعلوم والتكنولوجيا"، سون دونيانغ، وهو رئيس فريق العلماء والمهندسين الذين يقفون وراء المشروع، إنّ الرادار مناسب للتركيب على السفن الحربية الصينية الجديدة، ما سيعطي إمكانية خارقة لسلاح البحر.

ويمتلك معظم السفن العسكرية -في العادة- رادارات ذات نطاق عمل محدود لا يتجاوز بضع مئات من الكيلومترات، إذ يتطلب توسيع نطاقها قوة هائلة، ومع ذلك، يقول الباحثون إنّهم حلّوا هذه المشكلة، مما يجعل النظام ممكناً للسفن الحديثة والمزوَّدة بأنظمة الدفع الكهربائي.

ورغم وضوح المعلومات التي أُفرج عنها حول الرادار، تقول تقارير صحفية إنّ الرادار يحتوي على عدد أكبر بكثير من أجهزة الإرسال والاستقبال (عشرات الآلاف)، مقارنةً بالأجهزة التقليدية.

يمكن لكل وحدة مصفوفة إرسال واستقبال إرسال واستقبال الإشارات كرادار مستقل بذاته. عندما تتعاون هذه الوحدات، يمكنها إنتاج إشارات كهرومغناطيسية نبضية بقوة تصل إلى 30 ميغاوات، مما قد يؤدّي إلى تعطيل الأنظمة الكهربائية لأي سفينة حربية مستخدمة حالياً.

ويمكن أن يشكل تطوير أنظمة الرادار بعيدة المدى تحديات تتعلق بالحجم، فمثلاً، تبلغ مساحة رادار فلوريدا من طراز (AN/FPS-85)، والمملوك لقوة الفضاء الأمريكية الذي يُعد أقوى رادار فضائي في العالم، أكثر من 23 ألف متر مربع (أي ما يعادل ثلاثة ملاعب كرة قدم).

ومع ذلك، أدّت التطورات التكنولوجية الحديثة إلى انخفاض حجم الرادارات عالية الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت بعض المكونات الأساسية متاحة الآن بسهولة وبكميات أكبر وبتكاليف أقل، وكلمة السر في هذا التطور الهائل هي تقنية الجيل الخامس للاتصالات (5G).

السباق على السبق

تصاعُد السباق العسكري الأمريكي الصيني عامةً، وفي المحيط الهادئ والصيني الجنوبي خاصةً، له دلالات كثيرة، في ظل تشكل نظام عالمي جديد، تسعى الصين لأن تجد فيه دوراً مؤثراً بعيداً عن حدودها.

تنشأ فكرة الأمن القومي الأمريكي دوماً من التفوق الكاسح على العدو، لا سيّما في المجال البحري، بما أنّ أمريكا بلد معزول جغرافياً بالمحيطَين الهادئ والأطلسي، لذلك لا عجب من أن تكون الذراع البحرية الأمريكية موجودة في كل مكان، لضمان فتح ممرات الملاحة أمام التجارة الأمريكية، وسياسة واشنطن على حدٍّ سواء.

وهكذا، كان للقوات الجوية والبحرية الأمريكية نصيب الأسد في التقنيات التكنولوجية العسكرية، ولها الأولوية في الحصول على آخر الأسلحة، بما يكفل دوماً تحقيق الانتصار الساحق في وقت قصير.

وخلال العقدين الماضيين، رفع الصعود الصيني من أهمية القواعد الأمريكية الموجودة في بحر الصين الجنوبي والهادئ، لذا لم يكن مستغرباً أن تفتتح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جديدة في جزيرة غوام -إضافةً لتلك الموجودة حالياً- لتكون نقطة الانطلاق في أي مواجهة عسكرية مع الصين.

وفي المقابل، تبرز مشكلة تايوان التي تطالب الصين بضمها، وبالتالي تتحسب الصين لأي تحرك عسكري أمريكي مفاجئ في حال أقدمت بكين على غزو تايوان. وحول ذلك يرى المحلل العسكري العميد هيثم البياتي، أنّ الرادار الصيني الجديد سيغلق هذه الثغرة تحديداً.

ويضيف البياتي لـTRT عربي، أنّ "الرادار الصيني يمكنه رصد تحركات الطائرات الأمريكية الموجودة في جزيرة غوام، وهي النقطة الأبرز لأي تحرك أمريكي، كما يمكنه رصد أي صاروخ باليستي أمريكي حتى من مسافة أبعد من هذه".

ويلفت المحلل العسكري إلى أنّ نشر وحدات أخرى في أبعد نقطة يابسة صينية، أو على المدمرات البحرية المتحركة، "سيجعل كل القواعد الأمريكية تحت أنظار بكين، لو أقدمت على تحرك ضدّها".

يُشار إلى أنّ الرادارات تلعب دوراً مهماً في النزاعات البحرية، ولها أولوية في جيوش كل الدول ذات السواحل، لأنّها العُقدة التي تربط أسلحة الجو والبحر، كما أنّها المركز الذي يرصد التهديدات على الجانب الآخر، ويحرِّك الأسلحة المضادة لصدّها.

ومنذ مطلع القرن الحالي، طورت الصين كثيراً من الرادارات البحرية المخصصة لمواجهة التهديدات، ويُعد الرادار الأخير، باكورة الأبحاث الصينية في هذا المجال.

TRT عربي