تابعنا
منذ اللحظات الأولى للزلزال حشدت السلطات التركية كل الوسائل للاستجابة للآثار الكارثية التي خلّفها، وحوّلت جميع الوزارات والمؤسسات والمنظمات جهودها، ووجهت قدرات الإنقاذ والإغاثة لديها إلى المنطقة المنكوبة.

شكّل الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي في 6 فبراير/شباط 2023، واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية في تاريخ البلاد والبشرية عامة.

ومنذ اللحظات الأولى للزلزال حشدت السلطات التركية كل الوسائل للاستجابة للآثار الكارثية التي خلّفها، وحوّلت جميع الوزارات والمؤسسات والمنظمات جهودها، ووجهت قدرات الإنقاذ والإغاثة لديها إلى المنطقة المنكوبة.

التحدي الأكبر الذي واجهته الحكومة التركية تمثّل في إعادة إعمار المناطق المتضررة من هذا الزلزال، وخاصة أمام المساحة الجغرافية الكبيرة التي ضربها، فقد خلَّف دماراً فورياً في البنى التحتية.

وترك الزلزال آثاراً كارثية في 11 ولاية و62 منطقة و10 آلاف و190 قرية تابعة لهذه الولايات جنوبي البلاد، وأثّر في حياة 14 مليون مواطن، إذ أشار العلماء إلى أن الطاقة المنبعثة نتيجة هذا الزلزال تُقدر بقوة 500 قنبلة ذرية.

لذا سعت الحكومة منذ البداية إلى طمأنة المواطنين، مؤكّدة سعيها واستنفارها لمعالجة الآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية الناجمة عن "كارثة القرن".

وهذا ما عبّر عنه الرئيس أردوغان في 22 فبراير/شباط الماضي بقوله: "سنعيد بناء جميع مدننا بمنازلها ومحالها التجارية ومراكزها الصناعية والزراعية، مع مراعاة قيمها التاريخية والثقافية، ومن دون السماح بأدنى تراجع أو إهمال".

تخصيص ميزانية ضخمة

احتل موضوع تأهيل المناطق التي تعرضت للزلزال مكانة أساسية في البرنامج الاقتصادي متوسط ​​المدى الذي أعدّته الحكومة التركية للفترة القادمة.

فقد أكّد الرئيس أردوغان في تصريحات له خلال سبتمبر/أيلول الماضي أنّ الحكومة خصصت كل الموارد في العام الأول للبرنامج من أجل إعادة إعمار وإحياء مناطق الزلزال، لافتاً إلى أنّها ستخصص تريليون ليرة تركية (نحو 32.7 مليار دولار) من أجل منطقة الزلزال عام 2024.

وأوضح أنّ مع نهاية فترة البرنامج سيكون قد جرى استخدام نحو 3 تريليونات ليرة (98.2 مليار دولار) موارد من أجل مناطق الزلزال.

إلى جانب ذلك حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 31 مشروعاً لدعم الانتعاش المستدام في المناطق المتضررة من الزلزال، ودعا إلى تمويل دولي بقيمة 550 مليون دولار لإنجاز هذه المشاريع.

وتعليقاً على هذه المبالغ الضخمة التي رصدتها الحكومة، يوضح الباحث الاقتصادي بمركز جسور للدراسات، خالد تركاوي، في حديثه لموقع TRT عربي، أنّ كارثة الزلزال التي تعرضت له تركيا أثبتت أنّ الحكومة هي الفاعل الوحيد في مرحلة الأزمات؛ بمعنى أن لا شركات القطاع الخاص ولا التكافل الاجتماعي باستطاعتها أن تحلّ الأزمة، إذ قد يحتاج الأمر أيضاً إلى تدخل دولي إلى جانب جهود الحكومة.

إعادة بناء المناطق المتضررة

بدأت الحكومة بعملية إعادة الإعمار وبناء الوحدات السكنية للمواطنين الذين دُمّرت منازلهم بفعل الزلزال، بعد الانتهاء من عمليات انتشال الضحايا وإزالة الأنقاض.

إذ وضعت وزارة البيئة والتطوير العمراني بعد أيام قليلة من كارثة الزلزال خريطة الطريق اللازمة خلال عملية إعادة الإعمار والتطوير في المناطق المنكوبة، وشاركت الأعمال التي ستنفّذ خلال هذه العملية، وفقاً لـ10 بنود رئيسية.

من جانبه صرّح الرئيس أردوغان خلال تفقّده مدينة غازي عينتاب في 22 فبراير/شباط من العام الماضي، أنّ الحكومة ستشرع في بناء بيوت لـ270 ألف أسرة بالمدن والأرياف في 11 ولاية متضررة من الزلازل بحلول بداية الشهر القادم، على أن تُسلَّم للمواطنين خلال عام واحد فقط.

هذه الوعود تُرجمت على أرض الواقع، إذ سلّمت الحكومة التركية السبت 4 فبراير/شباط الجاري 7 آلاف و275 منزلاً لأصحاب الحقوق من منكوبي الزلزال بولاية هطاي.

وفي كلمة خلال حفل أقيم السبت 4 فبراير/شباط لسحب القرعة وتسليم المواطنين المنازل بولاية هطاي، أكد الرئيس التركي أردوغان أنّ حكومته ستسلم 75 ألف منزل للمتضررين من كارثة زلزال 6 فبراير/شباط 2023 جنوبي البلاد في غضون شهرين، كما بيّن أنّ عدد المنازل التي ستُسلمها الحكومة يصل إلى 200 ألف بحلول نهاية العام الجاري.

وأوضح أنّ هذا الأمر يُظهر وفاء الحكومة بوعدها بإكمال البناء في غضون عام واحد من وضع حجر الأساس.

وإضافة إلى الناحية الاجتماعية التي تلبّيها هذه المنازل بإيواء المتضررين من الزلزال تحقق هذه الوحدات السكنية هدفين آخرين بحسب الباحث الاقتصادي تركاوي؛ الأول هو اقتصادي من تشغيل قطاعات مختلفة من الدول كالمصارف والنقل وقطاع الصناعات الحديدية.

أما الهدف الثاني -وفق تركاوي- فيتمثل في تنشيط قطاع العقارات، لأن هذا القطاع في تركيا متأثر بشكل أو بآخر بأزمات عالمية وأخرى محلية.

قروض وتسهيلات مصرفية

وبموازاة عمليات إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية في الـ11 ولاية التي ضربها الزلزال، أعلنت الحكومة التركية عن حزمة واسعة من الدعم لتخفيف الأعباء المالية عن منكوبي الزلزال، كإعفاء المتضررين عن أقساط البنوك لمدة 6 أشهر، بالإضافة إلى منح أصحاب المنازل المتضررة والمستأجرين تعويضات مالية شهرية.

إلى جانب ذلك كشف الرئيس التركي عن توفير الحكومة مساعدة بمبلغ 100 ألف ليرة (نحو 5 آلاف دولار) لأقرباء المتوفين بالزلزال من أجل تلبية احتياجاتهم.

ولم يقتصر الدعم المادي على الأفراد فقط، إذ عملت الحكومة على تقديم دعم وإعفاءات مصرفية للشركات والمشاريع الصغيرة، فقد سُلّم 3 آلاف و400 مكان عمل اكتمل بناؤها.

وفي هذا السياق أُنشئَت 9 أسواق وسط مدينة أدي يامان بمساهمة من بلديات المقاطعات الأخرى، إذ بدأ التجار الخدمة مرة أخرى في الحاويات وأماكن العمل الجاهزة في البازارات.

فالتسهيلات المصرفية لهذه الشركات كانت جداً مهمة، وخاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخم، ويبرر الاقتصادي تركاوي ذلك بالقول: "لأن الحكومة إذا تركت هذه المؤسسات من دون تسهيلات ضريبية فلن تستطيع أن تقترض، ولن تستطيع أن تستعيد أعمالها، وبالتالي الحكومة ستخسر الضرائب وستخسر فرص العمل التي كانت توفرها هذه الشركات".

مشاريع التحول الحضري

يركز برنامج "التحول الحضري" على إعادة بناء الأحياء القديمة والمباني الخطيرة، وهو برنامج كبير يهدف إلى إعادة بناء ملايين الوحدات السكنية الجديدة والمقاوِمة للزلازل

ولا يعتبر هذا البرنامج مستحدثاً في تركيا، إذ تخوض تركيا منذ عقود سباقاً مع الزمن من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة الزلازل، وبذلت الحكومات التركية المتعاقبة جهوداً كبيرة في هذا الإطار.

واتخذت الحكومة بعد زلزال 6 فبراير/شباط، خطوات سريعة وشاملة في هذا السياق، تمثل في ارتفاع أعداد البيوت والمنازل القروية واحداً تلو الآخر، وأعيد بناء البنية التحتية والأسواق والمرافق العامة.

وفي أعقاب الدراسات المفصلة، قررت وزارة البيئة والتوسع الحضري وتغير المناخ، بناء إجمالي 850 ألف وحدة مستقلة بين 680 ألف مسكن ومنزل قروي، إلى جانب 170 ألف محلّ تجاري ومصنع بدلاً من المباني التي دُمّرت وتضررت بشدة في الزلازل.

وفي هذا السياق أعلن الرئيس أردوغان، خلال مشاركته في حفل وضع حجر أساس مشاريع تحول عمراني في ولاية قهرمان مرعش في 11 أغسطس/آب من العام الماضي، أنّ حكومته تسعى لبناء 6.5 مليون شقة سكنية في عموم البلاد ضمن مشروع تحول عمراني مقاوم للزلازل، يشتمل على إعمار المباني والمرافق العامة والبنى التحتية في جميع المدن التي دمرها زلزال 6 فبراير/شباط.

بدوره يشير الأكاديمي الاقتصادي، فراس شعبو، إلى أنّ هذا المشروع هو خطوة مهمة تواجهها بعض الصعوبات والمعوقات، ولكنّ الحكومة حتى الفترة الحالية استطاعت تأمين الاحتياجات الأساسية وتوفيرها للقيام بهذه المشاريع.

ويضيف شعبو لموقع TRT عربي، أنّ حديث الإعلام عن تنفيذ هذه المشاريع والحكم عليها من خلال سنة واحدة هو أمر فيه إجحاف بحق الحكومة، بغضّ النظر إن استطاعت الحكومة تأمين الاحتياجات أم لا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً