تابعنا
يؤكد الخبير القانوني في شؤون الهجرة واللجوء، أحمد السعدون، أن "القرار الذي اتخذته بريطانيا غير قانوني وغير إنساني تجاه مسألة طالبي اللجوء الذين غادروا بلدانهم لأسباب أمنية وسياسية قاهرة، مثل بُلدان العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها".

في خطوة، هي الأولى، رحّلت الحكومة البريطانية إلى رواندا أول طالب لجوء ضمن إطار برنامج "الترحيل الطوعي" لمهاجرين رفضت طلبات لجوئهم التي تقدّموا بها في بريطانيا.

وحسب ما أوردت صحيفة ذا صن البريطانية في 30 أبريل/نيسان الماضي، فإن هذه هي المرة الأولى التي تَنقُل فيها الحكومة طالب لجوء مرفوضاً إلى دولة ثالثة، وهو ما سُيمهّد الخطوة لآلاف من اللاجئين غير الشرعيين.

ولم يُذكر اسم الشخص المُرحَّل أو جنسيته، لكن الصحيفة البريطانية قالت إنه من أصل إفريقي ،ورفضت محاولات بقائه في بريطانيا نهاية عام 2023، ثم "قبل طوعاً" الحياة الجديدة في الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، حيث أُرسل على متن رحلة تجارية وجرى تسليمه نحو 3 آلاف جنيه إسترليني للمساعدة في الانتقال بموجب شروط صفقة مع رواندا.

وتأتي هذه العملية بعد أيام من إقرار البرلمان البريطاني "مشروع قانون سلامة رواندا"، الذي يتيح للحكومة أن ترحّل المهاجرين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية، ومن المقرر أن تبدأ الرحلات الجوية في يوليو/تموز المُقبل.

وبموجب البرنامج الذي تتضمنه الخطة وأُعلن عنه الشهر الماضي، يُعرض على المهاجرين الذين رُفضت طلباتهم ما يصل إلى 3 آلاف جنيه إسترليني للانتقال إلى رواندا.

وفي نومفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت المحكمة العليا أن هذه السياسة غير قانونية، لكن رئيس الوزراء البريطاني، ريتشي سوناك، قال إن القانون الجديد يتجاوز أي مخاوف قانونية، وبالتالي سينفذ تعهده بمنع الأشخاص من الوصول عبر قناة المانش في قوارب صغيرة.

يُثير هذا البرنامج الجديد قلق جماعات حقوق الإنسان، الذين يرون فيه خرقاً لاتفاقيات اللجوء الدولية، كما يخشون من أن يُعرّض حياة المهاجرين للخطر، ومن ناحية أخرى تدافع الحكومة البريطانية عن سياستها الجديدة، مؤكدة أنها "ضرورية" للحدّ من الهجرة غير الشرعية وضمان سيطرة صارمة على حدود البلاد.

ما "خطة رواندا"؟

وافق رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، في أبريل/نيسان 2022 على مخطط إرسال طالبي اللجوء غير الشرعيين إلى رواندا، ووَفق الخطة، فإن أي شخص وصل إلى بريطانيا بشكل غير شرعي بعد في الأول من يناير/كانون الثاني 2022 سيُرسل إلى رواندا، التي تقع على بعد نحو 6400 كيلومتر من المملكة المتحدة.

وواجهت الخطة معارضة قانونية، إذ حظرت المحكمة الأوروبية أول رحلة ترحيل في يونيو/حزيران 2022، ثم أيّدت المحكمة العليا في المملكة المتحدة حكماً بأن المخطط البريطاني غير قانوني، لأن المهاجرين معرّضين لخطر إعادتهم إلى أوطانهم أو إلى بلدان أخرى، حيث قد يتعرضون إلى خطر سوء المعاملة.

فضلاً عن أن الخطة مكلفة للغاية، إذ دفعت المملكة المتحدة بالفعل لرواندا أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني، وتُقدَّر تكلفة إعادة توطين 300 لاجئ فقط بأكثر من 600 مليون جنيه إسترليني، كما أنه من غير المؤكد عدد اللاجئين الذين يمكن لرواندا استيعابهم.

وفي 23 أبريل/نيسان الماضي نجح رئيس الوزراء البريطاني، ريتشي سوناك، في إقرار مشروع قانون الترحيل إلى رواندا، وصدَّق البرلمان على المشروع بعد أن ظل عالقاً لأشهر بين مجلسَي اللوردات والعموم، قبل أن يوافق "اللوردات" في نهاية المطاف على عدم إدخال أي تعديلات إضافية على النص، مما أتاح إقراره، على أن يدخل حيز التنفيذ حالما يصدّق عليه الملك.

وكان الجمود التشريعي هو العقبة الأخيرة في مسار تبنّي الخطة المثيرة للجدل، التي واجهت معارضة قضاة المحكمة العليا وانتقادات نشطاء حقوق الإنسان الذين يقولون إنها "غير قانونية وغير إنسانية"، بينما تعهد المدافعون عن المهاجرين بمواصلة معارضة الإجراء.

قرار "غير قانوني أو إنساني"

ويؤكد الخبير القانوني في شؤون الهجرة واللجوء، أحمد السعدون، أن "القرار الذي اتخذته بريطانيا غير قانوني وغير إنساني تجاه مسألة طالبي اللجوء الذين غادروا بلدانهم لأسباب أمنية وسياسية قاهرة، مثل بُلدان العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها".

ويضيف السعدون لـTRT عربي أن "هذه الخطوة -للأسف- اتخذها رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك، لأسباب سياسية بحتة، لإثبات أن كابينته الوزارية تعمل وسط ضغوطات سياسية وأمنية، وفي الوقت نفسه سبق أن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون اتخذ هذه الخطوة التي لاقت عدم قبول من القضاء البريطاني بسبب عدم وجود ضمانات أمنية لطالبي اللجوء في حالة وصولهم إلى رواندا".

وحول ردود الفعل المحلية حول هذا القرار، يوضح السعدون أن الشعب البريطاني متعاطف مع طالبي اللجوء، كما تعمل إدارة الهجرة على المتابعة القانونية والأمنية لكل طالبي اللجوء وتضعهم في أماكن مخصصة لهم ومتابعتهم من الدوائر الاجتماعية والقانونية إلى حدّ حصولهم على نتيجة طلب لجوئهم.

ويشير إلى أن المنظمات المدنية في بريطانيا ومنظمات حقوق الإنسان هي منظمات إنسانية تابعة لحزب العمال، وكانت رافضة بقوة لهذا المقترح والقرار الذي صدر بطريقة غير إنسانية من البرلمان البريطاني بعد تصديق مجلس اللوردات عليه.

ويتابع الخبير القانوني: "للأسف، قرار حكومة سوناك هو لأسباب سياسية تتعلق بالانتخابات، ومَن يدفع ثمن هذه القرارات هم طالبو اللجوء الذين أتوا إلى بريطانيا في ظروف استثنائية وإنسانية ويجب مراعاتهم".

وأصدرت الأمم المتحدة عقب إقرار برلمان المملكة المتحدة مشروع قانون "سلامة رواندا" تحذيرات في ما وصفته بـ"التأثيرات الوخيمة" للقانون على مبدأ تقاسم المسؤولية العالمية، وحقوق الإنسان، وحماية اللاجئين.

وفي بيان صحفي، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، حكومة المملكة المتحدة إلى إعادة النظر في خطتها لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا، وإلى اتخاذ بدلاً من ذلك تدابير عملية لمعالجة التدفقات غير النظامية للاجئين والمهاجرين، ارتكازاً على التعاون الدولي واحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وقال غراندي إن "التشريع الجديد يبتعد خطوة أخرى عن تقاليد المملكة المتحدة العريقة المتمثلة في توفير اللجوء للمحتاجين إليه، وهو ما يُعتبر انتهاكاً لمعاهدة اللاجئين. وتتطلب حماية اللاجئين من جميع البلدان -وليس فقط تلك المجاورة لمناطق الأزمات- أن تؤدي التزاماتها. ويسعى هذا الترتيب إلى تحويل المسؤولية عن حماية اللاجئين، مما يقوّض التعاون الدولي ويشكّل سابقة عالمية مثيرة للقلق".

وأضاف المفوض السامي لشؤون اللاجئين أن "المملكة المتحدة تزخر بتاريخ يدعو للفخر في مجال التدقيق القضائي الكفء والمستقل.. ولا يزال بإمكانها اتخاذ الخطوات الصحيحة ووضع التدابير اللازمة للمساعدة في معالجة العوامل التي تدفع الأشخاص إلى مغادرة ديارهم، وتقاسم المسؤولية بشأن أولئك المحتاجين إلى الحماية مع الشركاء الأوروبيين وغيرهم من الشركاء الدوليين".

TRT عربي
الأكثر تداولاً