تابعنا
تحررت نورهان عوّاد وملك سلمان من السجون الإسرائيلية ضمن الدفعة الأولى والثانية لصفقات تبادل الأسرى في إطار اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، التي دخلت حيّز التنفيذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

"لن أنسى ذاك اليوم، كنت متوترة ومرتدية ملابسي وجاهزة، وقفت عند باب زنزانة الأسيرات اللواتي سيتحررن، حينها خرجن وبقيت أنا، شعرت بالانهيار.. انهارت أعصابي! وبعد لحظات نادى السّجان على اسمي، فتعجبت وبدأت إجراءات الخروج وتوقيع الأوراق وأنا غير مصدّقة إلى أن صعدت الحافلة".

بهذه الكلمات تصف الأسيرة المحررة، نورهان عواد، ليلة خروجها من سجن الاحتلال الإسرائيلي.

18 ساعة من الانتظار، هي المدة التي استغرقتها إجراءات تحرير نورهان، والتي بدأت الساعة 10 صباحاً، إذ نقلت من سجن الدامون إلى مركز تحقيق وتوقيف المسكوبية المقام في القسم الشمالي من مدينة القدس حتى الساعة 3 عصراً، ليفرج عنها الساعة 12 منتصف ليلة 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن ظنت أنها ستبيت ليلةً إضافية في المسكوبية.

وكانت سيارة شرطة إسرائيلية تنتظرها في الخارج وشقيقها محمد جالس داخلها، لكن عناصر الشرطة منعوهما من الكلام، ولم تتمكن من احتضان شقيقها إلّا بعدما وصلا حاجز قلنديا، حيث خالها بانتظارها، وبعد أن قطعت الحاجز كان كلُّ أبناء مخيم قلنديا في شمال القدس المحتلة بانتظارها.

"حرّيتنا اقتربت"

في تمام الساعة الثامنة من صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استمعت نورهان عواد وباقي الأسيرات في سجن الدامون الإسرائيلي إلى نشرات الأخبار.

وتقول نورهان لـTRT عربي: "تجمّعنا في غرفتي أنا ومرح باكير، شاهدنا التلفاز، واستمعنا إلى الراديو، رأينا مشهدين فقط، الأول دخول المستوطنات، والثاني الشراعيّات تنزل من السماء، ثم استمعنا إلى خطاب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وأنه جرى إطلاق صواريخ وخطف جنود إسرائيليين، علمنا أن حريّتنا وحرية فلسطين اقتربت".

حينها، احتفلت الأسيرات وأعددن القهوة، قبل أن تبدأ إدارة السجن سلسلة إجراءات قمعية بحقهنّ، وخرجن سريعاً إلى الساحة لإكمال الاحتفال لتقتحم وحدات القمع الساحة، وتعيد الأسيرات إلى الغرف بعد رشّهن بالغاز وتغلق القسم، وتعزل ممثلة الأسيرات مرح باكير، وفق نورهان.

وفي اليوم التالي، سحبت إدارة السجون الأجهزة الكهربائية وغاز الطهي، وصادرت حتى "الطناجر" (الأواني)، ومنعت الأسيرات من الخروج إلى "الفورة"، متنفس الأسيرات الوحيد، وهي عبارة عن ساحة مُحاطة بأسوار ومُغطّاة بشبك يحجب الشمس.

ووفق نورهان، فإن مصادرة أدوات الطهي تعني أن لا خيار أمام الأسيرات سوى تناول ما تقدمه إدارة السجون من طعام سيِّئ غير ناضج وغير كافٍ، فكان على الأسيرات تقاسم كمية تكفي لأربعة أشخاص على 9 منهن، مثل الأرز غير المطبوخ بشكل جيّد، والشوربة التي لا تحتوي على أي من مكونات الشوربة، ومياه غير نظيفة مملوءة بالترسّبات، وهذا كل ما حصلت عليه الأسيرات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وعندما تغيرت حالة الطقس ودخل الشتاء، تعمّدت إدارة السجون سحب وسائل التدفئة والأغطية من الأسيرات، ومُنعن من زيارة الأهل أو زيارة المحامين.

بعد عزلهن عن العالم الخارجي، تمكنت الأسيرات من معرفة الأخبار عن طريق الأسيرات الجُدد اللواتي اعتُقلن بعد بدء الحرب، وعلمن أن الحديث عن صفقات تبادل الأسرى يتزايد.

وتقول الأسيرة المحررة نورهان: "كانوا يتكلمون بأن الصفقة ستشمل 33 اسماً من أسيرات ما قبل الحرب، لكن عددنا 36، صرنا نفكر من التي لن تشملها الصفقة، فوجئنا أن الدفعة الأولى اقتصرت على الموقوفات أو الأسيرات ذوات الأحكام المنخفضة، أما نحن صاحبات الأحكام الطويلة فأصابنا القلق، لكن في اليوم الثاني وردت أسماؤنا -الحمد لله-".

اعتقلت نورهان عواد وهي في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة عام 2015، وكانت في السادسة عشرة من العمر، وحُكمت بالسجن لمدّة 13 عاماً ونصف العام، استؤنف لاحقاً إلى 10 أعوام.

تصف نورهان لـTRT عربي شعورها لحظة صدور الحكم بقولها: "كأنني حُكمت بالمؤبد، شعرت بالصدمة لكثرة السنوات، كأنها نهاية العالم".

اعتقل الاحتلال نورهان بعد إطلاق النار عليها وإصابتها بثلاث رصاصات، بينما استشهدت ابنة عمها هديل التي كانت برفقتها في ذلك اليوم.

"خبر استشهاد هديل كان من أصعب المواقف التي مررت بها خلال سنوات الأسر، بعد اعتقالي ومكوثي في المستشفى، عرفت من خلال مجموعة من الأسرى في أول محكمة لي، سألوني إذا كنت ابنة عم الشهيدة هديل عواد، وهكذا عرفت بالأمر"، كما تضيف نورهان.

لم يكسر السجن عزيمة نورهان، فأكملت تعليمها، وحصلت على شهادة الثانوية العامة ثم البكالوريوس تخصّص خدمة اجتماعية وهي خلف القضبان.

تقول نورهان التي حرّرت ذكرياتها معها من السجن الإسرائيلي: "هناك موقف أحب تذكّره كثيراً، وهو أنه كنّا ذات يوم في ساحة (الفورة) المغطّاة بالشبك، أي لا نرى السماء بوضوح، حينها مرَّ عدد هائل من العصافير المهاجرة، نظرت إلى الأعلى كل الساحة كانت عصافير، فبكينا، كان أول مرة وآخر مرة نرى مشهداً كهذا، كان جميلاً جداً".

شمس بلا شبك وأيادٍ بلا قيود

"أول ما كنت أتمناه هو أن أرى الشمس، وأشمّ الهواء النظيف"، بهذه الكلمات تعبّر الأسيرة المحررة ملك سلمان، عن أمنياتها البسيطة عند فكّ أسرها.

وتقول: "خلال 48 يوماً متواصلاً لم نتعرض للهواء والشمس، أريد أن أكون تحت الشمس، أكون في الشارع وحدي، من دون أيدٍ وأرجل مكبلة. أول دخولي إلى قريتي بيت صفافا بدأت الضحك، وكنت متوترة كثيراً، وكيف سأصل لأُقبّل يد أمي وأبي وأخواتي، هذه مشاعر لن يفهمها إلا من يعيشها".

وتنحدر الأسيرة المحررة ملك من قرية بيت صفافا جنوب غرب القدس المحتلة، اعتُقلت عام 2016 في عمر الـ16 عاماً، وحُكمت بالسجن لـ9 سنوات.

وتقول ملك لـTRT عربي: "كنت طفلة وأخذت حكماً كبيراً، فابتعادي عن أهلي ومدرستي وحياتي كان أمراً صادماً ومؤلماً، ولم أتصوّر كيف أنني سأجلس كل هذه المدة في السجن".

كانت ملك في الصف العاشر، وكانت تحمل حقيبتها المدرسية على ظهرها عندما اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأكملت تعليمها هي الأخرى خلف القضبان وتشاركت مع نورهان بالتخصّص الجامعي لتحصل على شهادة في الخدمة الاجتماعية.

محطّات كثيرةٌ مرّت بها ملك خلال فترة سجنها، لكن أصعبها كان تلقي خبر إصابة والدتها بالسرطان.

وتردف: "أتت أمي إلى موعد زيارتي، وكان لون وجهها غير طبيعي، وكان شكلها مختلفاً، عرفت أن والدتي تعاني من السرطان وفي مراحل متقدمة، كان ذلك مفاجئاً وسبّب لي انهياراً، لكن لا أستطيع أن أكون إلى جانبها، ما حصل كان مؤلماً بطريقة لا يمكنني تحمّلها".

وخلال 48 يوماً من الحرب على قطاع غزة وجراء سياسة التجويع التي مُورست بحق الأسيرات، تخيلت ملك ورفيقاتها أنواع الطعام التي يشتهين أكله، إذ أكثر ما كان تحلم الأسيرات بتناوله هي معجنات البيتزا.

وتصف لحظة تناولها وجبتها المفضلة بقولها: "أول لحظات تحرّري سألوني ماذا أشتهي تناوله، وما إنْ قلت إنني أشتهي البيتزا، إلا أن وجدت الجميع يحضر لي الصواني إلى منزلي، وعندما تذوقتها وأكلتها كان شعوراً رائعاً".

ملك حرّة اليوم بينما تعافت والدتها من السرطان، أما شقيقتها الصغيرة التي تركتها وهي بالصف الخامس فأصبحت اليوم طالبة جامعية تدرس الصيدلة.

لم تتمكن ملك من النوم في ليلتها الأولى خارج القضبان، إذ تصف ذلك قائلةً: "لم أنم بالمطلق في أول يوم، ونهضت من الفراش الساعة 6 صباحاً، بالموعد ذاته الذي نستيقظ فيه داخل السجن، ولم أصدّق أنني في المنزل، وتناولت ألذَّ فطور فلسطيني بأطباق تملأ الطاولة".

تحررت نورهان عوّاد وملك سلمان من السجون الإسرائيلية ضمن الدفعة الأولى والثانية لصفقات تبادل الأسرى في إطار اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، التي دخلت حيّز التنفيذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

الدامون.. من إسطبل خيول إلى سجن

يقع سجن الدامون شمال فلسطين المحتلة في أحراش الكرمل بحيفا، أُقيم في عهد الانتداب البريطاني، وكان في السابق إسطبلاً للخيول ومستودعاً للسجائر، وبعد عام 1948 وضعت إسرائيل يدها على المبنى وحوّلته إلى سجن.

كانت البُنية التحتية للسجن رديئة وسيئة جداً، وكان هناك أمرٌ بإغلاقه؛ لأنه لا يصلح للعيش فيه، ولكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى وازدياد أعداد الأسرى/ات أعادت إسرائيل فتحه مجدداً.

ترتفع الرطوبة داخل غرف الدامون التي لا تصلها أشعة الشمس، وهو ما يتسبّب بتعفّن جدران الغرف، كما أن ساحة المعتقل ملساء غير مناسبة للسير عليها في فصل الشتاء، إذ تعرّض كثير من الأسيرات للإصابة نتيجة انزلاقهن في أثناء المشي، وأيضاً لا يوجد في الغرف مكان مخصّص للاستحمام، وعلى الأسيرات استخدام "الدوش" الخارجي خلال أوقات "الفورة".

يُذكر أن اتفاق الهدنة الذي أُعلن برعاية قطرية-مصرية-أمريكية، ودخل حيّز التنفيذ صبيحة يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أسفر حتى لحظة إعداد هذا التقرير عن تنفيذ 6 صفقات تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، شملت الأسيرات والأسرى الأشبال، وتضمنت القوائم أسماء الأسيرات ذوات الأحكام العالية، بدءاً من شروق دويّات التي كانت تقضي حكماً بالسجن لـ16 عاماً.

بينما وصلت حصيلة الأسرى في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أكثر من 3290 فلسطينياً، أعلاها في محافظة الخليل جنوبي الضفة.

وقال نادي الأسير الفلسطيني في بيان له نُشر بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني، إن "من بين الأسرى 125 امرأة، يشمل اللواتي اعتقلن من أراضي عام 1948، أما الأطفال، فاعتُقل 145 طفلاً خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تتوافر حصيلة الأسرى الأطفال خلال الشهر الجاري".

TRT عربي