تابعنا
يصل سنوياً آلاف المهاجرين القاصرين إلى فرنسا بعد فرارهم من بلادهم بسبب المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليجدوا أنفسهم معزولين على التراب الفرنسي وفريسة سهلة في غياب بيئة عائلية أو دعم عاطفي.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، خضع ستة متهمين جزائريين أمام المحكمة للاشتباه في قيامهم بجعل قاصرين أجانب غير مصحوبين بذويهم مدمنين على المخدرات، لدفعهم إلى السرقة بالقرب من برج إيفل.

وأجبر هؤلاء الستة 17 قاصراً غير مصحوبين بذويهم، أغلبهم مغاربة، على سرقة السياح بالقرب من برج إيفل بعد تخديرهم قبل أن يُقبض عليهم ومحاكمتهم بتهمة "الاتجار بالبشر".

وكان يطلق على القاصرين لقب "لصوص تروكاديرو الصغار"، إذ دفعهم تجار البشر، تتراوح أعمارهم بين 23 و39 عاماً بين عامي 2021 و2022 إلى إدمان أقراص "ليريكا" أو "ريفوتريل"، الأول الملقب بـ"الصاروخ"، هو دواء مضاد للصرع، يساعد على "تقليل الجوع والتعب" والثاني يسمى "السيدة الشجاعة"، الذي يقلل من القلق والانفعالات.

ظروف الاستغلال

ولفهم ظروف الاستغلال التي يتعرّضون لها، تفيد محامية أحد هؤلاء الأطفال كاثرين ديلانوي داود أن "أغلب هؤلاء القاصرين بعد أن يمرّوا من مخاطر البحر الأبيض المتوسط، ويعيشوا فترات صعبة في شوارع إسبانيا يقررون مواصلة الرحلة إلى ذروة حلمهم وبداية كابوسهم، وهي ساحة تروكاديرو الباريسية".

وتضيف داود لـTRT عربي أنه من دون سند أو ظهر يحميهم ولغة فرنسية ضعيفة يقع هؤلاء في يد أشخاص يتلاعبون بهم ويلعبون دور "الأخ الأكبر" و"المرجع الوحيد الآمن".

وتوضح أنه "بعد ذلك يبدأ هؤلاء البالغون تقديم العقاقير مجاناً على أنها تساعدهم على نسيان همهم ومآسيهم وتشعرهم بالسعادة، وبمجرد دخولهم في مرحلة الإدمان يطالبونهم بدفع المال، وهكذا يصبح معظمهم تحت رحمتهم، ولكسب المال، يجبر هؤلاء الضحايا على سرقة محافظ وهواتف ومجوهرات السياح، وإلا فسيتعرضون للضرب والحرمان من الأدوية المخدرة".

تهمة الاتجار بالبشر

وبسبب هذه الوقائع "الخطيرة للغاية" كما وصفتها محكمة الجنايات في باريس، ونظراً "للضرر الذي لحق بالسلامة الجسدية والنفسية للشباب"، أصدرت المحكمة في 12 يناير/كانون الثاني أحكاماً بالسجن بين سنة وست سنوات مع المنع الدائم من دخول الأراضي الفرنسية بعد أن رأت أن هناك "نظام تشغيل أفقياً" والتحقيق لم يثبت وجود شبكة "هرمية ومنظمة".

وبحسب رئيس المحكمة، فإن الاتجار بالبشر يتميز باستغلال "نقاط الضعف الجسدية والنفسية والاجتماعية والعاطفية" للقاصرين غير المصحوبين، الذين وضعوا ثقتهم في هؤلاء البالغين الناطقين بالعربية "القريبين من مجتمعهم".

وسيتعين على المتهمين الستة، المدانين بشكل خاص بالاتجار بالبشر وتهريب المخدرات، دفع 20 ألف يورو بشكل مشترك لكل من القاصرين الاثني عشر تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بهم.

ضحايا وليسوا جناة

وكدليل إضافي على السيطرة التي كان يمارسها المتهمون على ضحاياهم، لم يحضر أي من القاصرين المغاربة الاثني عشر -من إجمالي 17 ضحية- للإدلاء بشهادته خوفاً من الانتقام.

وتتذكر كاثرين ديلانوي داود بحسرة شهادة القاصر الذي كانت تدافع عنه وعمره آنذاك لم يتعدّ 13 عاماً بقولها: "من حسن حظه أن سبق وطلب المساعدة والحماية من طرف السلطات قبل إلقاء القبض على الجناة، فوُضع في نزل للأطفال القاصرين في قرية بعيدة عن باريس".

وتستدرك: "لكن عاد القدر وأدار ظهره له عندما قرر المسؤولون عن النزل استضافة أطفال المنطقة فقط، فاضطر إلى الهرب من جديد والوقوع في يد سلسلة جديدة من المتاجرين في البشر بنواحي مدينة مرسيليا، ولحد الساعة لا يعلم أن الجناة سيمضون مدة طويلة في السجن".

ورغم أن الحكم الصادر "غير نهائي وقابل للاستئناف" بحسب المحامية سولين ديباري، "إلّا أنه يشكل علامة فارقة، وهي المرة الأولى التي يُعترف بهؤلاء القاصرين كضحايا ولا يُدانون باعتبارهم جناة".

وتوضح ديباري في حديثها مع TRT عربي أنه لا يزال هناك أمور كثيرة يتعين القيام بها في مجال الرعاية الأولية والنهائية لهؤلاء الأطفال، مثل الرعاية الكافية لعلاج إدمانهم.

زيادة في عدد المهاجرين القاصرين

ولكي يعتبر المهاجر قاصراً في نظر قانون اللجوء الفرنسي، يجب أن يكون عمره أقل من 18 عاماً، وأن يكون حاملاً لجنسية أجنبية، ووصل إلى فرنسا من دون أن يكون مصحوباً بشخص بالغ (صاحب السلطة الأبوية أو الممثل القانوني)، وبالتالي لا يمكن ترحيله، ويُعفى من تصريح الإقامة، ويبقى في وضع قانوني حتى بلوغه سن الرشد ويحق له الاستفادة من الحماية والرعاية الفرنسية.

وللتحقق من العمر، تجري جمعية "المساعدة الاجتماعية للأطفال" أو "جهاز تقييم الأطفال القاصرين الأجانب" مقابلات لتعلن عن قرارها في ظرف خمسة أيام، وأحياناً يُعتمد على آلية فحص العظام بأمر من المحكمة الذي من الممكن أن يرفضه القاصر.

لكن وفي تقرير صدر في 30 يناير/كانون الثاني، استنكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية التقييمات "السريعة" التي غالباً ما لا يفهمها القاصر الأجنبي بشكل جيد، ولا تأخذ في الاعتبار "الإجهاد اللاحق للصدمة" الذي يؤثر في "الأغلبية الساحقة" من هؤلاء الشباب الذين "عانوا في كثير من الأحيان سوء المعاملة في ليبيا، قبل عبور البحر الأبيض المتوسط ​​المحفوف بالمخاطر".

وتؤكد المنظمة أن "هذه القرارات ملغاة لنحو 75% ممن يتقدمون بالاستئناف" أمام القضاة، لكن "دراسة الطعون من المحاكم يمكن أن تستغرق أشهراً أو حتى سنوات"، وخلال هذه الفترة يُحرم من "السكن والخدمات الطارئة مثل المساعدة القانونية وتعيين وصي والحماية الصحية الشاملة والتعليم".

وتوضح رايتس ووتش أنه "في غضون 48 ساعة بعد تحديد عمر غير مناسب، يُطرد الأطفال الذين يعتبرون بالغين من أماكن الإقامة الطارئة".

ولهذا تدعو المحامية سولين ديباري إلى "ضرورة وضع نص محدد لحمايتهم، وخصوصاً ضحايا الشبكات المفترسة، لأنه لا توجد قوانين محددة لحماية القاصرين غير المصحوبين بذويهم، وإنما تنطبق عليهم جميع القواعد القانونية الناشئة عن القانون المدني وقانون الإجراءات المدنية وقانون العدالة الجنائية للأحداث".

وفي عام 2022، استقبلت فرنسا 14 ألفاً و769 قاصراً غير مصحوبين بذويهم، وفقاً لأرقام وزارة العدل، التي صدرت في تقرير قدم في 8 سبتمبر/كانون الأول من 2023، أي أكثر بثلاث مرات مما كانت عليه قبل ثماني سنوات.

ويبلغ الأولاد منهم 93%، وتتراوح أعمارهم في أغلب الأحيان بين 15 و17 عاماً، أما البلدان الأصلية الثلاثة الرئيسية لهؤلاء الشباب فهي ساحل العاج وغينيا وتونس.

نسبة قليلة تقع في المشكلات

ويبدو أن نسبة كبيرة منهم لا تقع في مشكلات مع العدالة الفرنسية، وفق الأبحاث التي أجراها عالم الاجتماع المتخصص في قضايا هجرة القاصرين والاتجار بالبشر أوليفييه بيروكس.

ويقول بيروكس لـTRT عربي إن "نحو 10% من المهاجرين القاصرين فقط لديهم مشكلات مع العدالة، وبالتالي 90% من الحالات يندمجون بشكل مثالي".

وعن أسباب ركوبهم قوارب الموت والمخاطرة بحياتهم، يبين أنه "في معظم الأوقات، يهاجرون من بلدانهم الأصل بقرار فردي ومن دون علم أولياء أمورهم، هرباً من الفقر وبحثاً عن حياة أفضل، تغذيها الصور المسرحية للنجاح الاجتماعي والمادي الذي يصوره أصدقاؤهم الذين وصلوا بالفعل إلى أوروبا".

وبالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، "يفرّ البعض من تبعات التفكك الأسري أو النزاعات العرقية والحروب والزواج القسري للفتيات"، كما يقول غيوم لاردنشيت، مدير جمعية (Hors la rue)، التي توفر المأوى للقاصرين المشردين غير المصحوبين بذويهم، والتي قررت لأول مرة في تاريخها أن تصبح طرفاً مدنياً خلال "محاكمة تروكاديرو".

وفي حديثه مع TRT عربي، يعرب لاردنشيت عن حسرته على "حال القاصرين الذين يرفضون البقاء في السكن الذي توفره الجمعيات أو الجهات الرسمية ويفضلون حياة الشارع، لأنهم يريدون إكمال الطريق إلى إنجلترا، أو للحصول على المال أو تناول المخدرات في حال كانوا مدمنين".

ومنذ عام 2013، وكجزء من مهمة حماية الطفل، كانت الإدارات مسؤولة عن استقبال وتقييم وإيواء ورعاية القاصرين الأجانب غير المصحوبين، وفي الأشهر الأخيرة أعلنت إدارات عدة في مواجهة تدفق القاصرين غير المصحوبين، وضع حد أقصى أو حتى تعليق استقبالهم.

TRT عربي