غزة.. اقتحام مشفى كمال عدوان ووفاة مريض بسبب احتجاز عاملين صحيين / صورة: AA (AA)
تابعنا

يجلس عبد الرحمن بشير (35 عاماً) إلى جوار فريقه التابع لجميعة الهلال الأحمر الفلسطيني، في مستشفى شهداء الأقصى.

اتخذ هؤلاء من المستشفى مركزاً لهم في فترة انقطاع الاتصالات، ينتظرون فيه أي إشارة أو دليل على الحاجة إليهم، بفضل المدنيين الذين يفدون إلى المستشفى مشياً أو عبر سيارات مدنية يحملون داخلها المصابين.

وعن آلية العمل المتَّبَعة في عملهم خلال أزمة الاتصالات، يقول عبد الرحمن لـTRT عربي، إنهم يعتمدون أساساً على الواقع الميداني، ويرصدون بالعين المجردة الغبار المنبعث من موقع جرى استهدافه.

بعدها يتوجهون إلى المكان، كما يعتمدون على معلومات تأتيهم من سكان القطاع القادمين إلى المستشفى، فينتقلون سريعاً إلى موقع القصف.

عمل في "ظلام" الاتصالات

يقطع الاحتلال الإسرائيلي الاتصالات لأيّام عن أهالي قطاع غزة، وبلغ هذا ثماني مرّات في فترات مختلفة منذ بدء الحرب وإلى يوم 27 ديسمبر/كانون الأول، وهي تعد أزمةً تعصف بكل القطاعات العاملة خلال الحرب، ومنها خدمة الإسعاف والطوارئ.

ويُعدّ المسعفون من أكثر الفئات التي تواجه خطراً في كل عمل ميداني خلال الحرب المستمرة على القطاع.

ويعمّق من مصاعب ظروف عملهم انقطاع شبكة الاتصالات، خصوصاً أنهم يعتمدون بشكل كبير على الاتصالات التي تصل إليهم من المواطنين، عبر الرقم الوطني (101).

ويبيّن عبد الرحمن أن المصابين في سيارة مدنيّة غير مزودة بأيٍّ من أدوات الإسعاف الأولية، يضاعف من حالة المصاب، وقد يفقد حياته قبل الوصول إلى المستشفى.

ويؤكد المتطوع في الهلال الأحمر أن سيارة الإسعاف تقدّم الرعاية العاجلة لمصابين كُثر، وقد يُحدث غياب الاتصالات الفرق.

ويلفت إلى أن "سرعة الاستجابة خلال عمل شبكة الاتصالات لا تتجاوز 5 دقائق، لكن مع أزمة الاتصالات تكون الاستجابة بعد نصف ساعة على الأقل، وهو ما يؤثر بشكل كبير في حالة المصابين والجرحى".

من جهته يقول صلاح أبو غفري، الذي يعمل في وحدة الإسعاف والطوارئ التابعة للخدمات الطبية، إن "البروتوكول المتّبع لعملية إجلاء المصابين اختلف اليوم في الحالة الفلسطينية، وتحديداً في قطاع غزة".

ويوضّح في حديثه مع TRT عربي، أنهم يلجؤون إلى انتظار مصاب يأتي عبر عربة أو سيارة مدنيّة إلى المشفى ويخبرهم مرافقوه عن موقع الاستهداف، حتى بات تمركزهم داخل المشافي واقعاً مفروضاً، فلا توجد وسيلة أخرى.

ويعلّق أبو غفري على عملية النقل، قائلاً إنه عندما يُنقَل مصاب في سيارة أو عربة غير مهيَّأة لا تحتوي أيّ إسعافات أولية، تحدث مضاعفات بسبب عدم إجلاء المصاب بالطريقة الصحيحة التي تحافظ على حياته.

عرقلة العمل الإنساني

كثيرة هي التحديات التي تحيط خدمة الإسعاف في غزة، أوّلها الاستهداف المباشر والمتعمَّد لسيارات الإسعاف والمسعفين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، وليس آخرها أزمة الاتصالات.

ويقول عبد الرحمن بشير، المتطوع في الهلال الأحمر منذ عام 2009، إنه لا يتوانى لحظة واحدة عن تقديم أي خدمة للأهالي، حتى في أوقات إجازته.

ويضيف أن "مساعدة الناس والاستجابة لهم أمانة وعملهم خدمة إنسانية، لا يستطيعون الجلوس والارتياح فيما يحتاج إليهم الناس".

ويتابع: "لم نَعِشْ ظروف هذه الحرب من قبل، عايشت الحروب التي اندلعت في غزة منذ 2012، وعملت خلالها مسعفاً، لكننا نعيش اليوم حرباً شرسة لا تفرّق بين أي شخص".

ويرى عبد الرحمن أنّ "كل المواطنين في غزة هدفٌ للجيش الإسرائيلي، سواء أكانوا صحافيين أو طواقم طبية، أو مسعفين، وحتى طواقم الدفاع المدني، وقد تعمّد الجيش الإسرائيلي استهدافهم".

ويبيّن أنّ "الازدحام الكبير الذي تشهده مناطق في غزة نتيجة نزوح مئات الآلاف من مناطق شمال القطاع إلى جنوبه، واستهداف الشوارع الرئيسية والفرعيّة، يعرقل عملية الوصول إلى المصابين".

ويواجه المسعفون جملة عراقيل تقف عائقاً أمام الاستمرار في عملهم الإنساني، إذ يعانون من شحّ الإمكانات، لا سيما النقص الحاد في الأدوات الطبية والكوادر العاملة في الإسعاف، وقد فقَد الكثير من المسعفين حياتهم نتيجة القصف المباشر.

وتعاني كذلك فِرق الإسعاف النقص في سيارات الإسعاف، إذ استهدف الجيش الإسرائيلي في القطاع منذ بدء الحرب ما لا يقلّ عن 102 سيارة إسعاف، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

ويزداد الأمر خطورة في مناطق شمال القطاع، خصوصاً أنها تواجه نقصاً حاداً في سيارات الإسعاف والمسعفين.

وباتت خدمة الإسعاف شبه متوقفة عن العمل نتيجة عمليات القصف التي طالت المنطقة إلى جانب نفاد الوقود.

ويركز الجيش الإسرائيلي خلال عملياته على استهداف المربعات والأحياء السكنية بالكامل، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أعداد الضحايا ومن بينهم طواقم طبية ومسعفون.

وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في تصريح مقتضب في 23 ديسمبر/كانون الأول أن قوات الاحتلال قتلت 300 عنصر من طواقمها، ودمّرت 100 سيارة إسعاف تابعة لها منذ بدء الحرب على غزة .

لا مكان للراحة في الحرب

ويقول يوسف الهندي، العامل في مجال الإسعاف منذ 10 سنوات، إن "الرّاحة في الحرب من الرفاهية"، لافتاً إلى أنّ العمليات التي تستهدفهم كثيرة، وعدد الطواقم أقلّ من الأحداث الميدانية التي تتطلب طواقم أكثر.

ويوضح في حديثه مع TRT عربي، ظروف عملهم قائلاً: "نعمل على مدار الساعة، ومن أكثر المخاطر التي تواجهنا خلال عملنا، أن المنازل التي تُقصف قبل توجّهنا إليها، يجدّد الجيش الإسرائيلي غاراته عليها، حتى في أثناء عمليات إجلاء الجرحى والمصابين".

ويضاف إلى هذا، وفق الهندي، أن "الخطر حاضرٌ في أثناء مهمتنا؛ من انهيار البيوت المتضرّرة المجاورة، إلى الانفجارات المحتمَلة لأنابيب الغاز الموجودة في المنازل".

وينقطع المسعفون كلياً عن أسرهم، ويقول عبد الرحمن بشير عن هذا الوضع وهو يقلّب صور أولاده على هاتفه المحمول: "أشتاق لأمي وزوجتي وأبنائي".

ويشير إلى أنّه يزور عائلته مرّتين خلال الأسبوع وتكون الزيارة خلسة، كما أن التواصل بينهم محدود مع ضعف شبكات الاتصالات، ويعتمد أبناؤه للتواصل معه على الرسائل النصية التي تصل بعد فترة زمنية.

مواقف لا تُنسى

إلى جانب المتاعب التي يعيشونها في عملهم اليومي، وخسارة زملاء لهم، يعاني المسعفون في حياتهم اليوميّة أيضاً، حيث يتذكّر المسعف يوسف الهندي موقفاً واجههم خلال الحرب، عندما كانوا في مخيم الشاطئ في مهمة عاجلة لإنقاذ المصابين.

ويلفت إلى أنهم استُهدفوا، وأنّ قصفاً إسرائيلياً مباشراً باغتهم، فأُصيب زميله في قدمه وظهره، أما هو فتأثرت حاسّة سمعه نتيجة دويّ الانفجار.

أمّا المسعف أحمد أبو الفول، العامل في الهلال الأحمر الفلسطيني، فإنه فقد أبناءه الخمسة ووالده وأسرة أخيه، بعد قصف منزلهم في شمال قطاع غزة الذي كان يؤوي 80 شخصاً.

ويضيف أبو الفول لـTRT عربي، أن تدمير بيتهم أدّى إلى استشهاد 50 منهم، وأنَّ "الأكثر وجعاً وإيلاماً أن أسرته لا تزال تحت الأنقاض ولا يستطيعون انتشالهم، بسبب وجود جيش الاحتلال في المنطقة، الذي يطلق النار على كل من يتحرك".

ويلفت أبو الفول إلى أنه حاول الوصول إلى المكان، لكنّ الجيش الإسرائيليّ أطلق النار عليه بشكل مباشر، ما أدى إلى انسحابه من المكان، آملاً أن يجري التوصل إلى هدنة حتى يستطيع دفن عائلته.

TRT عربي
الأكثر تداولاً