تابعنا
شكلت استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في 26 فبراير/شباط الماضي مفاجأة للشارع الفلسطيني، في ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة للشهر السادس على التوالي، وحالة الانسداد في الأُفق السياسي.

وجاء في نص إعلان استقالة اشتية وحكومته أن "هذا القرار يأتي في ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على أهلنا في قطاع غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس".

وفي أعقاب هذا الإعلان، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبول استقالة اشتية وحكومته وتكليفها تسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة للسلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة دون أن يُكشف عن طبيعة الحكومة المنتظر تشكيلها.

وتزامنت هذه الاستقالة مع انتقادات واسعة للسلطة الفلسطينية خلال الفترة الماضية لا سيما في أعقاب حرب غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما أظهرته نتائج استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث والسياسات المسحية" في رام الله أن ما يقرب 70% من الفلسطينيين طالبوا بحل السلطة الفلسطينية، كما رأى 90% من الفلسطينيين أن الرئيس عباس يجب أن يستقيل.

علاوةً على ذلك، واجهت حكومة اشتية المستقيلة أزمات عدّة طوال فترة عملها كان أبرزها جائحة كورونا وملف مقتل المعارض السياسي نزار بنات إلى جانب تأجيل انتخابات المجلس التشريعي عام 2021 وعدم إجرائها، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها وعدم تمكنها من صرف الرواتب بشكلٍ كامل منذ أكثر من عامين تقريباً.

وحظي قرار استقالة الحكومة بترحيب أمريكي وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي: "نرحب بخطوات السلطة الفلسطينية لإصلاح نفسها، ونعتقد أن هذه الخطوات مهمة لإعادة توحيد الضفة الغربية والقطاع تحت قيادتها".

في موسكو.. حوار للوصول إلى "وحدة وطنية"

وفي 29 فبراير/شباط الماضي اجتمعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة الروسية موسكو بدعوة من وزارة الخارجية لمناقشة المشهد الفلسطيني الداخلي، لا سيما بين حركتي فتح وحماس، بالإضافة إلى عدد من الفصائل الفلسطينية مثل الجهاد الإسلامي وفصائل منظمة التحرير.

واستمرت الاجتماعات لمدة يومين كاملين لم يسبقها إفصاح عن الأجندة الخاصة بتفاصيل اللقاء.

في أعقاب الاجتماع توافقت الفصائل الفلسطينية على بيان ختامي لهذه اللقاءات التي شهدت حضور شخصيات فلسطينية قيادية بارزة، وتضمن البيان الختامي تأكيد التصدي للعدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية ومقاومة ووقف وإفشال محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، خصوصاً في قطاع غزة أو في الضفة الغربية بما فيها القدس، وتأكيد عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني وفقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

ملف الحكومة غائب عن لقاءات موسكو؟

من جانبه، يؤكد الأمين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي أن ملف تشكيل حكومة وحدة وطنية أو تكنوقراط لم يكن حاضراً في اللقاءات التي جرت في العاصمة الروسية موسكو.

ويقول البرغوثي في تصريحات خاصة لـTRT عربي إن الملف رغم غيابه عن لقاءات موسكو الأخيرة سيكون محط نقاش في اللقاءات التي ستعقد بين الفصائل الفلسطينية خلال الفترة المقبلة.

ويشدد على أن المطلوب تشكيل حكومة توافقية مؤقتة تتولى إدارة الشأن العام وتكون لفترة مؤقتة تعمل من خلالها على تهيئة المشهد العام لإجراء انتخابات شاملة.

ويلفت إلى الحاجة إلى تشكيل حكومة توافقية خلال الفترة المقبلة تتولى إدارة الشأن العام الفلسطيني وتحبط مخططات نتنياهو بشأن فصل غزة عن الضفة والقدس.

ويرى البرغوثي الذي يشغل منصب الأمين العام للمبادرة الوطنية أن المشهد الفلسطيني يحتاج إلى توافق داخلي على تشكيل حكومة جديدة تدير الحالة الفلسطينية ككل لفترة مؤقتة.

ما شكل الحكومة الفلسطينية المقبلة؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد عطاونة أنه "لا مؤشرات جادة على الرغبة في تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط مرتبطة بالتوافق الفلسطيني خلال الفترة المقبلة".

ويقول عطاونة لـTRT عربي إن "هذه الاستقالة غير منسجمة كذلك مع المتطلبات الدولية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة من الإدارة الأمريكية التي تتحدث عن إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وتحديثها".

ويؤكد أن الرئيس الفلسطيني وجسم السلطة الفلسطينية على قناعة أنه "لا يمكن تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية بمعزل عن فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما يجعل الاستقالة تأتي في سياقات مختلفة".

ووفق عطاونة، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من وراء هذه الاستقالة "أراد إرسال رسائل تتضمن جاهزيته للتعديل والإصلاح في جسم السلطة الفلسطينية، إضافة إلى رسالة للمحيط العربي التي تتحرك في الملف الفلسطيني بأنه منفتح على تشكيل حكومة جديدة توافقية مع الفصائل في أي وقت.

ويستبعد أن تؤثر خطوة قبول استقالة الحكومة التي يترأسها اشتية في أي صيغة توافقية مستقبلية بتشكيل حكومة تكنوقراط أو إجراء تغييرات في جسم السلطة الفلسطينية، على اعتبار أن القوى الخارجية المتمثلة في بعض الدول أو الداخلية المتمثلة في الفصائل تدرك أن ما يجري حالياً هي خطوة شكلية في ظل غياب التوافق حولها.

تاريخياً.. كم حكومة شكلتها السلطة الفلسطينية؟

منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 شُكلت 18 حكومة تولى قيادتها 7 شخصيات فلسطينية فقط، أبرزهم الرئيس والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي تولى قيادة أوّل خمس حكومات فلسطينية ابتداءً من 20 مايو/أيار 1994 إلى 30 أبريل/نيسان 2002.

وتبع ذلك الحكومة التي ترأسها الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، وتسلّم نهاية أبريل/نيسان 2003 رئاسة الحكومة الفلسطينية السادسة، غير أنّ هذه الحكومة لم تستمرّ لأكثر من ستة أشهر، إذ أعلن عباس استقالته بسبب الخلاف الذي ظهر للعلن مع عرفات.

بعد استقالة الرئيس الفلسطيني عباس اختار عرفات أحمد قريع ليقود الحكومة الفلسطينية السابعة، غير أنّ هذه الحكومة لم تستمرّ أكثر من 35 يوماً ثم عاد قريع ليُشكّل الحكومة الثامنة التي استمرّت لنحو 15 شهراً.

وفي 24 فبراير/شباط 2005 ترأس أحمد قريع للمرّة الثالثة الحكومة الفلسطينية التي حملت رقم تسعة هذه المرّة، واستمرّ في منصبه إلى 27 مارس/آذار 2006، مُفسحاً المجال للحكومة الجديدة بعد إجراء انتخابات المجلس التشريعي للمرّة الثانية.

وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية في يناير/كانون الثاني عام 2006 وحصولها على 76 مقعداً من أصل 132 هي مقاعد المجلس التشريعي، بدأت حكومة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عملها في 27 مارس/آذار 2006، واستمرت حتى 17 مارس/آذار 2007، وقاد معظم وزاراتها قيادات في حركة حماس أو مقرّبين منها.

وفي 17 مارس/آذار 2007 شُكلت الحكومة الفلسطينية الحادية عشرة (حكومة الوحدة الوطنية)، قادها إسماعيل هنية وبعد ثلاثة أشهر على تشكيل هذه الحكومة، أقال الرئيس محمود عباس حكومة هنية في 14 يونيو/حزيران، وأعلن حالة الطوارئ في أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أحداث الانقسام.

وفي عام 2007، كلّف عباس سلام فياض تشكيل حكومة تنفذ حالة الطوارئ، استمرّت حتى 19 مايو/أيار 2009، وأعاد فياض تشكيل الحكومة الثالثة عشرة والتي استمرّت حتى منتصف 2012، ثم شكّل بعد ذلك الحكومة الرابعة عشرة واحتفظ فيها بحقيبة المالية، إلى أن قدّم استقالته بشكل مفاجئ دون الإعلان عن الأسباب في منتصف 2013.

ثم جاءت حكومة رامي الحمد الله التي كانت الحكومة الخامسة عشرة لنحو ثلاثة أشهر، ثم شكّل مرة أخرى الحكومة السادسة عشرة في يونيو/حزيران 2014، وقاد الحمد الله (حكومة الوفاق الوطني) في الثاني من يونيو/حزيران 2014، التي جاءت تنفيذاً لاتفاق مخيم الشاطئ بعد مشاورات فصائلية، وبعد سبع سنوات من الانقسام، وبعد فشل محاولات لرأب الصدع.

وفي 10 مارس/آذار 2019 كلف الرئيس عباس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية تشكيل حكومة جديدة، لتكون خلفاً لحكومة الحمد الله، ليشكل معها الحكومة التي استمرت في عملها لنحو 5 سنوات إلى أن قدمت استقالتها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً