تابعنا
حسب المرصد الأورومتوسطى فإن الفترة منذ بداية العدوان الإسرائيلي حتى 8 نوفمبر/تشرين الثاني شهدت توثيق وفاة ما لا يقل عن 12 مريضاً بالسرطان في قطاع غزة، في ظل إغلاق مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني، الوحيد المتخصص لعلاج مرضى السرطان.

داخل أحد الفصول الدراسية في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) يغلب التعب والإرهاق على النازحة الفلسطينية ألفت زنون التي تعاني من مرض السرطان ومن نزيف دم متكرر، يجعلها بحاجة ماسة إلى تلقي العلاج.

انتقلت ألفت مع عائلتها بعد نزوحها إلى مدرسة موجودة في محافظة رفح بعد تعرّض منزلها للاستهداف الإسرائيلي بالقصف الجوي خلال الحرب المستمرة في القطاع للشهر الثاني على التوالي، ما يعزز صعوبة الواقع المعيشي بالنسبة إليها.

وتشكو السيدة لـTRT عربي حالها بقولها: "اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة واستمرارها يحولان دون تحويلي إلى مشافي الضفة الغربية المحتلة أو تلك الموجودة في الأراضي المحتلة عام 1948".

ورغم ظروف المرض التي تعيشها ألفت، فإنها تواصل رعاية أطفالها وأفراد عائلتها المكونة من 6 أفراد، ضمنهم طفلها الرضيع، وهو ما يفاقم التعب عليها مع احتياجها إلى رعاية طبية خاصة وأنها توجد في مركز للإيواء.

"موت بطيء"

وتمتلئ مراكز الإيواء الذي تزدحم بمئات الأُسر النازحة التي تركت منازلها وذهبت نحو المدارس التابعة لوكالة أونروا، اعتقاداً منها أن هذه المراكز أكثر أماناً من بقية المناطق في القطاع الذي يرزح تحت الحصار الإسرائيلي.

في السياق، تقول ألفت إنّ ما تمرّ به هو أشبه بحالة "الموت البطيء"، نتيجة عدم حصولها على العلاج اللازم أو نقلها حتى للحصول على جرعات العلاج في أي من المشافي الفلسطينية أو الإسرائيلية أو حتى في الخارج.

وتطالب المريضة الفلسطينية المؤسسات الصحية الدولية والأممية بالتدخل من أجل إنقاذ حياة عشرات المرضى المصابين بالسرطان في القطاع، وتوفير العلاج لهم سواء داخل القطاع أو من خلال نقلهم لتلقي العلاج في الخارج.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلن وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه، والمتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كجه لي، أن ما يقرب من 200 شخص جرى إجلاؤهم من قطاع غزة، من بينهم عشرات سيتلقون الرعاية الطبية.

وذكر قوجه أن 61 مريضاً يصحبهم 49 من أقاربهم وصلوا إلى العاصمة أنقرة بعد مغادرتهم من قطاع غزة إلى مصر، مشيراً إلى أن أنقرة تريد إدخال أكبر عدد ممكن من نحو ألف مريض بالسرطان من قطاع غزة إلى تركيا.

معاناة مزدوجة

أما الفلسطيني محمد قدوحة، من حي الكرامة شمال غربي مدينة غزة، فيعيش هو الآخر معاناة مزدوجة إلى جانب نزوحه من منطقة سكنه التي دمرها الاحتلال بشكلٍ كامل في بداية الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ونزح قدوحة إلى مدينة رفح جنوب القطاع مع أفراد عائلته حيث لديه اثنتان من بناته، إحداهن مصابة بالسرطان وأخرى تعاني من أزمة تنفسية، وهو ما يزيد الضغط عليه، خصوصاً مع المعاناة الشديدة في مدارس الإيواء وافتقارها إلى كثير من الخدمات الصحية.

ويقول قدوحة لـTRT عربي: "أواجه معضلة يومية تتمثل في علاج ابنتي المصابة بالسرطان وشقيقتها الأخرى، في ضوء توقف المستشفى التركي بشكلٍ كامل جرّاء الحرب الإسرائيلية والأحداث التي رافقتها من عملية برية".

ويضيف أن أكثر ما يجري توفيره لابنته حالياً هو المسكن فقط من دون أن يتمكن من توفير العلاج، خصوصاً مع إغلاق المعابر الحدودية منذ أكثر من شهر، والقيود المفروضة على حركة السفر عبر معبر رفح البري مع مصر.

ويطالب قدوحة بتدخل المؤسسات الدولية الصحية لإنقاذ المرضى المصابين بالسرطان، والعمل على توفير العلاج الخاص بهم داخل القطاع خلال الفترة المقبلة وإنقاذ حياتهم، خصوصاً أن مرضى السرطان يحتاجون إلى تلقي العلاج بشكلٍ شبه أسبوعي، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

وكان المستشفى التركي الذي أنشأته الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) يضم 80 مريضاً يتلقون العلاج من السرطان، إلّا أن نقص إمدادات الأدوية عطّل علاج المرضى بشكل خطير إلى أن توقفت بشكلٍ كامل نتيجة للحرب الإسرائيلية على غزة.

وتسبب هذا الأمر في أزمات صحية قاسية للمرضى الفلسطينيين نتيجة غياب العلاج، فضلاً عن إغلاق المعابر الحدودية واستحالة السفر لتلقي العلاج في الخارج، إلى جانب تعرض منازل المرضى للقصف في بعض الأحيان بسبب شدة العدوان الإسرائيلي على المنازل والأحياء.

انهيار الواقع الصحي

وحسب المرصد الأورومتوسطى فإن الفترة منذ بداية العدوان الإسرائيلي حتى 8 نوفمبر/تشرين الثاني شهدت توثيق وفاة ما لا يقل عن 12 مريضاً بالسرطان في قطاع غزة، في ظل إغلاق مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني الوحيد المتخصص لعلاج مرضى السرطان منذ أكثر من 10 أيام، وعدم توفر الرعاية اللازمة لهم في بقية المستشفيات.

ووفق المرصد فإنّ تفاقم تدهور الأوضاع الصحية للمرضى يأتي في وقت تتجاوز فيه نسبة شَغل المستشفيات في القطاع أكثر من 200%، إذ إن مجمع الشفاء الطبي الأكبر في القطاع وصل عدد المرضى فيه إلى 5 آلاف مريض، رغم أنه مخصص لاستقبال 700 مريض فقط.

ويؤكد رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبده، في حديثه مع TRT عربي، أن واقع المستشفيات بغزة منهار للغاية، في ضوء توقف كثير من المستشفيات عن العمل، مع بقاء مستشفيين فقط هما بالأساس عبارة عن مراكز صحية.

الصحة توضح

ووفق منظمة الصحة العالمية فإن عام 2022 شهد تشخيص إصابة 122 طفلاً في قطاع غزة بالسرطان، ومعظمهم بسرطان الدم تحديداً، ولكن هؤلاء الأطفال لا يتلقون إلا جزءاً من الرعاية اللازمة لهم داخل غزة بسبب الافتقار إلى بعض الخدمات الخاصة بمرضى السرطان، ومن ثم يحتاجون إلى الإحالة إلى المستشفيات في الضفة الغربية.

بدوره أكّد مدير عام مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني في قطاع غزة صبحي سكيك استشهاد عدد من مرضى السرطان نتيجة نقص الأدوية، خصوصاً أن المستشفى يعتبر المركز الوحيد الذي يعالج مرضى السرطان في غزة والبالغ عددهم 10 آلاف مريض.

ويقول سكيك لـTRT عربي إنّ الفترة التي تلت توقف المستشفى شهدت نقل عدد من المرضى من مستشفى الصداقة التركي-الفلسطيني إلى مستشفى دار السلام في خان يونس جنوبي القطاع، إلا أنه يعطي الخدمة الأساسية المتواضعة، لكن العلاجات الكيميائية التي يحتاج إليها مرضى كثر غير متوفرة في القطاع.

ووفق مدير المستشفى فإن "المريض إنْ لم يأخذ علاجه فهو أمام خيارين، إمّا أن ينتشر المرض بجسده وإمّا أن يلقى الموت المحتّم"، إذ شهدت الأسابيع الماضية وفاة 25 مريضاً من المصابين الذين كانوا في مستشفى الصداقة، جرّاء نقص الأدوية وعدم تلقي الرعاية الصحية المنضبطة، وفق سكيك.

ويضيف أن "مريض السرطان صار يفضّل الوفاة في خيمة النزوح برفقة عائلته على أن يبقى في المستشفى من دون أن يتلقى العلاج، وهو ما يتطلب من المنظمات الدولية والصحية الاهتمام باحتياجات مرضى السرطان، والتدخل لتوفير العلاجات لهم بشتى السبل".

وأكدت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، في تصريح سابق، أن مرضى السرطان في قطاع غزة يعيشون ظروفاً صحية كارثية بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع ونزوح عدد كبير.

TRT عربي
الأكثر تداولاً