قوة الديمقراطية التركية تتجلى في نتائج الانتخابات المحلية / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

مع تسمية عام 2024 بعام الانتخابات في جميع أنحاء العالم، اختتمت تركيا انتخابات رؤساء البلديات المحلية في ولاياتها البالغ عددها 81 ولاية، والتي تعتبر نتيجتها في حد ذاتها شهادة على التزام البلاد إجراء انتخابات حرة ونزيهة، كما يرى محللون.

وبينما يبدو أن حزب الشعب الجمهوري المعارض قد حقق مكاسب انتخابية، إذ تقدم في 15 من أصل 30 مدينة كبرى، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير، فإن التصويت يمثل الانتخابات التي تحتل المرتبة الثالثة في البلاد، والتي يقول العديد من الخبراء إنها تساعد الأحزاب السياسية على قياس الرأي المحلي.،ولكنها في الوقت ذاته لا تغير من التشكيلات السياسية القائمة في البلاد.

احتفالية ديمقراطية

ووفقاً للمحلل السياسي التركي أونور إريم، فإن الانتخابات بشكل عام هي مناسبة احتفالية للأتراك، "إذ أصبحت تُجرى في أجواء آمنة للغاية مقارنة بالعقود التي سبقت صعود الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة".

وأضاف إريم: "لم يعد المواطنون يتعرضون لضغوط للتصويت لحزب أو آخر، بعد أوقات كان يحدد فيها تنظيم PKK الإرهابي (في بعض الولايات) نتيجة الانتخابات قبل 15 إلى 20 عاماً، وهذا ما لم يعد يحدث".

وبقراءة سريعة للنتائج الأولية للانتخابات، والتي تُظهر تقدم حزب الشعب الجمهوري بشكل كبير في المدن الكبرى، على الرغم من تقدم حزب العدالة والتنمية في 366 منطقة بينما يتخلف حزب الشعب الجمهوري عنه بـ 333 منطقة، فإن ذلك يدحض الروايات التي حاولت وسائل إعلام غربية رسمها وتسويقها بأن الانتخابات التركية فقدت مصداقيتها في ظل حكم أردوغان.

من جانبه يقول المحلل الإقليمي ومدير مركز البحوث في TRTWORLD طارق الشرقاوي: "إن هذه الانتخابات أثبتت خطأ كثير من الأشخاص المتخصصين في الشؤون التركية، والذين عادة ما يهاجمون تركيا ويصفونها بالسلطوية"

وأضاف الشرقاوي: "الرسالة الرئيسية التي أرسلت إلى الرأي العام الدولي أن تركيا دولة ديمقراطية نابضة بالحياة. ونسبة المشاركة في التصويت بلغت 70% وهي نسبة هائلة، بينما في أوروبا، لا تزيد نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية عن 30%".

وتابع: "ثانياً، ستبقى الأمور كالمعتاد، فالرئيس هنا ولديه رؤية المئوية للبلاد، المئوية التركية التي لا يزال العمل عليها سارياً"..

إنجازات رغم التحديات

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فاز أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه في الانتخابات الواحدة تلو الأخرى، إذ اكتسح المناطق والمدن والولايات على خلفية إرث أردوغان باعتباره رجل المهام الصعبة الذي استطاع تطوير إسطنبول بشكل هائل، عندما ذاع صيته لأول مرة كرئيس لبلدية المدينة في عام 1994.

وفي عام 2023، بعد أن تعرضت تركيا لزلازل مدمرة في فبراير/شباط، سارع النقاد إلى التشكيك في شعبية أردوغان، وطرحت الكثير من وسائل الإعلام الغربية فكرة مفادها أن إرث حزب العدالة والتنمية سوف يُدفن تحت الأنقاض. ولكن مرة أخرى، بعد ثلاثة أشهر، أثبت أردوغان خطأ المعارضين له من خلال تحقيق النصر في الانتخابات الرئاسية.

ومرة أخرى، قبل الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/آذار، روج منتقدو أردوغان لنفس الرواية المشككة، ملمحين إلى أن حزب الشعب الجمهوري وأحزاب المعارضة الأخرى محرومون من الحق في حشد مؤيديهم وهو ما ثبت زيفه بالواقع.

يذكر أن حزب العدالة والتنمية وحلفاءه يتمتعون بالأغلبية في البرلمان حتى عام 2028، وهو الموعد المتوقع لإجراء الانتخابات العامة المقبلة.

على المستوى الوطني، واجهت تركيا العديد من التحديات التي نجم معظمها بسبب الأزمات الأمنية والدبلوماسية التي ظهرت في المنطقة. فقد ضربت جائحة كوفيد-19 العالم كله بشدة، لكن الأمر كان بمثابة اختبار خاص لدول مثل تركيا، التي تستضيف ملايين السياح كل عام.

وفي أعقاب الوباء، سجل الاقتصاد التركي نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% في عام 2023 و5.5% في العام الذي سبقه. وكان هذا على الرغم من التداعيات العالمية للحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. إذ تعتبر تركيا مستورداً أساسياً للطاقة، ومعظم استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي يرجع إلى مدفوعات واردات الغاز والنفط.

انتخابات تركيا المحلية

بلغت نسبة إقبال الناخبين في هذه الانتخابات المحلية نحو 76%، وتقدم نحو 34 حزباً سياسياً بمرشحيه للمشاركة في الانتخابات.

وأنشأت السلطات أكثر من 206 آلاف مركز اقتراع في جميع أنحاء تركيا، بينما جرى نشر عشرات الآلاف من أفراد الأمن لضمان عدم وقوع أي حوادث تؤثر على سير الانتخابات. كما تنافس أكثر من 12 ألف مرشح على مقاعد البلديات والولايات.

وتتولى البلديات المحلية في تركيا مسؤولية مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وهو ما يشكل تحدياً لأي حزب سياسي يسعى إلى تلبية توقعات الناس.

لكن تبقى مسؤولية قضايا السياسة الرئيسية بما في ذلك الإدارة الاقتصادية والسياسة الخارجية على عاتق الحكومة التي يقودها أردوغان كرئيس للجمهورية.

ويوضح المحلل السياسي التركي أونور إريم أن "تفضيلات الناخبين لا تتغير خلال عام واحد، فقد اختار الناخبون الأتراك أردوغان رئيساً بشكل حاسم، ولا أعتقد أن الأغلبية قد فكرت على الإطلاق في تغيير أردوغان".

ويضيف إريم أن أردوغان "أحد أعظم السياسيين في عصرنا، ويتمتع بقدرة على التأمل الذاتي، سوف يبحث عن سبب حدوث ذلك. لماذا يرسل إليه الجمهور هذه الرسالة؟ وبعد ذلك سيبدأ غداً مباشرة في اتخاذ الإجراءات اللازمة".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً