تدريبات المستوطنين على الأسلحة (Others)
تابعنا

أزالت عملية "طوفان الأقصى" في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي نفَّذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مستوطنات غلاف غزة، الفارق الهش وغير الواضح بين المستوطنين وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بسبب حملات نشر السلاح والتجنيد التي أطلقها جيش الاحتلال في أوساط المستوطنين والتوجه إليهم للخدمة في المناطق التي يوجدون فيها داخل مستوطناتهم.

إضافةً إلى التوجهات العلنية والدعوات المتكررة التي أطلقها وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، إلى توزيع السلاح بكثافة وتسهيل عملية الحصول عليه، من عموم الإسرائيليين، والمستوطنين على وجه التحديد، الذين ينظر إليهم على أنهم "خط الدفاع الأول" عن أمن إسرائيل.

في افتتاحيتها بتاريخ 7 من يناير/كانون الثاني الماضي دعت صحيفة "هآرتس" إلى وقف "سباق التسلح" في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي نُشر فيها آلاف قطع السلاح وإعطاء تراخيص باقتناء وحمل السلاح لآلاف المستوطنين وتجنيدهم للخدمة إلى جانب قوات الجيش الرسمية في "المناطق القريبة من الفلسطينيين، الذين يعرفونهم ويكرهونهم" بقرار من قيادة المنطقة الوسطى، التي قررت أن توزّع سبعة آلاف قطعة سلاح من مخازن الجيش على مستوطنين أُدينوا بالعنف وارتكاب اعتداءات على الفلسطينيين، هذا بخلاف السلاح الذي وزّعته الشرطة، والسلاح الذي جرى اقتناؤه بشكل شخصي، وهو قرار اتضح بعد ثلاثة أشهر أنه "غير مسؤول ولا ينطوي على آليات رقابية أو عقوبات تجاه تجاوزات هؤلاء المستوطنين واستخدامهم العنيف لهذا السلاح"، وفق الصحيفة.

عشرون ثانية فقط للحصول على سلاح

بسبب الحرب على غزة، ازدادت المخاوف لدى منظومة الأمن الإسرائيلية، من تكرار ما حدث في غلاف غزة من هجوم على المستوطنات، في الضفة الغربية.

هذه المخاوف التي اتضح بعد ما يزيد على أربعة أشهر أنها غير حقيقية، وأن ظروف الضفة الغربية وانتشار جيش الاحتلال فيها وعدم وجود جماعات عسكرية منظمة وكبيرة، بل مجموعات صغيرة وفردية أو محلية، لم تمنع من استغلال هذه المخاوف من أجل نشر السلاح بكثافة في أوساط المستوطنين وتسهيل عملية الحصول عليه.

تحدثت تقارير إسرائيلية وغربية عن تقدم 250 ألف إسرائيلي للحصول على رخصة سلاح خلال شهرين من عملية "طوفان الأقصى"، وذكرت التقارير أن عملية الحصول على تصريح حمل سلاح تستغرق 20 ثانية فقط للمستوطنين.

موقع "كلكليست" الاقتصادي الإسرائيلي تساءل عن الهدف من وراء إغراق وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، دولة إسرائيل بالسلاح الذي بلغ الإقبال على اقتنائه أعداداً غير مسبوقة وصلت إلى ما بين 8 و10 آلاف طلب حصول على إذن حمل سلاح في اليوم، "وإلى مَن سيوجه هذا السلاح في اليوم التالي للحرب؟".

حركة "السلام الآن" الإسرائيلية كشفت في تقرير مفصل عن أن "قوات الجيش وزَّعت آلاف قطع السلاح داخل المستوطنات"، وأن رئيس مجلس المستوطنات "تفاخر بأنه اقتنى آلاف القطع ووزّعها على المستوطنين"، وذلك بالتزامن مع إقدام الشرطة على تسهيل الحصول على رخص حمل السلاح لمستوطنين "دون خبرة قتالية ممن يعتنقون آيديولوجيا متطرفة".

قلق دولي وعقوبات أمريكية

الازدياد المطرد في عدد المستوطنين الذين يحملون السلاح، الذي أدى إلى زيادة الاعتداءات العنيفة على الفلسطينيين، واستغلال مستوطنين مسلحين حالة الحرب في غزة لتنفيذ عمليات طرد جماعية، وفق ما كشف عنه تقرير منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، رفع وتيرة القلق الدولي من تحول هذه الممارسات إلى ظاهرة واسعة، تقود في النهاية إلى عمليات تهجير واسعة لقرى وتجمعات بدوية فلسطينية.

دفع هذا القلق المتصاعد من وصول مزيد من كميات السلاح إلى المستوطنات، وأن يُستخدم ضد الفلسطينيين، الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعليق صفقة لبيع 20 ألف قطعة سلاح خفيفة وكميات من الذخيرة عقدتها مؤخراً مع إسرائيل، وإعادة النظر في قرار إرسال شحنات سلاح جديدة "إلى أن تتلقى ضمانات كافية بأن لا تصل هذه الأسلحة إلى أيدي المستوطنين، وأن لا تُستخدم للاعتداء (من المستوطنين) على الفلسطينيين"، وهو ما اضطر إسرائيل إلى تقديم تعهد للولايات المتحدة بأن "هذه الأسلحة لن تصل إلى المستوطنات".

التحذيرات الأمريكية المتكررة من عنف المستوطنين، دفعت الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الإعلان في مطلع شهر فبراير/شباط الماضي عن "فرض رزمة عقوبات ضد مجموعة من المستوطنين"، وهو ما دفع بريطانيا إلى اتخاذ قرار مماثل بتوقيع عقوبات على "مستوطنين مدانين بالعنف".

قرار هذه الدول أثار حفيظة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، اللذين رأيا أن الهدف من تسليح المستوطنين هو تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، وعدم تكرار "أحداث السابع من أكتوبر"، خصوصاً أنهما يعيشان في مستوطنات في الأراضي المحتلة، ويُعدّان من قادة المستوطنين وأبرز المحرضين على العنف واستهداف الفلسطينيين.

لم يتمكن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) من تجاهل خطورة عنف المستوطنين المتصاعد ضد الفلسطينيين، واتخذ قراراً بسحب "مجموعة من الأسلحة من أيدي المستوطنين" الذي يعيشون خارج المستوطنات في بيوت متنقلة على التلال ومزارع استيطانية استولوا عليها بشكل خاص.

قرار جهاز الشاباك، ورغم أنه محدود ويطول العشرات، فإنه لاقى معارضة 11 وزيراً وعضو كنيست من أحزاب اليمين بما فيها حزب الليكود الذي يرأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين وقَّعوا على عريضة احتجاج وجَّهوها إلى المدير العام لجهاز الشاباك، مطالبين بـ"إعادة السلاح إلى شبيبة التلال" لمواجهة "حرب الوجود" التي يخوضونها، وفق تعبير العريضة.

سلاح موجَّه إلى الفلسطينيين

شكّل السابع من أكتوبر/تشرين الأول فرصة ذهبية لليمين المتطرف والمستوطنين من أجل تنفيذ برنامجهم الآيديولوجي القائم على التطهير العرقي والطرد الذي تُرجم في عمليات واسعة من السيطرة على الأرض وطرد مئات الفلسطينيين في عشرات التجمعات السكانية في الضفة الغربية المحتلة.

كشفت صحيفة "هآرتس" عن أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 طُرد 12% من التجمعات البدوية من أماكن سكنها في الضفة الغربية، وأن معظم سكان الأغوار فرّوا من مساكنهم، وأن موجات هجرة واسعة حدثت في المناطق المعزولة والرعوية جراء اعتداءات المستوطنين.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أطلقت 30 منظمة حقوقية إسرائيلية نداءً عاجلاً نشرته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، للمجتمع الدولي من أجل "التصدي لعنف المستوطنين الذي يقودون إلى عمليات تهجير واقتلاع طالت 15 تجمعاً ضمّت 874 مواطناً فلسطينياً"، وهو ما عبّر عنه مقال رأي للحقوقي والناشط الإسرائيلي ضد الاحتلال تامي يكيريا في موقع "واي نت" الإسرائيلي، إذ رأى أن "عمليات التهجير التي ستقود إلى ترانسفير (نقل) جماعي ضد الفلسطينيين قد بدأت بشكل فعليّ"، متهماً وسائل الإعلام الرسمية بـ"تجاهلها" رغم أنها تحدث يومياً وعلى بُعد أمتار من المدن الإسرائيلية.

يكيريا لا يكتفي باتهام المستوطنين بتنفيذ "عمليات طرد وتطهير عرقي"، بل يرى أن هذا يحدث "باسم الإسرائيليين جميعاً وبدعم وغطاء من الجيش ومنظومة الأمن الإسرائيلية"، في ظل وفرة من السلاح وتفشي آيديولوجيا متطرفة وأجواء تعبئة خطيرة في ظل الحرب على غزة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً