تابعنا
تتضمن الخطة محاور رئيسية أبرزها استمرار السيطرة الأمنية على قطاع غزة إلى أجل غير مسمى، وتسليم الإدارة المدنية للقطاع إلى روابط محلية ليس لها علاقة بالمقاومة، والعمل على تغيير ثقافي وتعليمي بهدف "إزالة التطرف" حسب نتنياهو.

بعد مرور قرابة 140 يوماً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ملامح خطته لما بات يسمى بـ"اليوم التالي" للحرب على قطاع غزة، وهي الخطة التي لم تحمل جديداً عمّا روّج له طيلة شهور الحرب.

وتتضمن الخطة محاور رئيسية أبرزها استمرار السيطرة الأمنية على قطاع غزة إلى أجل غير مسمى، وتسليم الإدارة المدنية للقطاع إلى روابط محلية ليس لها علاقة بالمقاومة، والعمل على تغيير ثقافي وتعليمي بهدف "إزالة التطرف" حسب وصفه، فيما تستبعد الخطة أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة التي ستكون منزوعة تماماً من السلاح في حينه.

لا يبدو أنّ نتنياهو يدرك واقعية الخطة التي أشارت تقارير عبرية إلى أنّ نتنياهو حاول من خلالها إرضاء أعضاء اليمين المتطرف في حكومته، وكذلك التخلص من الضغوط الأمريكية التي دأبت على مطالبته بتقديم تصور إسرائيلي لما بعد الحرب.

الجهود الأمريكية والغربية لصياغة "اليوم التالي"

لا ينفصل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي خطة حكومته لما بعد الحرب عن التقارير التي أشارت إلى تكثيف الإدارة الأمريكية ضغوطها على الجانب الإسرائيلي في ما يتعلق بالحل مع الجانب الفلسطيني بعد الحرب، الذي سيكون وقف إطلاق النار بوابة له.

وتداولت الصحافة الأمريكية تقارير مختلفة إزاء خطة شاملة يعكف عليها البيت الأبيض مع عدد من دول المنطقة بشأن سلام طويل الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتضمن جدولاً زمنياً محدداً لإقامة دولة فلسطينية، مع تقديرات بأنّ إعلان الخطة سيكون خلال أسابيع قليلة، فيما أنّ إنجاز صفقة التبادل سيكون مفتاح إعلان الخطة حسب تلك التقارير.

وتزامنت تلك التقارير مع تصريحات للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، اقترح فيها تشكيل إدارة لما بعد الحرب بعيدة عن محمود عباس، كاشفاً عمّا وصفه بالخطط "السرية" التي يناقشها القادة العرب في ما يتعلق بغزة بعد الحرب في غزة، التي بموجبها سيتولى زعيم فلسطيني جديد مسؤولية غزة وكذلك الضفة الغربية.

وفي إطار ما سبق تسرّبت تقارير مختلفة خلال الأسابيع الماضية عن اجتماع سداسي عُقِد في السعودية ضم مسؤولين عن السلطة الفلسطينية وكذلك مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر بشأن مناقشة ما بعد الحرب على غزة وإدارة المشهد الفلسطيني.

تلك المعطيات كلها تشير إلى جهود تُبذل فعلياً لصياغة مخططات تتعلق باليوم التالي للحرب على غزة، ولا تترك هامشاً أمام عودة المشهد القائم قبل الحرب في ما يتعلق بالتراجع في حضور القضية الفلسطينية والتوجهات الإقليمية للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعيداً عن خطة السلام العربية التي كانت تقترح إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مقابل تطبيع عربي شامل مع "إسرائيل".

هذا التصاعد المتسارع المتعلق بحلول اليوم التالي، الذي ينسحب على القضية الفلسطينية برمّتها وليس على إيجاد حل موضعي فقط لعلاج تداعيات الحرب في غزة، جاء بعد أكثر من أربعة أشهُر أدرك فيها داعمو إسرائيل عجزها عن إنجاز الأهداف الرئيسية للحرب والمتمثلة في القضاء على حماس باعتبارها بنية تنظيمية وحكومية في قطاع غزة، وتدمير ترسانتها من السلاح، وكذلك القضاء على خطر الأنفاق.

لكنّ شهور الحرب لم تخلُ من إعلان واشنطن توجهاتها لما بعد الحرب، وإن لم تكن بالوضوح الحالي المتعلق بصياغة خطة شاملة للسلام، وقد كانت المخططات الأمريكية حينها تشير إلى أنّها في طور التبلور ولم تكن مقترحاً متماسكاً يمكن طرحه بشكل رسمي، إلا أنّ الخطوط العريضة للتصوّر الأمريكي بشأن اليوم التالي أظهرت محددات متعلقة بشكل السلطة الفلسطينية وشكل الضغط الدولي لإنفاذها في مواجهة تحديات الرفض الإسرائيلي.

وتقوم تلك المحددات على وجود "سلطة متجددة" تشمل تنازل الرئيس الفلسطيني عباس عن بعض سيطرته على السلطة، وإمكانية تعيين نائب له، مع تسليم صلاحيات تنفيذية أوسع لرئيس وزرائه، وإدخال شخصيات جديدة في قيادة المنظمة، وأن تكون الخطة الموعودة جزءاً من صفقة أوسع للتطبيع العربي مع إسرائيل، خصوصاً السعودية.

وتدور نقاشات بشأن وجود قوة دولية بمشاركة عربية لتوفير الأمن في غزة بعد الحرب، وهو ما شددت الدول العربية على رفضه، فيما لوّحت واشنطن ودول أخرى بأوراق ضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل التماهي مع ما يجري إعداده لمرحلة ما بعد الحرب، من خلال طرح إمكانية اعتراف أطراف دولية وبينها بريطانيا وأمريكا بالدولة الفلسطينية، وطلب بلينكن من مسؤولين في وزارته بحث إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين.

لماذا لن يُكتب لسيناريوهات "اليوم التالي" الأمريكية النجاح؟

على الرغم من التصريحات والتقارير المتعلقة برعاية البيت الأبيض خطة اليوم التالي المبنية على إقامة سلام شامل ومستدام في الأراضي الفلسطينية بعد الحرب على غزة، فإنّ واقع الحال قد لا يبعث على التفاؤل إزاء جدية واشنطن بشأن إيجاد حل سياسي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، بل إنّ تلك التصريحات تشير إلى أنّ تلك المساعي ترتبط بأهداف دعائية أكثر من كونها تدل على رغبة سياسية جادة لوضع حد للصراع وفقاً للشرعية الدولية.

هناك معطيات عديدة تدفع إلى الاعتقاد بعدم جدية الطرح الأمريكي بشأن خطة شاملة لليوم التالي للحرب تتضمن إقامة دولة فلسطينية، وأنّ طرح تلك المبادرات هو لأهداف دعائية بلا رصيد حقيقي على الأرض، ذلك لأنه وعلى مدار شهور الحرب أظهرت استطلاعات الرأي تراجعاً حاداً في شعبية الرئيس الأمريكي، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، مع تنامي الغضب في أوساط الجالية المسلمة والمؤيدين للقضية الفلسطينية، إضافة إلى القواعد الشابة في الحزب الديمقراطي، بسبب الدعم المطلق من قِبل الإدارة الأمريكية للحرب على غزة، وبالتالي فإنّ من شأن التلويح بوجود خطة للاعتراف بالدولة الفلسطينية استرضاء قطاع مهم من جمهور الناخبين الساخطين على بايدن بسبب الحرب على غزة.

كما أن الشواهد السياسية تشير إلى أن القضية الفلسطينية كانت بوابة واشنطن لتسكين الغضب الشعبي في المنطقة إزاء سياساتها وجرائمها في المنطقة، فخلال الحشد الأمريكي لضرب العراق إبان غزو الكويت عام 1990-1991 دفعت واشنطن الجانب الإسرائيلي كرهاً للدخول في مفاوضات مدريد للتفاوض على أساس حل القضية الفلسطينية.

وقد تكرر الأمر مجدداً بعد عقد ونيف، بعدما بدأت أمريكا التحضير لغزو العراق عام 2003، عندما دعا الرئيس الأمريكي عام 2002 إلى قيام دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، وبنى على هذه الدعوة خطة خريطة الطريق التي أقرت في أبريل/نيسان 2003، وتنص على قيام دولة فلسطينية في غضون عامين، وقد بدا أنّ السلوك الأمريكي يسعى إلى امتصاص حالة الغضب الشعبي في العالم العربي، وهو ما تكرره واشنطن اليوم من خلال التغطية على رفضها وقف إطلاق النار في غزة ودعم الجرائم الإسرائيلية في غزة من خلال الحديث العام عن دولة فلسطينية.

لكنّ الخطة الأمريكية تصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها المعاندة الإسرائيلية الفجة والواضحة في رفض أي دعوات لقيام دولة فلسطينية، وانخراط شخصيات إسرائيلية كان يعول عليها الجانب الأمريكي مثل بيني غانتس في منظومة الرفض الإسرائيلي لأي حل نهائي مع الجانب الفلسطيني، فيما يمكن الإشارة إلى أنّ السياسية الإسرائيلية كانت أكثر حكمة سابقاً من خلال القبول ثم المماطلة التي قذفت بأيّ مقترحات وخطط لحل دائم إلى مجاهل النسيان.

الجانب الميداني له الدور الأبرز في إفشال مخططات اليوم التالي، ذلك بعد عجز إسرائيل عن تحقيق هدفها المركزي المتعلق بالقضاء على حماس وقوتها العسكرية وكذلك بناها الحكومية، على الرغم من الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود، وبالتالي فإنّ الميدان يفرض جملة كبيرة من التحديات أمام الإدارة الأمريكية وحلفائها، خصوصاً إذا ما عمدت النقاشات المتعلقة باليوم التالي إلى تجاهل حقيقة بقاء قوة حماس العسكرية قائمة في غزة حتى وإن جرى إضعافها، إلا أنّ قدرتها على بسط السيطرة على غزة بعد الحرب ما زالت بعيدة عن أي شك، وعليه لا يتوقع أن تنجح أي مقترحات لشكل اليوم التالي دون موافقة وقبول حماس.

هناك تحديات أخرى متعلقة بمواقف دول الإقليم المنخرطة في الملف الفلسطيني، التي بدا أنّها ليست على رأي واحد في ما يتعلق بشكل اليوم التالي للحرب، ذلك أنّ بعضها قد يرى أن لا بديل عن السلطة الفلسطينية في إدارة المشهد بعد الحرب، فيما تشير تقارير إلى تأييد دول أخرى وجود تغيير في هيكلية السلطة يشمل تقليص صلاحيات الرئيس لصالح حكومة تكنوقراط، كما أنّ لبعض تلك الدول مواقف متناقضة إزاء حماس وشكل انخراطها في منظومة الحكم بعد الحرب.

أيضاً تجاوز قيادة السلطة الحالية قد يدفعها إلى التهديد بعرقلة أي مشاريع سياسية بعد الحرب، فعلى الرغم من كون السلطة الفلسطينية تمثل حالياً الحلقة الأضعف مبدئياً في دائرة النقاشات المتعلقة بإدارة المشهد الفلسطيني، فإنّه لا يبدو من السهولة إقصاء رموزها كلياً أو جزئياً في ظل تمسك رئيس السلطة محمود عباس بإدارة المشهد لأعوام قادمة، وتلويحه بشرعية منظمة التحرير.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً