تابعنا
قابل موقع TRT عربي سامي وحاوره في تجربته الشخصية بصفته صحفياً يؤمن بضرورة التغطية من قلب الحدث أُصيب خلالها زميله في العمل، وشاهداً على حرب غزة، وأباً لأربعة أطفال يكبرون بعيداً عنه.

توجَّه طاقم قناة TRT عربي، يوم الجمعة الموافق 12 أبريل/نيسان، إلى مخيم النصيرات لتغطية عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في المخيم، في منطقة مكشوفة وبعلامات واضحة تدل على طبيعة وهوية طاقم القناة الصحفية، بدأ مراسل القناة سامي برهوم، ومصورها سامي شحادة ممارسة عملهما.. دقائق فقط وعاجلتهم قذيفة إسرائيلية أدت إلى بتر قدم شحادة وإصابة برهوم إصابة طفيفة.

قبل ذلك بشهور وتحديداً يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سامي برهوم مراسل قناة TRT عربي في غزة يستكمل دورة تدريبية في مجال المراسلة الحربية مع وكالة الأناضول في العاصمة التركية أنقرة، عندما أطلقت كتائب القسام عملية "طوفان الأقصى"، ليحزم أغراضه عائداً إلى القطاع، بعد ساعات من الانتظار وتعقيدات في المطارات تخللها تفويت رحلة جوية، وصل سامي إلى معبر رفح ليكون آخر من يدخله من الجانب المصري بعد أن أُغلق بصورة مؤقتة لاندلاع الحرب في غزة.

لسنوات عمل سامي صحفياً في غزة، غطى خلالها عدداً من الحروب والمعارك، ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع المحاصَر وهو يتنقل ما بين مدنه وقراه ناقلاً وشاهداً على فصول عملية الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في القطاع.

قابل موقع TRT عربي سامي وحاوره في تجربته الشخصية بصفته صحفياً يؤمن بضرورة التغطية من قلب الحدث أُصيب خلالها زميله في العمل، وشاهداً على حرب غزة، وأباً لأربعة أطفال يكبرون بعيداً عنه.

ليست المرة الأولى

كان واضحاً منذ اليوم الأول للعدوان أن قطاع غزة أمام حرب مختلفة عن سابقاتها من حيث الشدّة والإجرام الإسرائيلي، إذ منع الاحتلال منذ اليوم الأول دخول أيٍّ من الصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث، وظهر أنْ لا خطوط حمراء أمام النار الإسرائيلية. ووفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي، تجاوز عدد الشهداء من الصحفيين والإعلاميين 141 شخصاً، وهو الرقم الأعلى في تاريخ الصراع، كما دُمّر أكثر من 83 مؤسسة صحفية وإعلامية.

"شكل القصف وحجمه أظهرا لنا أننا أمام جولة مختلفة كلياً"، كما يقول سامي برهوم، مشيراً إلى أن طاقم القناة سبق وتعرض في أكثر من مناسبة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لقصف إسرائيلي، حيث كانت المرة الأولى خلال تغطية مجازر الاحتلال في مخيم جباليا نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول التي راح ضحيتها ما يقرب من 400 شهيد.

سبق وتعرض سامي وطاقم قناة TRT عربي في أكثر من مناسبة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لقصف إسرائيلي (TRT عربي)

في ذلك الوقت توجه طاقم قناة TRT عربي إلى مكان الحدث، وسرعان ما جرت مجزرة أخرى في منطقة قريبة، كان سامي والطاقم بالقرب منها وتحت تأثيرها.

أما المرة الثانية فكانت خلال عمل سامي قرب مستشفى الشفاء، إذ يقول: "كان عليّ الخروج على البث المباشر، لكنَّ حدثاً جرى دفعَنا إلى تأخير البث لمدة خمس دقائق، وقتها كان بجوارنا بائع متجول ذهبتُ لشراء بعض الأغراض منه، وفي لحظة تحولت المنطقة إلى ساحة من الدماء والأشلاء، بعد أن سقط صاروخ بالقرب منّي، وشاءت الأقدار أن أنجو فيما استُشهد الشخص الذي كنت أشتري منه الأغراض".

كان على سامي الزحف بين هذه الدماء والأشلاء للاختباء تحت سيارة البث التي عاد إليها بعد الحادث لإكمال البث والتغطية، بعد أن سقط ما يقرب من 16 شهيداً وعشرات الجرحى.

استهداف النصيرات

بعد إعلان جيش الاحتلال توسيع عملياته في المناطق الشمالية من مخيم النصيرات، توجه فريق قناة TRT عربي رفقة مجموعة من الصحفيين إلى المنطقة لتغطية ما يجري، ووفقاً لسامي برهوم مراسل القناة، فقد كان الطاقم موجوداً في محافظة رفح عندما قرر التحرك.

ويضيف برهوم: "اتخذنا جميع الاحتياطات اللازمة، وتحركنا بسيارة عليها علامة واضحة تشير إلى هويتنا، كما ارتدينا الخوذة والدرع الصحفية وتوجهنا إلى النصيرات"، مشيراً إلى أن فريق القناة كان إلى جوار مجموعة من الصحفيين والإعلاميين.

الإشارات الصحفية وهوية الصحفيين الواضحة لم تمنع إسرائيل من استهداف طاقم القناة، ويروي مراسلها تلك اللحظات قائلاً: "بدأنا بالتصوير أنا والمصور سامي شحادة، وفجأة رأيت نفسي قد طرت لمسافة 5 أمتار، نظرت فوجدت سامي وقد بُترت قدمه، سحبته من المكان؛ فقد أدركت أن الاحتلال سيعود إلى استهداف هذه المنطقة من جديد، وفي هذه اللحظة خرج أب وابنته شاءت الأقدار أن تكون هي الابنة الممرضة التي ساعدتنا في تضميد جراح سامي، وأسرعنا إلى مستشفى دير البلح".

المسؤولية وروح الفريق

يؤمن سامي بأن القرب من الميدان ومتابعة الحدث في موقعه جزء أساسي من وظيفة الصحفي "الذي يجب أن يكون قريباً من الحدث، وعدم الاكتفاء بمتابعته من بعيد"، فدائماً ما تكون عبارة "أقرب نقطة من الميدان" ملازمة لمداخلاته وتقاريره على القناة.

ويؤكد المراسل أن هذا الأمر "ليس بالهين، خصوصاً في ظل المخاطر التي تواجه الصحفي في عمله، لكننا أمام مسؤولية مهنية وإنسانية في أن ننقل الصورة كما هي من أقرب نقطة على مستوياتها الإنسانية والعسكرية والميدانية".

وحول الكيفية التي تُعين الصحفي على تحمل هذه المخاطر والتغلب عليها يبيّن سامي أن "الخوف شعور طبيعي، ومن الضروري أن تخاف لأن ذلك يزيد من اعتبارات السلامة لديك، لكننا نتغلب على ذلك بشعور المسؤولية الذي يُحرّكنا لتغطية ما يحدث من جرائم وأحداث ميدانية، فالشعور بالمسؤولية يمنحنا قوة غير طبيعية تؤهلنا لتأدية هذه المهمة".

أما عن لحظات التعب والانكسار، فروح الفريق هي خير الدواء لها، فمن أشدّ اللحظات التي مرّت على سامي برهوم طيلة شهور الحرب عندما قُصف صديقه سامي شحادة وبُترت قدمه، عندها عاد برهوم متعباً إلى منزله مثقلاً بهول الحدث، ويصف شعوره في ذلك الوقت قائلاً: "تمنيت لو كنت أنا من أُصبت، لم أحتمل منظر صديقي بهذا الشكل".

لكنّ اتصالاً هاتفياً مفاجئاً غيّر كل ذلك، كان على جانب الخط زميله سامي شحادة الذي خرج للتوّ من غرفة العمليات وقال شحادة لصديقه برهوم وقتها: "هذا نصيبي، لا تزعل، أريدك أن تكون قوياً، علينا الاستمرار بالتغطية".

ويضيف برهوم أنه في تلك اللحظة "فتح جهازه ووجد صورة له ولصديقه الشهيد مصطفى ثريا كان قد التقطها سامي شحادة، كأن هذه الصورة كانت رسالة له أن لا يتوقف عن التغطية".

ويردف: "العالم متخاذل، لا يسمعنا، لا يعمل شيئاً لإيقاف الإبادة، لكننا مستمرون في إيصال الصورة، هذه وظيفتنا وعلينا تأديتها مهما كانت النتيجة ومهما كان الثمن، وللحقيقة ثمن".

شاهد على الحرب

مَن يتابع تغطية قناة TRT عربي يدرك بصورة سريعة مدى نشاط طاقمها الميداني وحرصه على الوجود في مناطق القطاع كافة، حيث يقول سامي برهوم مستعرضاً جهود طاقم القناة في التغطية: "حفظت غزة شبراً شبراً". هذا الأمر يجعل من الصحفي شاهداً أساسياً على أقذر وأشد حروب إسرائيل على الشعب الفلسطيني.

فكان برهوم من آخر الصحفيين الذين خرجوا من مدينة غزة بعد تقدم جيش الاحتلال برياً تجاهها، قبل ذلك عايش التصعيد الإسرائيلي ضدّ مستشفى الشفاء والقصف المستمر عليه، حيث كان عليهم النوم بجوار الجثث، والمشي بين الأشلاء"، كما يصف برهوم جزءاً من أيام وجوده في المستشفى الذي تنقل فيه ما بين المبيت في الشارع وفي أحسن الأحوال على كرسي إحدى شاحنات البث.

أما اللحظة الأصعب فكانت لحظة الخروج من غزة. رأى سامي التعب والحزن في عيون سكانها وهم مجبرون على تركها بعد ليالٍ دامية من القصف المستمر، ويشير إلى أنه "في مرة من المرات هاجم سلاح الجو الإسرائيلي بالأحزمة النارية سكان المدينة، وطائرات الكابتر تطلق النار عليهم، ما دفع الناس في النهاية إلى النزوح بعيداً باتجاه الجنوب".

ويوضح سامي أنه في أثناء الخروج "أدرك أن معالم المدينة تغيرت، لم يتخيل يوماً أن يكون هذا العدد الكبير من الجنود في المدينة، ولم يتخيل أنْ يداهم جنود الاحتلال مكتبهم في مدينة غزة... تغيرت جغرافيا غزة كلها... غزة عزيزة على الرغم من كل الصعوبات التي يعيشها الإنسان فيها".

العائلة وكريم الذي جاء بين حربين

تحاصر الصحفي اعتبارات عدة؛ ما بين سلامته الشخصية وسلامة طاقمه، وضرورة نقل الحقيقة وما يجري. أما أكثر ما يشغله فهم أسرته التي تعيش كمن ينقل أخبارهم تحت نار الاستهداف وتهديد القتل والإصابة، وكثيراً ما شهدت الحرب الحالية صحفيين فقدوا أفراداً من عائلاتهم في أثناء تغطيتهم الإخبارية، ولعل أشهرهم مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح.

اختبر سامي هذا الشعور بعد أن فقدت زوجته شقيقها في الحرب، فكان على سامي مساندتها في محنتها من جانب والاستمرار في عمله الصحفي من جانب آخر. وفي إحدى المرات التي كان فيها سامي على الهواء مع القناة بلغه خبر استهداف كبير في الحارة التي يسكن فيها، ويصف هذه اللحظات قائلاً: "أسرعت بالسيارة إلى البيت، وكلما اقتربت منه أصبح واضحاً لديَّ هول وحجم الانفجار، وكلما اقتربت تبين لي أن الانفجار وقع بالقرب من بيتي الذي وصلت إليه بشِقّ الأنفس، لأجد أن بيت جاري قد نُسف وسقط فيه عدد من الشهداء، كان شعوراً صعباً ما بين الحزن على جاري والارتياح إلى أن عائلتي بخير".

كريم أصغر أبناء سامي برهوم (TRT عربي)

أما أصعب ما يواجه سامي فهو بُعده عن نجله كريم الذي ارتبط عمره بالحرب على غزة، فاللحظة التي عرفت فيها العائلة جنسه كانت في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي على القطاع، وبعد ولادته بوقت قصير اضطر سامي برهوم إلى السفر خارج غزة لمتابعة دورة تدريبية، وعندما عاد انشغل عنه بالتغطية الإخبارية.

وتعيش اليوم عائلة سامي بعيداً عنه بعد أن فرَّقت الحرب بينهم. يكبر كريم ويتعلم كل يوم مهارة جديدة بعيداً عن رعاية والده سامي الذي ظل في غزة منشغلاً بنقل ما يجري من إبادة.

إلى جوار بُعد العائلة فقدَ سامي عدداً من أصدقائه وأقاربه بعد استشهادهم، لعل أهمهم الإعلامي مصطفى ثريا الذي ربطته علاقة خاصة بسامي جمعتهما فيها أعمال تلفزيونية أهمها فيلم "الناجي الوحيد" الذي عُرض على قناة TRT عربي، وبذل الشهيد مصطفى ثريا جهداً كبيراً في تصويره.

TRT عربي