تابعنا
تشهد الجامعات الأمريكية حراكاً واسعاً للطلبة المناصرين للقضية الفلسطينية والمحتجين على علاقات مؤسساتهم الدراسية بإسرائيل التي ترتكب إبادة جماعية في حق أهالي غزة، وهو ما تواجهه إدارات الجامعات والسلطات بقمع شرس وإجراءات انتقامية.

في يوم الخميس 25 أبريل/نيسان الجاري اجتاحت عناصر شرطة نيويورك حديقة جامعة كولومبيا من أجل قمع اعتصام كان يقيمه عشرات الطلاب الداعمين للشعب الفلسطيني والمطالبين بوقف إسرائيل للإبادة التي تشنّها عليه في غزة، في مشهد صادم لم تعهده البلاد منذ عقود.

"ما أستطيع قوله هو أن العنف الحاصل الآن لم يُشهَد مثله منذ الستينيات، منذ المظاهرات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام التي جرى قمعها آنذاك بشدة، وقُتل أربعة طلبة على أيدي الحرس الوطني في جامعة كينت في أوهايو".. هذا ما أكدته لـTRT عربي رشا جدة، الصحفية المقيمة في واشنطن العاصمة.

لكن لهيب المظاهرات المناصرة لفلسطين لم يظلّ مقتصراً على جامعة كولومبيا، بل طال جامعات أخرى في ولايات أخرى، فكانت استجابة تلك الجامعات، كما سلطات تلك الولايات، بنفس الشراسة والقمع. ما يحيل، حسب عدد من المراقبين، إلى مستقبل مظلم للحرية في الجامعات الأمريكية.

طلاب كولومبيا يناصرون فلسطين

يعود أول فصول القصة إلى يوم 17 أبريل/نيسان الجاري، حينما أعلن طلاب جامعة كولومبيا عن اعتصام مفتوح احتجاجاً على استمرار جامعاتهم في علاقاتها الاستثمارية مع إسرائيل، وتنديداً بالإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال في غزة، ومطالبة له بوقف إطلاق النار.

وتزامن هذا الاعتصام مع استجواب الكونغرس الأمريكي لرئيسة الجامعة نعمت مينوش شفيق حول الاتهامات الموجهة إليها بخصوص ما اعتُبر فشلاً لها في مواجهة "معاداة الساميّة في الحرم الجامعي".

وكان ردّ مينوش شفيق على الطلبة المحتجين ضدها وضد إسرائيل هو استدعاء شرطة نيويورك لفضّ اعتصامهم، وصرّحت: "لقد قررتُ أن المخيم والاضطرابات المرتبطة به تشكل خطراً على أداء الجامعة". وهو ما جرى تنفيذه يوم الخميس، حيث هاجمت الشرطة الاعتصام محاوِلةً تفكيكه بالقوة، واعتقلت ما يزيد على 130 طالباً من المحتجين.

واتهم بيان نشرته الجامعة الطلاب المعتصمين بأنهم "دخلاء" وأنهم رددوا شعارات "ترهيبية ومعادية للساميّة"، متخذين ذاك ذريعة من أجل قمع تلك الاحتجاجات.

هذا بالإضافة إلى الإجراءات الانتقامية التي جرى تهديد الطلاب بها، سواء على مستوى حياتهم الأكاديمية أو المهنية، وهو ما خلق حالة فزع بينهم، خصوصاً لدى الطلاب الأجانب القادمين إلى الولايات المتحدة بتأشيرة دراسة.

وهذا هو ما خلصت إليه TRT عربي خلال محاولتها التواصل مع إحدى تلك الطالبات، وهي طالبة فلسطينية، رفضت الإدلاء بتصريح مخافة أن تُسحب منها التأشيرة وتُرحّل إلى خارج البلاد، إضافة إلى ضياع مشروعها الأكاديمي.

لكن هذه الخطوات لم تكبح تحرك الطلاب الذين عادوا بالعشرات للاعتصام مجدداً في حديقة الحرم الجامعي، متعهدين بمواصلة الاحتجاج إلى حين كشف الجامعة عن استثماراتها مع إسرائيل، والعفو عن زملائهم المعتقلين والذين وقعت في حقهم إجراءات انتقامية منعتهم من العودة إلى الجامعة.

ومن جانبه اتخذ الرئيس جو بايدن موقفاً مركباً، جمع بين تأكيد حرية الطلبة في الاحتجاج، وإدانته لما ادّعى أنه "شعارات معادية للساميّة" شابت الاحتجاجات الأخيرة.

وقال أندرو بيتس نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في بيان: "إنه لأمر شنيع الدعوة إلى قتل اليهود. لقد كان الرئيس بايدن واضحاً بأن الخطاب العنيف وخطاب الكراهية والتصريحات المعادية للساميّة ليس لها مكان في أمريكا على الإطلاق، وسيقف دائماً ضدها".

وأثارت هذه الاحتجاجات الطلابية ردود فعل دولية، أبرزها من تل أبيب، حيث عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن غضبه إزاء هذه المظاهرات، معتبراً إياها "معادية للساميّة"، ومشبهاً إياها بـ"التحركات الطلابية في ألمانيا خلال حقبة الثلاثينيات".

وبدوره عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن موقف مماثل حين كتب في منصة إكس أن المظاهرات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة ليست معادية للساميّة فحسب، بل هي أيضاً "تحريض على الإرهاب".

وبعد التدخل العنيف للشرطة ضد طلاب كولومبيا، تواجه رئيسة الجامعة ضغوطاً كبيرة وانتقادات واسعة من الطلاب وهيئة التدريس. وفي بيان له يوم السبت هاجم مجلس جامعة كولومبيا إدارة شفيق، متهماً إياها بتقويض الحرية الأكاديمية وتجاهل الخصوصية وحقوق الإجراءات القانونية الواجبة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس من خلال استدعاء الشرطة وإنهاء الاحتجاج.

ونص البيان على تشكيل فريق عمل من أجل مراقبة "الإجراءات التصحيحية" التي طلب المجلس من الإدارة اتخاذها للتعامل مع الاحتجاجات، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.

انتقال الاحتجاجات إلى جامعات أخرى

ولم تقتصر هذه الاحتجاجات على جامعة كولومبيا، بل انتقلت إلى جامعات أمريكية أخرى، مثل تكساس وكاليفورنيا وجامعة مريلاند وجورج تاون وغيرها، مدفوعة بالتعاطف الطلابي مع القضية الفلسطينية ومع زملائهم الذين يتعرّضون للقمع الشرس في ولاية نيويورك، وهو ما أكده مايك (اسم مستعار)، وهو طالب في جامعة مريلاند، في حديثه لـTRT عربي بالقول: "بالتأكيد، بدأت هذه الاحتجاجات بالفعل في الانتشار عبر الولايات المتحدة في محاولة للتحرك من أجل فلسطين، (فبعد قمع اعتصام كولومبيا) أصبح عديد من الطلاب يشعرون بالجرأة على اتخاذ الإجراءات وتعطيل الوضع القائم في حرمنا الجامعي، على الرغم من تهديدات التوقيف أو الاعتقال التي قد تجعل عديداً منهم يخافون".

وبخصوص الملاحقات التي يتعرضون لها أوضح مايك: "حتى الآن لم تكن هناك تهديدات جديدة، عدا عن الاتهامات بـالتعاطف مع (الإرهابيين) أو معاداة الساميّة". وأضاف بالإشارة إلى أنهم لم يبدؤوا بعدُ الاعتصام في جامعة مريلاند: "وهذا هو السبب في أن الشرطة لم تُزِلنا من اعتصامنا طَوال اليوم".

ومن جانبها صرّحت إكليل بوحموش، الناشطة والطالبة في جامعة جورج تاون، لـTRT عربي بأنهم "في جامعة جورج تاون أفضل حالاً من عديد من الجامعات الأخرى في الولايات المتحدة، ولكن لا تزال هناك فرصة كبيرة لتحسين الوضع".

وأشارت المتحدثة إلى أنه "فيما كنا حريصين على التعبير عن تضامننا، من خلال الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات... أظهرت جامعتنا تحيزاً واضحاً في استجابتها للإبادة في فلسطين. واستغرق الأمر أشهراً وضغطاً كبيراً من الطلاب ليتمكن رئيس الجامعة أخيراً من قول بضع كلمات تُدين المذبحة في فلسطين".

وعقب القمع الذي تعرّض له طلاب جامعة كولومبيا، أعلن زملاؤهم في جورج تاون بدء اعتصام مفتوح بجامعة جورج واشنطن، جمع طلاب الجامعتين المذكورتين بالإضافة إلى طلاب جامعة مريلاند.

وبهذا الشأن أوضحت إكليل: "بدأنا اعتصاماً اليوم (الخميس) في جامعة جورج واشنطن، بهدف تركيز جهودنا في حرم جامعي واحد، إذ يواجه الطلاب كمية كبيرة من القمع، فقد جرى إغلاق مكتب حركة "طلبة من أجل العدالة لفلسطين" (SJP) الخاص بهم، وتعرّض الطلاب للطرد ببساطة لعرضهم شعاراً على مبنى".

واسترسلت بالحديث: "بدأنا بمظاهرة في حرمنا الجامعي، ثم توجّهنا معاً إلى جورج واشنطن حيث انضممنا إلى الاعتصام الذي كانوا قد نصبوه في وقت مبكر من ذلك الصباح".

مستقبل مظلم للحرية الطلابية؟

وأثارت الطريقة التي واجهت بها الجامعات والسلطات الأمريكية احتجاجات الطلبة المناصرين للقضية الفلسطينية، حسب مراقبين، مخاوف حول مستقبل حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، خصوصاً أن هذه الاحتجاجات تشمل قطاعاً واسعاً من الطلبة المؤهلين لقيادة البلاد في المستقبل، وهو ما تحاول واشنطن منعه.

وفي هذا السياق قال المحلل السياسي ومدير مؤسسة "أمريكيون من أجل العدالة في فلسطين"، الأستاذ أسامة أبو ارشيد، في حديث لـTRT عربي: "إنّ هذه الاحتجاجات هي تعبير عن تحوُّلٍ جيليٍّ حقيقيٍّ في الولايات المتحدة بخصوص الموقف والمزاج العام من فلسطين".

وأشار أبو ارشيد إلى ما أظهرته استطلاعات رأي أخيرة في الولايات المتحدة من أن "الشريحة العمرية ما بين 18 وحتى 29 من العمر هي الأكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل. 33% متعاطفون مع الفلسطينيين، و14% مع الإسرائيليين، و21% متعاطفون مع الطرفين"، مشدّداً على أن "استطلاعات الرأي (التي أظهرت هذه النتائج) متواترة وليست محصورة في المرحلة اللاحقة لطوفان الأقصى".

وبخصوص فرادة هذه المظاهرات والقمع الذي تتعرض له، قال أبو ارشيد: "ما يجعل هذه الاحتجاجات فريدة هو أن هذا الجيل الصاعد هو الجيل الذي سيحكم أمريكا. كما ينبغي ألَّا نغيّب البعد التاريخي، فالحركة المناهضة للحرب في فيتنام في ستينيات القرن الماضي كان عمادها الحركة الطلابية، التي حاولت إدارة ليندون جونسون الديمقراطية وإدارة ريتشارد نيكسن الجمهورية أن تسحقها. ولكن كل تلك المحاولات فشلت وكانت النتيجة انسحاب الولايات المتحدة في عام 1975".

وبالتالي يخلص المحلل السياسي المقيم بالولايات المتحدة إلى أنه "يُخشى أن تصبح هذه الحركة (التي تقود احتجاجات اليوم) شبيهة بما جرى في ستينيات القرن، التي فشلت كل الجهود الأمنية في كسر شوكتها. وهُم يخشون بالفعل أن يتكرر هذا السيناريو في موضوع قطاع غزة".

TRT عربي