تابعنا
غانتس المنافس الداخلي لنتنياهو، على الرغم من كونه جزءاً من حكومة الحرب الحالية، فإنه يتطلع بشكل واضح إلى موقع رئاسة الوزراء، خصوصاً أن حزبه يتصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير عن نتنياهو، الذي تتعرض حكومته لضغوط كبيرة.

في سابقة هي الأولى من نوعها، على الأقل في ظل الحكومات التي قادها بنيامين نتنياهو، تستقبل الإدارة الأمريكية عضواً في الحكومة من دون رغبة من رئيس الوزراء الإسرائيلي ومن دون علمه، إذ زار الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية ورئيس حزب معسكر الدولة بيني غانتس، واشنطن يوم الاثنين 4 مارس/آذار الجاري بغرض الاجتماع مع عدد من المسؤولين الأمريكيين ومناقشة وقف إطلاق النار وملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

واجتمع غانتس مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، وكذلك مع أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي.

وفوجئ نتنياهو بزيارة غانتس وعبّر عن غضبه الشديد منها، لا سيما أن الأخير أخبره عن الزيارة بعد تحديد أجندتها. ولم تكن زيارة غانتس واشنطن من دون علم نتنياهو بدايةً للخلاف بينهما، بل حلقة جديدة تضاف إلى سلسلة من الخلافات التي برزت للعلن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي خطوة غير مسبوقة ربما في تاريخ الاحتلال، طلب نتنياهو من السفارة الإسرائيلية في واشنطن عدم تقديم أي خدمات لغانتس أو مرافقته في الزيارة، ويبدو أن الوزير في حكومة الحرب رتَّب زيارته لواشنطن من خلال مقربين منه وليس من خلال رئاسة الوزراء أو الخارجية.

الغريم في السياسة والشريك في الحكومة

غانتس المنافس الداخلي لنتنياهو، على الرغم من كونه جزءاً من حكومة الحرب الحالية، فإنه يتطلع بشكل واضح إلى موقع رئاسة الوزراء، خصوصاً أن حزبه يتصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير عن نتنياهو، الذي تتعرض حكومته لضغوط كبيرة، وتهديدات بالانشقاق من عدد من أعضاء الائتلاف الحكومي.

وأفاد استطلاع رأي أجرته صحيفة معاريف الإسرائيلية في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن 51% من المستطلعة آراؤهم من الإسرائيليين يرون أن غانتس هو الأنسب لرئاسة الوزراء، فيما يقول 31% إن نتنياهو هو الأنسب، كما بيّن الاستطلاع أن حزب المعسكر الرسمي بقيادة غانتس سيعزز قوته الانتخابية من 12 مقعداً إلى 38.

ولا يُعد غانتس منافساً تقليدياً، فقد حاول في الأسابيع الأخيرة إجراء اتصالات مع وزراء وأعضاء في حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو من أجل الإطاحة بالأخير وسحب الثقة منه، ومن المرجح أن غانتس قدم عروضاً لهم للانضمام إلى حزبه بعد الإطاحة بنتنياهو، أو دعاهم لمساندة مرشح غير نتنياهو لرئاسة الليكود.

وعليه، فإن دعوة الإدارة الأمريكية غانتس في هذا التوقيت هي إشارة دعم واضحة له، ولكن يمكن القول إن هذا الاستقبال يشير حتى اللحظة إلى أنه ضمن عملية تكثيف الضغط على نتنياهو، خصوصاً أن هذه الدعوة جاءت مع تصريحات من بايدن وكيربي من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار.

وفي حال كان هناك تعنت لدى نتنياهو وحلفائه وتحدياً لضغوط الإدارة الأمريكية التي أصبح هذا الملف جزءاً من سياستها الداخلية في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الحاسمة بعد قرابة 7 أشهر، فإن واشنطن قد تلجأ إلى دعم غانتس بشكل أكبر، من أجل الإطاحة بنتنياهو وإيصال حكومة جديدة يمكنها التناغم مع رؤية الإدارة الأمريكية أكثر من الحكومة الحالية.

وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية -على الرغم من موقفها الداعم لإسرائيل سياسياً وعسكرياً- أطلقوا تصريحات تدعو لوقف الحرب، وعبَّروا عن قلقهم من خطر المجاعة في غزة، ومن ضمنها تصريح نائبة الرئيس كامالا هاريس قبيل لقائها مع غانتس، دعت فيه حكومة نتنياهو إلى وقف فوري لإطلاق النار، واتخاذ خطوات لزيادة المساعدات للقطاع، الذي تقول الأمم المتحدة إنه معرَّض لخطر المجاعة، لتكون نائبة الرئيس قد وجهت الانتقاد الأمريكي الأكثر حدة إلى إسرائيل منذ بدء الحرب.

تحشيد غربي في مواجهة نتنياهو

ولم يقتصر الأمر على واشنطن، بل أتبع غانتس زيارته بأخرى إلى لندن وهذا يوسِّع الدعم الخارجي له ويزيد من الضغط على نتنياهو، كما يشير إلى تنسيق أمريكي- بريطاني بشأن هذه الخطوة، ما يجعل نتنياهو يستشيط غضباً من ذلك الإجراء.

لكن في الوقت نفسه، لا يُتوقع أن تؤتي هذه الحراكات أُكلها، بل الممكن أيضاً أن تأتي بنتائج عكسية، وذلك في اتجاه تصليب نتنياهو ائتلافه اليميني المتطرف، الذي لا يزال يدعمه ما دام نتنياهو مستمراً في حرب إبادة الشعب الفلسطيني.

ومن الآثار الجانبية السلبية كذلك لاستقبال واشنطن ولندن للوزير غانتس، أنّ أطرافاً دولية أخرى ستتشجع على انتقاد حكومة نتنياهو والضغط عليها، وهذا سيشكّل مزيداً من العزلة والإرباك عليها.

لكن مع ذلك ينبغي أن لا ننسى أن الإدارة الأمريكية ما زالت تواصل الدعم العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت دائماً تستخدم حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن، ومنعت التوصل إلى قرارات مُلزمة بوقف إطلاق النار قبل ذلك.

إنَّ ما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه غزة من حرب إبادة وتجويع أحدَثَ ضجة كبيرة، خصوصاً أن هذا الأمر هو سابقة في تاريخ الحروب في العالم؛ أن يُقتَل الناس عبر التجويع ويُشاهَد ذلك عبر البث المباشر في كل أنحاء العالم من دون القدرة من أي دولة على الضغط على حكومة نتنياهو من أجل وقف هذه الإبادة.

وهذا له ارتدادات مباشرة -كما ذكرنا- على الرأي العام الأمريكي، خصوصاً في الانتخابات القادمة، وكذلك على الرأي العام الدولي والقوى الأخرى في العالم التي ستقيّم هذه المرحلة بأنها تراجع للقوة الأمريكية.

ومن المهم أن توظف الدول الداعمة للقضية الفلسطينية هذه الخلافات وموقف الإدارة الأمريكية الضاغط على حكومة نتنياهو، عبر إلقاء مزيد من الضغوط من أجل إيقاف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خصوصاً مناطق الشمال التي تُعرضها حكومة الاحتلال للتجويع المُتعمَّد.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً