قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية لـTRT عربي إن الوزير فيدان قال لبلينكن إنّه يجب منع إسرائيل من استهداف المدنيين في غزة، وإعلان وقف كامل لإطلاق النار، فضلاً عن التأكيد على ضرورة العمل معاً من أجل حل الدولتين./ صورة: AA (AA)
تابعنا

تدرك الولايات المتحدة أهمية الموقف الإقليمي لتركيا في قضايا المنطقة كافة ومنها القضية الفلسطينية، لذلك لم تنقطع اتصالات وزير الخارجية الأمريكي أنطونيو بلينكن مع تركيا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

اتصل بلينكن بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان أكثر من 4 مرات خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أولها كانت في يومي 7 و8 من الشهر، ثم يومي 16 و24 من الشهر ذاته، في ضوء محاولة الولايات المتحدة الضغط على القوى الإقليمية من جهة، وفي ضوء الاستفادة من جهودها في مسار عدم توسع الحرب وتحرير الأسرى، وفي الوقت ذاته في ضوء جهود تركيا لإيقاف الحرب وتحقيق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.

استياء تركي من واشنطن

وتأتي زيارة بلينكن إلى أنقرة في سياقات عدة، آخرها مشاركته يوم السبت في اجتماع وزاري مع وزراء من دول عربية عدة، وهي مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، إذ طالبت هذه الدول بلينكن كما طالبت تركيا بالأمر ذاته منذ بدء الحرب، بإنهائها وإعلان وقف إطلاق النار، لكن هذا الطلب قوبل برفض من بلينكن الذي أشار إلى أنّ وقف إطلاق النار سيكون من مصلحة حماس التي ستستفيد منه في إعادة التموضع وتكرار ما فعلته.

وبهذا، فإنّ الموقف الأمريكي تبنى التشدد الإسرائيلي ودافع عنه، وحتى اللحظة لم تدعم الإدارة الأمريكية أي جهود لوقف إطلاق النار ولم تضغط بما فيه الكفاية على الاحتلال للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الكافية ولا الوقود، بل يستمر الموقف الأمريكي في عملية شراء الوقت لصالح إسرائيل والتغطية عليها حتى تصل إلى أهدافها في ظل صعوبة المشهد الميداني وتعقيده.

بدايةً، يمكننا الإشارة إلى أنّ بلينكن اتصل بنظيره التركي هاكان فيدان خلال الأيام الماضية، لكن الزيارة الحالية هي الزيارة الأولى منذ بدء الحرب على غزة، رغم أنّ بلينكن جاء إلى المنطقة 3 مرات. وتأتي بدون أي مؤشرات على تحول في الموقف الأمريكي الذي لا يزال يرفض وقف إطلاق نار شاملاً.

رفض الحوار مع تل أبيب

وفي سياق متصل ومرتبط بالاستياء التركي، قال الرئيس أردوغان حول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّه "لم يعد شخصاً يمكننا التحدث معه بأي شكل من الأشكال"، فيما استدعت أنقرة سفيرها لدى إسرائيل للتشاور بسبب العدوان على قطاع غزة.

وفي تصريحات للصحافيين على متن الطائرة خلال عودته من كازاخستان، عقب مشاركته في قمة منظمة الدول التركية، لفت الرئيس أردوغان إلى أنّ "نتنياهو هو المسؤول الأول شخصياً" عن الهجمات على غزة، و"الداخل الإسرائيلي يشهد حالياً تصريحات مناهضة له".

وأضاف أردوغان أنّ "نتنياهو شخص يثير غضب الشعب الإسرائيلي أيضاً، وقد فقد دعم مواطنيه ويسعى لحشد دعم للمجازر عبر استخدام تعبيرات دينية". وكانت الجملة الأهم في حديث أردوغان هي أنّ "نتنياهو لم يعد شخصاً يمكننا التحدث معه بأي شكل من الأشكال. لقد محوناه وألقيناه جانباً". وبالتالي قطع أردوغان فكرة التواصل مع أي حكومة إسرائيلية يقودها نتنياهو في إطار الوساطة أو حتى في إطار بناء العلاقات مع تركيا في أي وقت لاحق.

ولم يكتفِ أردوغان بانتقاد إسرائيل ونتنياهو، بل انتقد ما أسماه القدوم إلى المنطقة بالبنزين والنار بدلاً من العمل على إطفاء الحرائق والحروب، وبالتالي قد تكون زيارة بلينكن إلى تركيا أولاً بهدف تهدئة الغضب والاستياء اللذَين جرى التعبير عنهما، وثانياً لوضع تركيا كطرف إقليمي مهم في صورة الترتيبات التي تعمل عليها الولايات المتحدة مع بقية الأطراف الإقليمية الأخرى.

دلالات وأهمية الزيارة

ومن المهم أيضاً أن نشير إلى أن زيارة بلينكن تزامنت مع مظاهرات شعبية حول قاعدة إنجيرليك في مدينة أضنة والتي تضم قوات أمريكية، إذ عبّر مواطنون أتراك عن غضبهم تجاه الإدارة الأمريكية وموقفها الداعم لجرائم الاحتلال الإسرائيلي من خلال الدعوة لمسيرة ضخمة انطلقت من جميع المدن التركية ووصلت إلى محيط قاعدة إنجيرليك، كما جرى تنظيم العديد من الوقفات أمام مقر السفارة الأمريكية في أنقرة والقنصلية الأمريكية في إسطنبول.

وعندما وصل بلينكن إلى أنقرة، استقبله نائب محافظ أنقرة في رسالة فُهمت على أنّها إشارة أخرى على الاستياء التركي من موقف الإدارة الأمريكية، وقد علق محتجون أتراك على طول الطريق الذي سلكه بلينكن بصور المتحدث باسم كتائب القسام أبوعبيدة، ولافتات كُتب عليها "بلينكن قاتل الأطفال"، وقد أشارت الصحف التركية إلى أنّ بلينكن كان شاحب الوجه عندما فوجئ باستقبال نائب المحافظ. كما أنّ فيدان كان قد قال وفقاً لما نشرته وكالة الأناضول في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبل استقبال بلينكن بأسبوع تقريباً إن من "يلتزمون الصمت إزاء مقتل المدنيين الأبرياء في غزة ومن يدعمون جرائم إسرائيل دون قيد أو شرط شركاء في هذه الهمجية".

استمر اجتماع بلينكن وفيدان قرابة ثلاث ساعات، وخلاله قال بلينكن إنّه في الأيام القادمة سيجري اتخاذ خطوات مهمة لضمان وصول كمية كبيرة من المساعدات إلى غزة، وقد قالت مصادر في وزارة الخارجية التركية لـTRT عربي إن الوزير فيدان قال لبلينكن إنّه يجب منع إسرائيل من استهداف المدنيين في غزة، وإعلان وقف كامل لإطلاق النار، فضلاً عن التأكيد على ضرورة العمل معاً من أجل حل الدولتين.

في السياق ذاته، تهتم الولايات المتحدة بمنع توسع رقعة الصراع، وقد قال بلينكن من أنقرة إنّ عدم انتشار الصراع إلى المنطقة يعدّ نجاحاً. وتحاول واشنطن من خلال هذه الجولات المكوكية التي يجريها بلينكن على جملة من دول المنطقة تحقيق هدف آخر يتمثل بإعادة الوضع القيادي للولايات المتحدة في المنطقة.

من الواضح أنّ الأمريكان يستمرون في سياسة قديمة مع دول المنطقة وهي شراء الوقت لكي تحقق إسرائيل أهدافها حتى إن زاد عدد الجرائم وزاد عدد الضحايا من المدنيين والأطفال، وهم يحاولون أن يقدموا تطمينات لدول المنطقة أنّهم أخذوا وعوداً من إسرائيل فيما يتعلق بالمدنيين ويتحدثون عن ضمانات حول المساعدات الإنسانية، لكن ما يحدث على الأرض هو الذي يمكن أخذه بشكل جدي وهو للأسف انحياز أمريكي واضح وتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي. وتركيا تدرك هذا الأمر ولذلك تعاملت ببرود مع زيارة بلينكن.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً