تابعنا
يُعرِّف القانون الإسرائيلي الجندي المنفرد بأنه "جندي يقاتل في صفوف الجيش، من دون أن تكون له عائلة وجهات داعمة اجتماعياً في إسرائيل، أو يتيم أو ينتمي إلى عائلة مفككة اجتماعياً"

أثارت تقارير صحفية وإعلامية أسئلة حول وجود جنود أجانب ومرتزقة يخدمون في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحملة التجنيد الواسعة التي قام بها، خصوصاً في ظل الشكوك حول إخفاء إسرائيل الأعداد الحقيقية للقتلى، وعدم الإعلان عن القتلى الذين ينتمون إلى جنسيات غربية أو يشاركون في القتال بصفة فردية.

وبسبب السرية المطلقة التي تفرضها الرقابة العسكرية الإسرائيلية على وسائل الإعلام، مما يجعل من الصعب إثبات حقيقة وجود جنود مأجورين (مرتزقة) في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلّا أن هناك ظاهرة تُعدّ بالآلاف لجنود غير إسرائيليين يخدمون في الجيش منذ عشرات السنوات، يطلق عليهم اسم "الجندي المنفرد".

ينظر المجتمع الإسرائيلي إلى ظاهرة الجندي المنفرد على أنها "ظاهرة صهيونية" تنبع من انتماء آيديولوجي لغير الإسرائيليين من منطلق الرغبة في (التطوع) ودعم المشروع الصهيوني لأسباب مبدئية، وليس على أنهم مرتزقة مأجورون يتكونون في معظمهم من مشردين وأفراد تائهين يخدمون في الجيش بسبب المال أو البحث عن حاضنة وإطار اجتماعي داعم

مَن الجندي المنفرد؟

يُعرِّف القانون الإسرائيلي الجندي المنفرد بأنه "جندي يقاتل في صفوف الجيش، من دون أن تكون له عائلة وجهات داعمة اجتماعياً في إسرائيل، أو يتيم أو ينتمي إلى عائلة مفككة اجتماعياً".

ينقسم الجنود المنفردون إلى فئات تُصنَّف وفق الخلفية ودرجة الانتماء للمجتمع في إسرائيل، وهم في مجملهم ينتمون إلى فئات كثيرة، مثل جندي يعيش والداه خارج إسرائيل بشكل دائم، أو جندي هاجر إلى إسرائيل بشكل منفرد، أو جندي تركه والداه في إسرائيل واختارا العيش في بلد آخر، أو جندي يوجد والداه في عمل أو يقيمان خارج إسرائيل ستة أشهر أو أكثر، أو جندي منفصل عن والديه، أو جندي يتيم ووحيد.

ويخدم الجنود المنفردون في الوحدات القتالية، التي تقاتل في الصفوف الأمامية، وهذا ما يفسر سقوط 20 قتيلاً منهم في الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (13 جندياً منهم غير إسرائيليين).

وهناك قوانين خاصة تنظم حقوقهم، كما يوفر لهم الجيش حاضنة اجتماعية داعمة وبيئة عائلية بديلة، ورواتب منتظمة، كما ينظم حملات تبنٍّ وجمع تبرعات ونشاطات تربطهم بعائلات إسرائيلية، من أجل التخفيف من ضائقتهم، وحل أزماتهم الاجتماعية والعزلة التي يمرّون بها، التي تدفع بعضهم الى الانتحار، إذ إن 10% من نسب الانتحار في الجيش من الجنود المنفردين.

تحولت ظاهرة الجندي المنفرد إلى ظاهرة راسخة في الجيش الإسرائيلي، وهي تعد اليوم رافداً أساسياً في الوحدات القتالية، وعاملاً مساعداً في التغطية على التراجع في أعداد الراغبين في التجنيد وتفضيل مَن يُجنَّدون من الإسرائيليين الخدمة في وحدات السايبر والاستخبارات وسلاح الجو، لا في الوحدات القتالية، ناهيك بعدم تجنّد معظم المتدينين

ظاهرة سابقة على وجود الدولة

ينظر المجتمع الإسرائيلي إلى ظاهرة الجندي المنفرد على أنها "ظاهرة صهيونية" تنبع من انتماء آيديولوجي لغير الإسرائيليين من منطلق الرغبة في (التطوع) ودعم المشروع الصهيوني لأسباب مبدئية، وليس على أنهم مرتزقة مأجورون يتكونون في معظمهم من مشردين وأفراد تائهين يخدمون في الجيش بسبب المال أو البحث عن حاضنة وإطار اجتماعي داعم، خصوصاً بسبب هالة القدسية التي يحظى بها الجيش الإسرائيلي ومكانة الجندي في التراتبية الاجتماعية والسياسية في إسرائيل.

ظاهرة الجندي المنفرد ليست حديثة، وهي قائمة منذ إنشاء الجيش الإسرائيلي، كما أنها كانت قائمة في أوساط العصابات الصهيونية ما قبل إنشاء دولة إسرائيل.

نشأت ونُظِّمت ظاهرة الجندي المنفرد ضمن وحدة خاصة، حملت اسم "ماحل" (باللغة العبرية) وهي كلمة مختصرة مكونة من ثلاثة أحرف لتسمية "جنود من خارج البلاد"، التي شُكلت عام 1947.

ضمَّت الوحدة في صفوفها عند تشكيلها 3000 مقاتل، معظمهم من غير اليهود، ممن أُحضروا من أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وكندا وعشرات الدول الأخرى في العالم، وقد استهدفت في البداية أصحاب الخبرة العسكرية من الجنود الذين خدموا في جيوش بلادهم، ليقاتلوا في صفوف العصابات الصهيونية ويسدّوا النقص الذي كانت تعانيه، ومن أجل تطوير خبراتها والمشاركة في حملات التطهير العرقي والمجازر التي نفّذها العصابات الصهيونية عام 1948.

جرت عملية تجنيد هؤلاء الجنود بـ"طريقة سرية" من خلال الوكالة اليهودية، والجاليات اليهودية في أرجاء العالم، التي أقامت مقراً لها في العاصمة الفرنسية وانتدبت مبعوثين عنها إلى مختلف دول العالم؛ من أجل استقطاب وإغراء جنود ممن خدموا في الحرب العالمية الثانية للقدوم إلى فلسطين والقتال إلى جانب الحركة الصهيونية.

معظم الجنود المنفردين الذين جرى تجنيدهم في تلك الفترة كانوا من ذوي الخبرة العسكرية، خصوصاً في سلاح الجو، وهم مَن شكّلوا النواة الأولى لسلاح الجو الإسرائيلي، الذي غلبت فيه اللغة الإنجليزية على اللغة العبرية لكثرة الغرباء وغير اليهود فيه.

مرتزقة بغطاء آيديولوجي

يعيش الجنود الأفراد في مساكن خاصة بهم، كما أن مَن يُقتل منهم، إما أن يُعاد إلى بلاده في حال وُجدت عائلة أو جهة تطالب به، وإما أن يُدفن في مقابر خاصة أو عسكرية.

على مدى عقود، طوَّرت دولة إسرائيل سلسلة أُطر اجتماعية وقانونية ومالية، لاحتواء ظاهرة الجندي المنفرد، والاحتفاء بها ودعمها، وإظهارها على أنها ظاهرة "نبيلة" تنبع من روح التطوع والإيمان بالمشروع الصهيوني، وطمس أي صيغة قد توحي بأنهم مرتزقة مأجورون.

مرافقة هذه المؤسسات والجمعيات والمبادرات للجندي المنفرد تبدأ منذ لحظة وصوله إلى إسرائيل، وهي تلازمه إلى أن يُنهي فترة الخدمة العسكرية، كما يُعتنى بمناسباتهم الدينية والاجتماعية بهدف جذبهم وتشجيع الظاهرة وتثبيت وجودهم، وتوفير الحاضنة التي ترفع من قيمتهم وتكسر عزلتهم، بحيث يشارك رئيس الأركان وقادة الدولة في الاحتفالات التي تُنظَّم من أجلهم في فترات الأعياد والمناسبات الدينية.

ترمي كل هذه السلسة الطويلة من القوانين والأُطر والمبادرات إلى طمس حقيقة كون هؤلاء الجنود جسماً غريباً يقدم خدمات قتالية مقابل المال، والبحث عن إطار داعم، وهي ما يتعارف العالم على تسميتها بظاهرة "الجنود المأجورين أو المرتزقة".

تحولت ظاهرة الجندي المنفرد إلى ظاهرة راسخة في الجيش الإسرائيلي، وهي تعد اليوم رافداً أساسياً في الوحدات القتالية، وعاملاً مساعداً في التغطية على التراجع في أعداد الراغبين في التجنيد وتفضيل مَن يُجنَّدون من الإسرائيليين الخدمة في وحدات السايبر والاستخبارات وسلاح الجو، لا في الوحدات القتالية، ناهيك بعدم تجنّد معظم المتدينين.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً