اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2023، أصبحت كرواتيا العضو السابع والعشرين في منطقة شنغن. لكن بلغاريا ورومانيا، اللتين انضمتا إلى الاتحاد الأوروبي قبل ست سنوات من كرواتيا واستوفيا المعايير الفنية للانضمام إلى منطقة شنغن في وقت مبكر من عام 2011، حُرمتا من هذه العضوية حتى الآن.
في 19 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أيد البرلمان الأوروبي، بأغلبية ساحقة، قبول بلغاريا ورومانيا في المنطقة التي لا تعترف بالحدود، وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، دعت المفوضية المجلس لقبول الدولتين، إلى جانب كرواتيا، في منطقة شنغن "دون مزيد من التأخير".
ومع ذلك، في تصويت المجلس الذي جرى في 8 ديسمبر/كانون الأول، جرى حظر هذين البلدين من قبل النمسا وهولندا.
حظر بدافع سياسي
عارض الحزب الرائد في الائتلاف الحاكم في النمسا، حزب الشعب (OVP)، طلب بلغاريا ورومانيا للانضمام إلى منطقة شنغن من خلال إعلان أنهما غير مستعدين لتأمين حدود الاتحاد الأوروبي. كان هذا الموقف في خلاف مع حليفها في التحالف الحاكم، حزب الخضر.
كحزب محافظ، فإن موقف OVP يتناسب مع المستوى المرتفع من التشكيك في الاتحاد الأوروبي داخل المجتمع النمساوي. علق العديد من المراقبين أيضاً على أنه مع هذا الموقف، أراد OVP مناشدة الناخبين اليمينيين قبل الانتخابات المقبلة في النمسا السفلى.
وفي الوقت نفسه، فإن استخدام حق النقض النمساوي أيضاً يفهم منه أنه وسيلة ضغط من أجل إجبار الاتحاد الأوروبي على إحداث مراجعة شاملة لمراقبة الحدود وسياسات اللجوء. في إشارة إلى العدد المتزايد لطالبي اللجوء الذين يصلون إلى النمسا دون تسجيل مسبق في دولة أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي. رفعت النمسا عدة مطالب بهذا الصدد، مثل إدخال إجراءات اللجوء السريع على حدود الاتحاد الأوروبي وتمكين طلبات اللجوء في بلدان ثالثة آمنة.
من جانبها، تعود أسباب الفيتو الهولندي إلى الفساد والجريمة المنظمة على الرغم من أنه ومن خلال إنهاء نشر تقارير "آلية التعاون والتحقق" (CVM) لبلغاريا عام 2019 ورومانيا في عام 2022، فقد اعترفت المفوضية الأوروبية رسمياً بأن البلدين يفيان بمعايير الاتحاد الأوروبي في سيادة القانون، ومكافحة الفساد، والجريمة المنظمة.
طلبت هولندا تأكيدات إضافية بشأن مستوى التقدم الذي أحرزته هذه الدول وهو ما يعبر عن عدم رضاها عن هذا الحكم. في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وافق البرلمان الهولندي، بأغلبية أصوات حزب الشعب اليميني من أجل الحرية والديمقراطية (VVD) والحزب اليميني من أجل الحرية (PVV)، على اقتراح يطالب الحكومة بعدم التخلي عن حق النقض المتعلق بعضوية بلغاريا ورومانيا لمنطقة الشنغن.
في النهاية، غيرت الحكومة التي يقودها حزب VVD موقفها تجاه رومانيا لكنها وجدت أنه من "المبكر جداً" فعل ذلك بالنسبة إلى بلغاريا. ولكن بما أنه جرى التصويت لهما بشكل مشترك في المجلس، فقد منحت هولندا صوتاً سلبياً لكليهما. القرار متأثر بشكل كبير بالأجواء المناهضة للمهاجرين في هولندا بشكل كبير، والتي دافع عنها حزب الحرية الشعبوي اليميني في المعارضة.
كرواتيا لم تخضع للحظر
بالنظر إلى مخاوف النمسا بشأن الهجرة غير الشرعية، فإن انضمام كرواتيا إلى شنغن لا يخلو من المخاطر. لا تقع كرواتيا فقط على طريق غرب البلقان، وهو أحد مسارات الهجرة الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها تشترك أيضًا في حدود يبلغ طولها 1350 كيلومتراً وتشكل تحدياً جغرافياً مع ثلاث دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي (صربيا والبوسنة والهرسك ومونتينيغرو).
بالنظر إلى مخاوف هولندا من الفساد، فإن الفرق بين كرواتيا والدولتين الأخريين لا يكاد يذكر. في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2021، احتلت كرواتيا المرتبة 63 أي أعلى قليلاً من رومانيا وبلغاريا المرتبة 66 و 78 على التوالي.
هذه المخاوف وحدها كان ينبغي أن تمنع دخول كرواتيا إلى منطقة شنغن. ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن بلغاريا ورومانيا لم تنطبق على كرواتيا، التي جرى الاعتراف بها دون أي معارضة شعبوية في أي مكان في أوروبا. يمكن القول إن هذه السياسة هي بفضل نهج الاتحاد الأوروبي الإيجابي تجاه دول غرب البلقان.
دفع الضغط الناجم عن التحديات الجيوسياسية مثل جائحة كوفيد -19 والهجوم الروسي على أوكرانيا الاتحاد الأوروبي إلى تسريع إدماج دول غرب البلقان في هياكل الاتحاد الأوروبي.
فقد تميز عام 2022 بسلسلة من الإنجازات بهذا الصدد: جرى إطلاق مفاوضات الانضمام مع ألبانيا؛ ومُنحت مقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك الأهلية للترشح؛ وجرى الاتفاق أخيراً على مسودة لائحة لإلغاء التأشيرات الذي طال انتظاره مع كوسوفو.
نظراً للترابط السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين دول غرب البلقان، من الصعب اعتبار قبول كرواتيا في كل من منطقتي شنغن واليورو في عام 2022 مختلفاً عن هذا الاتجاه.
ومع ذلك، بينما يرسل الاتحاد الأوروبي إيماءات إيجابية إلى دول غرب البلقان، يبدو أن الانتماءات الجيوسياسية لبلغاريا ورومانيا تعتبر أمراً مفروغاً منه من قبل بعض الدول الأعضاء. حتى أن هناك سبباً يدعو إلى الشك في تفضيل دولة أصغر نسبياً وأقرب جغرافياً على البلدين المطلين على ساحل البحر الأسود. على أية حال، طالما استمرت الشعبوية، فهناك حدود لمشروع التكامل الأوروبي.
ما المتوقع بعد ذلك؟
على الرغم من دعوات بعض الدول الأعضاء، فمن غير المرجح أن يضع الاتحاد الأوروبي قريباً عضوية بلغاريا ورومانيا في شنغن مرة أخرى على جدول الأعمال.
وقد صرحت الحكومة السويدية بالفعل أنها لن تدفع من أجل ذلك حتى تغير النمسا وهولندا مواقفهما. على الرغم من أنه ستكون هناك قمة خاصة للاتحاد الأوروبي حول الهجرة في فبراير/شباط 2023، ولكن نظراً لاختلاف الآراء بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، سيكون من الصعب للغاية إجراء مراجعة شاملة في سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، كما طالبت الحكومة النمساوية.
عندما يتعلق الأمر بهولندا، لا يُتوقع حدوث تغيير جذري في الموقف إلى أن تعلن المفوضية الأوروبية رسمياً أن عمليات آلية التحقق من الهوية قد اكتملت. في ظل هذه الظروف، سيتعين على بلغاريا ورومانيا الانتظار حيث يستمر مواطنوهما في مواجهة الإزعاج أثناء السفر إلى دول منطقة شنغن، وتكبد خسائر اقتصادية كبيرة في التجارة الخارجية والسياحة.
يعتبر قبول كرواتيا ورفض بلغاريا ورومانيا مثالاً نموذجياً آخر على حقيقة أنه فيما يتعلق بشؤون الاتحاد الأوروبي، لا يضمن استيفاء دولة ما للمعايير المحددة مسبقاً بالضرورة أنه يمكن أن تحقق النتيجة المرجوة في الانضمام.
ما دام أن القرار النهائي يعود إلى الدول الأعضاء ويجري اتباع قاعدة الإجماع، فإن النتيجة ستعتمد على الحسابات السياسية لمتخذي القرار على المستوى الوطني.
إذا أراد صانعو القرار استغلال قانون الإجماع لتحقيق مكاسب سياسية، أو الاتكاء على موجات من الشعبوية، فيمكنهم أن يجدوا ذريعة لعرقلة أي عملية انضمام دون إيلاء الكثير من الاعتبار للمعايير الرسمية أو المصالح الجماعية للاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن أي قرار يؤدي إلى تعزيز التصور حول ازدواجية المعايير من شأنه أن يقوض قيم الاتحاد الأوروبي، ويعطل الانسجام الأوروبي، ويعزز التشكيك في الاتحاد.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.