بمبيعات تجاوزت نصف مليار.. ما سرّ نجاح فيلمَي "أوبنهايمر" و"باربي"؟
نجح فيلما أوبنهايمر (Oppenheimer) وباربي (Barbie) في جذب عشرات الآلاف من الجماهير إلى صالات العرض السينمائية، رغم اشتداد حرارة الصيف.
بطلا "أوبنهايمر" و"باربي" / صورة: AP (AP)

نجح فيلما أوبنهايمر (Oppenheimer) وباربي (Barbie) في جذب عشرات الآلاف من الجماهير إلى صالات العرض السينمائية، رغم اشتداد حرارة الصيف.

ومع نهاية يوليو/تموز الماضي، حصل فيلم "أوبنهايمر" على 400 مليون دولار ضمن شباك التذاكر حول العالم، ما يجعله أول فيلم في تاريخ السينما من فئة "R" -التي تشير إلى احتواء الفيلم مشاهد جنسية قصيرة- يحقق أكثر من 10 ملايين دولار على مدى 10 أيام متتالية. فيما اقترب فيلم "باربي" من تحقيق إيرادات عالية بقيمة مليار دولار، متجاوزاً عتبة الـ755 مليون دولار في شباك التذاكر العالمية.

وتشير هذه الأرقام إلى أكبر إيرادات سينمائية منذ عام 2019، ساعدتها الحركة التسويقية في الإعلام لكلا الفيلمين، فضلاً عن تسويق المعجبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضمن وسم "#Barbenheimer"؛ لإبراز التباين بين الفيلمين من حيث الفكرة والألوان والأحداث، مصحوبة بنكات و"ميمز" لا تنتهي، بإمكانها أن تحوّل العرضان السينمائيان إلى حالة تأخذ أبعاداً اجتماعية وسياسية وجندرية قابلة للتأويل والنقاش.

"أوبنهايمر".. السمعة تسبق العرض الأول

صدر في تموز/يوليو الماضي أحدث فيلم للمخرج البريطاني- الأمريكي كريستوفر نولان، وهو صاحب مشروع إبداعي أثبت قدرته على إخراج الصورة باحترافية عالية ضمن تقنيات يَصعب العمل من خلالها في الحالات الاعتيادية، وكتابة الأفكار المثيرة والفريدة من نوعها في أغلب أفلامه الـ12 حتى الآن، ينتظر جمهوره أفلامه قبل أشهر من عرضها في الصالات.

ولجأ نولان في فيلم "أوبنهايمر" على مدار 3 ساعات إلى تقنية عرض "70 ملم" أيماكس (IMAX)، التي تعمل على توسيع حجم شاشة السينما إلى 10 أضعاف حجم شاشة السينما التقليدية، ما يوفر تجربة بصرية مُبهرة، إلى جانب خوض المشاهد تجربة سمعية متكاملة.

والفيلم عبارة عن اقتباس من كتاب "روميثيوس الأمريكي: انتصار ومأساة روبرت أوبنهايمر"، لمؤلفَيه كاي برد ومارتن ج. شيروين، وتتمحور أحداثه حول شخصية ج. روبرت أوبنهايمر الفيزيائي والكيميائي الأمريكي المولود لعائلة يهودية المتخصص في الطاقة النووية، خلال الفترة 1904-1967م، ويلعب الدور الممثّل كيليان ميرفي.

وخلال الحرب العالمية الثانية، تُكلّف السلطات الأمريكية أوبنهايمر إدارة "مشروع مانهاتن" الهادف إلى إنتاج الأسلحة النووية، وذلك بعد اعتقاد الولايات المتحدة أنّ الحزب النازي في ألمانيا يطوّر سلاحه النووي الخاص، نتج عن ذلك القنبلتان الذريتان اللتان أُلقِيتا على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، فأنهت أكثر الحروب الدموية حتى الآن.

وتنتقل كاميرا المخرج نولان من خلال 3 خطوط زمنية، وهي حياة أوبنهايمر في شبابه أيام الدراسة الجامعية في أوروبا، ثم يمتدّ الخط الزمني الثاني لعرض ظروف تكليفه لتطوير أول الأسلحة النووية، مدعوماً بخبرته العلمية.

وفي الخط الزمني الأخير، تخيّم عليه أجواء الاتهامات حول دعم أوبنهايمر للشيوعية بعد معارضته تطوير القنبلة الهيدروجينية وآرائه المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي، نتج عنها إلغاء تصريحه الأمني في جلسة استماع عقدتها هيئة الطاقة الذرية الأمريكية، بالاستناد إلى تقارير لـ"مكتب التحقيقات الفيدرالي"، فوُجِّهت إليه اتهامات بالتجسس لمصلحة الاتحاد السوفييتي، ليجري تجريده من كامل نفوذه السياسية.

ينجح الفيلم أيضاً في تقديم وجهة نظر مختلفة عن التصور الخاص لأوبنهايمر لتلك الأحداث، وذلك من خلال المواجهة بينه وبين لويس ستروس، السياسي الذي اضطلع بدور بارز في تطوير السلاح النووي قبل أن ينقلب على أوبنهايمر عندما اقتضت مصلحته ذلك، من خلال مَشاهد حوارية فلسفية تربط السياسة والأيديولوجيات بالعلم وقدرته التدميرية لكوكب الأرض، ولعب هذا الدور الممثّل روبرت داوني جونيور.

"باربي".. دُمية أسطورية بأفكار عصرية

تُعد "باربي" دمية أيقونية توجد في كل مكان، الجميع يعرف شيئاً واحداً على الأقل عنها، ما يجعل فكرة الفيلم أشبه بإعلان تسويقي طويل لشخصيتها البلاستيكية.

وبعيداً عن الاضطرابات السياسية التي نتجت عن فيلم "باربي" والتي حظرت بموجبها فيتنام عرض الفيلم في البلاد، أحدث الفيلم اضطرابات أخرى، خصوصاً في الولايات المتحدة، إذ يعرض الفيلم رحلة "باربي" -التي لعبت دورها الممثّلة مارغو روبي- من العالم الخيالي المثالي الغارق في اللون الوردي "باربي لاند" إلى العالم الحقيقي المبنيّ على مبادئ ذكورية، حسب رؤية الفيلم، كي تعالج المشكلة التي تعاني منها الطفلة التي تلعب بها، بعد أحداث عدّة ساعدتها على اكتشاف جانبها الإنساني.

وصاحبت هذه النقلة بين العالم الخيالي والعالم الحقيقي نقاشات ثقافية عنيفة خارج صالات العرض، فالفيلم الذي أخرجته غريتا جيروج، حمل أفكار هذا العصر بسياساته الجندرية والنسوية، ومحاولة لتعديل كيان شخصية "باربي" النمطية.

وفي عام 1959، طرحت شركة "ماتيل" دميتها الشقراء "باربي" على العالم، ومع مرور الوقت تحوّلت هذه الدمية إلى أيقونة شعبية لدى الفتيات، فأحد الجوانب الفريدة لـ"باربي" هو أنّها ليست مجرد دمية، بل كانت أيضاً قدوة للفتيات سمحت بإبراز تطلعاتهن وأحلامهن للشكل أو المهنة المثالية، إذ طوال تاريخها، كانت "باربي" تتمتع بمهن مختلفة، من عارضة أزياء ورائدة فضاء إلى طبيبة ومعلمة وكثير من المهن الأخرى، ما شجّع الفتيات على تخيل أنفسهن في مهن وأدوار مختلفة.

وسواء نجح الفيلم أم فشل في التركيز على فكرة تقديم دمية "باربي" على أنّها رمز نسوي معاصر، لكنّ الجمهور استطاع أن يتفاعل معها على الصعيد العاطفي والفني.

TRT عربي