بطولة لا تعترف بالتاريخ.. كيف صنع "صغار" القارة المفاجآت في كأس إفريقيا؟
شهدت النسخة الحالية من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، التي تحتضنها الكاميرون، بروز منتخبات لأول مرة تحجز مقعداً في تلك المنافسات. ومع ذلك نجحت في خلق متاعب لنظيراتها ذات التجربة الكبيرة، كما صنعت مفاجآت بتأهلها للأدوار النهائية للمسابقة القارية.
كيف صنع "صغار" القارة المفاجآت في كأس إفريقيا؟ (AFP)

في ثاني مشاركة في تاريخه، نجح منتخب غينيا الاستوائية من بلوغ دور ربع نهائي لكأس إفريقيا للأمم التي تحتضن الكاميرون نسختها الحالية، بعد تغلبه في أولى المقابلات الإقصائية على منتخب مالي العريق، وإقصائه في الدور الأول بطلَ النسخة الماضية، المنتخب الجزائري، بالتغلب عليه بهدف دون مقابل.

في السياق ذاته نجح منتخب غامبيا في تحصيل مقعد في ربع نهائي الكأس، بعد تغلبه على منتخب غينيا الدور الذي قبله، ومر من دور المجموعات دون هزيمة، متغلباً على كل من المنتخب التونسي ذي التجربة الكبيرة في البطولة ومنتخب موريتانيا، ومتعادلاً مع مالي. بينما هي المرة الأولى التي تنجح فيها كتيبة غامبيا في تحصيل التأهل للبطولة القارية.

فيما نجحت جزر القمر في التأهل إلى دور الثمن بإقصاء منتخب غانا، وأحرجت منتخب الكاميرون المستضيف على أرضه رغم هزيمتها. والرأس الأخضر الذي نجح في العبور إلى الدور الثاني. ومنتخب مالاوي الذي قابل في ثمن النهائي منتخب المغرب، الذي لم يتفوق عليه إلا بجهد نظراً لتكتله الدفاعي المحكم.

كل هذه منتخبات تعتبر "صغيرة" في مقاييس الكرة الإفريقية، كانت هي المفاجأة في البطولة، حيث استطاعت التأهل إلى أدوار متقدمة منها لأول مرة في تاريخها، ونجحت في إحراج منتخبات ذات تجربة أكبر. الأمر الذي خط معالم نسخة غير اعتيادية من كأس إفريقيا للأمم، أكثر تنافسية ولا مجال للتنبؤ فيها بفائز.

يدخلون البطولة بلا ضغط!

القاسم المشترك بين كل هذه المنتخبات التي خلقت الحدث في كأس إفريقيا، أنها تشارك في الكأس للمرة الأولى أو لمرَّتين. وبالتالي ليست مستأنسة مع أجواء البطولة، مقارنة بمنتخبات كالكاميرون أو السنغال، أو مصر الأكثر إحرازاً لكأسها.

ربما هذا هو العامل الرئيس في نجاحها في خلق المفاجأة في الدورة، أي أنها دخلت بلا ضغوطات جماهيرية أو تطلعات. هذا ما تجمع عليه آراء المحللين الرياضيين، أحدهم كان المغربي أيمن زيزي، الذي صرَّح لـ TRT عربي، متحدثاً عن مبارات بلاده ضد مالاوي، بأن: "منتخب مالاوي دخل المبارات دون مركب نقص، وليس لديه ما يخسره، هذا ما مكنه من تسيير المباراة بشكل جيد وخلق متاعب لخصمه المغربي".

وأضاف زيزي قائلاً: "ارتياح منتخب مالاوي جعله حراً في اختياره الشكل الذي سيّر من خلاله المباراة، وقاد نسقاً دفاعياً محكماً ونجح من خلال هجمة معاكسة بتسجيل هدف السبق". غير أن هذا الهدف حسب المحلل سيكون نقطة التحول في المباراة، و "محركاً للمنتخب المغربي في شن هجمات منظمة والضغط على الخصم في منطقته، ما أدى إلى إحرازه الفوز".

التطور الطبيعي للكرة الإفريقية

بالنسبة لزيزي هناك عامل آخر في المفاجآت التي عرفتها الدورة الحالية من كأس أمم إفريقيا، هي أن "الكرة الإفريقية تختلف عن نظيرتها الأوروبية وكرة أمريكا اللاتينية، حيث تعتمد أكثر على اللياقة البدنية والاندفاع عوض اللعب الجماعي والذكاء التكتيكي". تميز يرجعه المحلل المغربي إلى غياب السياسات الكروية في القارة وعدم ثبات الإدارة التقنية للمنتخبات.

هذا المعطى يصب في صالح المنتخبات الإفريقية الصغيرة، حيث تتكون في أغلبها من لاعبين مغمورين يلعبون في بطولات محلية، عوض نظيرتها المجربة التي تضم أسماء مرموقة تشترك في بطولات عالمية عالية المستوى.

تحليل يتفق معه زكرياء حبشي، الصحفي الرياضي الجزائري، الذي قال في تصريحه لـTRT عربي: "إننا نعيش في زمن تطور الكرة الإفريقية، حيث لم تعد تعتمد على الأسماء المرموقة التي تحدثت الفارق، بالقدر الذي تعتمد فيه على اللعب الجماعي الاندفاعي".

ويضيف حبشي بأن: "هذا ما لاحظناه في مباريات الدور الأول مثل مباراة السنغال وزيمبابوي، حيث رغم النجوم الذين تزخر بهم التشكيلة السنغالية فقد شكل لهم انتشار اللاعبين الزمبابويين متاعب كبيرة، وحال دون فوزهم بالمباراة".

لا فرق بين فريق كبير وصغير

"في إفريقيا عموماً بدأت الفروق تتقلص بشكل كبير بين المنتخبات الصغيرة ونظيرتها ذات المنتخبات الكبيرة" يصرح المحلل الرياضي المغربي إبراهيم الصبيطري لـTRT عربي.

ويضيف الصبيطري بأن المجال ما زال مفتوحاً أمام مفاجآت أخرى، حيث "كل شيء ممكن في مباراة غامبيا والكاميرون، بخاصة بعد الأداء الذي قدمه الكاميرونيون والضغط الذي مورس عليهم لكونهم أصحاب الأرض. مقابل منتخب غامبيا الذي ليس لديه ما يخسره وهي نقطة قد تلعب لصالحه".

فيما يرى المحلل الرياضي التونسي، رياض بن عمر، بأننا نشهد "تطور المنتخبات الصغرى في جل نواحي صناعة اللعبة؛ سيما التكتيكي والتكنولوجي". ويضرب المثال في حديثه لـTRT عربي بمدرب المنتخب الغامبي، البلجيكي توم سينتفيت، الذي "أحدث ثورة كاملة بالكرة الغامبية خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي تسلم فيها مهامه على رأس المنتخب".

حيث "أجرى جولة في البطولة المحلية واستنتج أن أولئك اللاعبين لن يشكلوا منتخباً لائقاً، وبالتالي طلب من اتحاد الكرة تمكينه من فريق لمحللي الأداء وكشافة اللاعبين، الذين انتشروا في جميع البلدان التي تستقبل الجالية الغامبية لاقتناص المواهب، وعلى أساس تلك الدراسات جرى تشكيل المنتخب الذي نراه يحرز انتصارات ويهزم منتخبات قوية كتونس". يورد بن عمر في ختام تحليله.

TRT عربي