أكثر من مجرد كرة قدم.. كيف ترخي السياسة سدولها على مباراة إيران وأمريكا؟
تعد الجولة الأخيرة من دور المجموعات في مونديال قطر، بمباراة ساخنة بين إيران والولايات المتحدة. حيث يرخي الخلاف السياسي بين البلدين ظلاله على التنفس الرياضي، ويمارس ضغطاً على اللاعبين داخل المستطيل الأخضر.
مباراة إيران والولايات المتحدة خلال مونديال فرنسا 98. (Others)

وضعت قرعة مونديال قطر 2022 متناقضات سياسية عالمية في مجموعة واحدة، ما يعد بمباريات يطغى عليها ضغط السياسة، بخاصة عندما يجتمع مساء الثلاثاء الخصمان الجيوسياسيان الدائمان، الإيرانيون والأمريكيون.

ويزيد من هذا الضغط النتائج التي سجلتها الجولتان الأوليان، إذ أحيت إيران آمال تأهلها إلى الدور الثاني بفوز ثمين على ويلز، بالمقابل تعادل الأمريكيون مع الإنكليز. ما لا يدع خياراً آخر أمام كل من الفريقين للعبور إلى الدور الثاني سوى الفوز.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها قرعة كأس العالم المنتخبين وجهاً لوجه، بل الثانية قبل واحدة كانت خلال مونديال فرنسا 98. ويومها حاول اللاعبون تجسيد الروح الرياضية على رقعة الملعب، رغم الضغط الكبير الذي كان عليهما من خارجه.

منتخب إيراني بين نارين!

وفي مباراته الأولى بمونديال قطر، تلقى المنتخب الإيراني هزيمة قاسية أمام نظيره الإنكليزي، بستة أهداف مقابل اثنين. وهو ما اعتبره المدرب كارلوس كيروش "نتيجة غير متوقعة"، تسبب فيها "الضغط الذي تعرَّض له لاعبو المنتخب"؛ من قبل الجماهير التي رأت في المباراة مناسبة لإيصال تضامنها مع الاحتجاجات في إيران، كذلك الصحافة الدولية التي سعت إلى انتزاع تصريحات سياسية من اللاعبين.

وتعيش إيران في هذه الأيام وضعاً داخلياً مشحوناً، تطبعه الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ سبتمبر/أيلول المنصرم. وهو ما يضع لاعبي المنتخب بين نارين، الأولى "واجب" التضامن مع المحتجين، على حد تعبير عميد المنتخب إحسان حاج صافي، مضيفاً: "نحن معهم. ونحن ندعمهم. ونحن نتعاطف معهم".

أما النار الثانية، فهي نار وسائل الإعلام التي حولت المنتخب إلى مساحة صدام وفرصة لتحميل المحتجين مسؤوية الهزيمة وفي هذا الصدد كتبت صحيفة "ايران" الحكومية: بأن "فشل الأعداء بمنع إيران من المشاركة في كأس العالم جعلهم ينتقلون للخطوة التالية وهي شن حملة إعلامية كبيرة لتشويه سمعه المنتخب الإيراني عبر اتهامات سياسية لخلق بلبلة إعلامية بهدف كسر معنويات اللاعبين".

هذا الوضع الذي يلخصه الكاتب والمحلل علي هاشم، في مقاله "إيران: الكأس الذي فاض"، بالقول: "ضغط الداخل وثقله بدا واضحاً في حركتهم (اللاعبين) من لحظة دخولهم الملعب حتى هزيمتهم الثقيلة بسداسية إنكليزية نادرة. بدا كل لاعب على أرض الملعب كمن يحمل على كاهله كل الهم الإيراني، وبدا الملعب بدوره كساحة تظاهر يصطف فيها الموالون والمعارضون على امتداد المدرجات، وفي الباحات حيث شوهدت بعد المباراة مجموعات تهتف ضد النظام وقادته".

مباراة مصيرية ضد أمريكا!

ويتضاعف هذا الضغط في مباراة إيران ضد الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء، باعتبارها مباراة مصيرية ستحسم في هوية الفريق الذي سيعبر إلى الدور القادم من المنافسة.

تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنه "عندما ينزل اللاعبون الذين يمثلون إيران والولايات المتحدة إلى الملعب في كأس العالم في قطر، الثلاثاء، سيحلل ملايين المشجعين كل خطوة، ليس فقط التمريرات والأخطاء والرؤوس، ولكن أيضاً ما إذا كان اللاعبون يغنون النشيد الوطني أو يحتفلون بأي أهداف".

وبدأ الجدل حتى قبل موعد المباراة، حينما حذفت صفحات الاتحاد الأمريكي لقرة القدم اسم الجلالة من عَلَم إيران، وهو ما فسره مسؤول في الاتحاد بأن الأمر "كانت صورة لمرة واحدة لإظهار التضامن مع النساء في إيران".

واحتج الاتحاد الإيراني على هذا التصرف الأمريكي، وذكرت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية بأن الاتحاد "أرسل رسالة إلكترونية إلى فيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) ليطالبه بإصدار تحذير جادّ إلى الاتحاد الأمريكي". وقالت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء عبر تويتر إن المنتخب الأمريكي "انتهك ميثاق فيفا، وعقوبته المناسبة الوقف 10 مباريات"، مضيفة أنه "يجب إقصاء" المنتخب الأمريكي من كأس العالم.

بالمقابل، يسعى مدرّبا المنتخبين الأمريكي، غريغ بير هالتر والإيراني كارلوس كيروش، جاهدين إلى نزع فتيل الضغط السياسي عن المباراة المصيرية، وتأكيد أن لا أبعاد لها غير التنافس الرياضي. وصرح كيروش خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين، أنه: "نريد الاستمتاع بكرة القدم ضد أمريكا، بعيداً عن السياسة".

ومن جانبه قال مدرب المنتخب الأمريكي غريغ بير هالتر: "أتصور أن المنافسة ستكون شديدة بسبب حقيقة أن كلا المنتخبين يريد العبور إلى الدور الثاني - ليس بسبب السياسة أو بسبب العلاقات بين بلدينا. نحن لاعبو كرة قدم وسنتنافس وسيتنافسون بدورهم وهذا كل ما في الامر".

لقاء بالورود

وليست هذه أول مرة يلتقي فيها المنتخبان، الأمريكي والإيراني، برسم دور مجموعات كأس العالم. بل سبق لهما أن التقيا في مباراة قبل 24 عاماً، في مونديال فرنسا 98، والتي أطلق عليها رئيس اتحاد كرة القدم الأمريكي السابق آلان روتنبرغ، لقب "أم المباريات". وانتهت بهزيمة الأمريكيين بهدفين لواحد.

ولم تخل تلك المباراة الأولى أيضاً من ثقل السياسة، وانعكس ذلك على طقوس المباراة بأكملها، بدءاً برفض إيران الالتزام ببروتوكول الفيفا الطبيعي، المتمثل في التوجّه إلى اللاعبين الأمريكيين للمصافحة قبل انطلاق المباراة، حيث تدخل الاتحاد الدولي للحيلولة دون ذلك.

ونُزع فتيل الأزمة المحتملة ببراعة من قبل الحكم السويسري أورس ماير، الذي اقترح أن يقف الفريقان لالتقاط صورة مشتركة. امتثل الإيرانيون بسعادة مقدّمين باقات من الورود البيضاء إلى نظرائهم الأمريكيين كرمز للسلام، ووقفوا كتفاً إلى كتف.

TRT عربي