انتخابات بلا نتائج واضحة… من سيقود الحكومة الإسبانية الجديدة؟
على الرغم من فوز حزب الشعب المحافظ بالانتخابات الإسبانية، يوم الأحد، فإن النتائج المتقاربة بينه وبين أحزاب اليسار بقيادة الاشتراكيين، تجعل مهمة تشكيله الأغلبية شبه مستحيلة. وهو ما يطرح تكهنات عدة بشأن هوية من سيقود الحكومة الإسبانية الجديدة.
من سيقود الحكومة الإسبانية الجديدة؟ / صورة: AFP (AFP)

على بعد عام من انتهاء ولايته، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، شهر مايو/أيار الماضي، عن حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة سابقة لأوانها. ذلك بعد الهزيمة التي مني بها حزبه، الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أمام المحافظين من حزب الشعب في الانتخابات المحلية.

هكذا عرفت إسبانيا، يوم الأحد، انتخابات برلمانية احتدم فيها السباق بين المحافظين الطامحين إلى تشكيل حكومة يمينية مستغلين شعبيتهم المتصاعدة مؤخراً، والاشتراكيين الساعين إلى حكم البلاد في ولاية ثانية، وبينهما اليمين المتطرف متمثلاً بحزب فوكس وتحالف سومار اليساري الراديكالي، اللذان ينويان دخول الحكومة لأول مرة في تاريخهما.

وكما كان متوقعاً، تصدر حزب الشعب النتائج النهائية للسباق الانتخابي، وحل الاشتراكيون ثانياً، غير أن أياً منهما لم يحقق الأغلبية المطلقة، ما يُجبر كل منهما للبحث عن تحالفات مع أحزاب أخرى، وهو ما يجعل مناخاً من الضبابية يسود على مستقبل الحكومة الإسبانية الجديدة، في وقت يتوقع أن تأخذ فيه مسألة تحديد هوية قائدها القادم وقتاً أطول ومسار مفاوضات عسيراً.

تصدّر اليمين، ولكن...

نجح حزب الشعب المحافظ في حصد المركز الأول في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، بما قدر عقب الفرز بـ136 مقعداً من أصل 350، ذلك لحصوله على نحو 8 ملايين و91 ألفاً و840 صوتاً، وهو ما يعادل نسبة 33.1% من إجمالي الأصوات. بينما حل الحزب الاشتراكي العمالي ثانياً بـ122 مقعداً، بحصوله على نسبة 31.7% من الأصوات.

وفي المركز الثالث، حل حزب فوكس اليميني المتطرف، الذي حصل على نحو 33 مقعداً في البرلمان. وحل تحالف سومار اليساري الراديكالي، الذي شُكل قبيل أشهر قليلة من الانتخابات، رابعاً بعدد مقاعد بـ31 مقعداً من أصل 350.

بالمقابل، حصدت الأحزاب القومية الكتالونية المركزين الخامس والسادس، وحصل حزب اليسار الجمهوري الكتالوني وحزب "معاً من أجل كتالونيا" على 7 مقاعد لكل منهما.

ويرى محللون، أن شعبية اليسار عاشت في الآونة الأخيرة تراجعاً واضحاً نظراً للأزمات الكبيرة التي واجهت حكومة بيدرو سانشيز، وعلى رأسها أزمة التضخم عقب الحرب في أوكرانيا، وتضرّر القدرة الشرائية للمواطن الإسباني جراء ذلك، على حين راهن اليمين، وخاصة التيار المتطرف منه، على الخطاب القومي والمعادي للمهاجرين، وخصوصاً بعد الصدامات الاجتماعية الأخيرة التي عرفتها فرنسا، والتي حولها زعيم فوكس سانتياغو ألباسكال إلى مطية لحملته الانتخابية.

بينما تضع هذه النتائج ضباباً كثيفاً على هوية الحكومة الإسبانية القادم، ذلك لفشل كل من المحافظين والاشتراكيين على تحقيق الأغلبية المطلقة، أي 176 مقعداً. وهو ما يضع حزب الشعب، رغم تصدره الاقتراع، أمام مهمة صعبة لتشكيل الأغلبية الحاكمة، وقيادة البلاد في تحالف يميني.

وعقب ظهور النتائج، احتفى زعيم حزب الشعب ألبيرتو نونيير فيخو، مع مناصريه، وأكد في خطاب ألقاه عزمه تشكيل الحكومة وانفتاحه على الحوار مع كل الأحزاب. ويعول فيخو بشكل كبير على إعادة سيناريو تحالفه مع فوكس في الانتخابات المحلية شهر مايو المنصرم، وعلى الرغم من ذلك سيظل ناقصاً بنحو 7 مقاعد عن تحقيق الأغلبية المطلقة.

ومن جانب، أبدى زعيم الاشتراكيين بيدرو سانشيز فرحة بما اعتبره إخفاقاً لغريمه المحافظ. وقال سانشيز، في خطابه عقب ظهور النتائج، إن الإسبان رفضوا "الكتلة الرجعية، التي اقترحت إلغاءً تاماً لكل التقدم الذي أحرزناه خلال السنوات الأربع الماضية". وردد أنصار الحزب شعار "لن يمروا" (No pasaràn)، الشعار التاريخي لمناهضي الفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية، في دلالة على معارضتهم دخول اليمين المتطرف إلى الحكومة.

الحل في يد الأحزاب الانفصالية

منذ يوم الثلاثاء، انطلقت محادثات تشكيل الحكومة الإسبانية، ويطمح تحالف اليمين بقيادة فيخو في تشكيل الحكومة. بينما يسعى سانشيز وحليفه سومار إلى عرقلة ذلك والظفر بولاية ثانية، على الرغم من حصولهما على 153 مقعداً فقط، ما يجعل حل هذا السباق في يد الأحزاب القومية الإقليمية.

وطرق فيخو بوابة الحزب القومي الباسكي، صاحب المقاعد الخمسة خلال الانتخابات الأخيرة، لكنه وجد الرفض جواباً لسؤاله. وكان الحزب القومي الباسكي قد غرد، بأن رئيسه أخبر فيخو بأن الحزب لن يدخل في أي محادثات لدعم تشكيل حكومة يمينية.

وصرّح فيخو يوم الثلاثاء، رداً على صدمة القوميين الباسكيين، قائلاً: "إن القول إنني أفتقر إلى الدعم بسبب محادثة مع مجموعة ما، هو نتيجة متسرعة". وأضاف، بأنه "سيكون من الخطأ السماح للانفصاليين بالحكم"، في إشارة إلى مساعي سانشيز التحالف مع الأحزاب القومية الإقليمية.

وفي السياق ذاته، قالت الكتلة القومية الغاليسية اليسارية، يوم الاثنين، إن النائب الوحيد الذي ظفرت به من الانتخابات، سيصوت لمصلحة سانشيز من أجل تجنب تكرار الانتخابات.

وبالنسبة لكتالونيا، ويرجح مراقبون أن نجاح سانشيز في كسب دعم اليسار الجمهوري الكتالوني، صاحب المركز الرابع و7 مقاعد، سيكون سهلاً نسبياً، لكون زعيم الحزب أوريول جونكيرا كان أحد المستفيدين من العفو عام 2020. مقارنة بمفاوضات الاشتراكيين مع حزب "معاً من أجل كتالونيا"، الذي قاد زعيمه الأسبق كارلس بوتشدمون محاولة انفصالية أحادية الجانب للإقليم عام 2017، قبل أن ينفى على أثرها إلى بلجيكا.

ويضع حزب "معاً من أجل كتالونيا" قبول مدريد بحق تقرير المصير للكتالونيين مقابل دعمه لحكومة سانشيز. وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الحزب بقوله: "اقتراح "معاً من أجل كتالونيا" واضح للغاية. إنه يتعلق بممارسة الحق في تقرير المصير والعفو (عن بوتشدمون)".

وإذا لم ينجح أي من الجنابين في تشكيل أغلبية حكومية، فسيتعين على البلاد إعادة سيناريو عام 2019 نفسه، إذ أُعيدت الانتخابات بعد انسداد في المفاوضات بين الاشتراكيين الذين تصدّروا نتائجها وحزب بوديموس اليساري الراديكالي.

TRT عربي