29 سنة على اغتيال بوضياف.. لماذا ترفض سلطات الجزائر إعادة فتح ملف الجريمة؟
في مثل هذا اليوم، قبل 29 سنة، كان الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف، يلقي خطاباً للشعب الجزائري، عندما سمع دوي إطلاق الرصاص وتهاوى كل من بالقاعة مختبئاً تحت مقعده. بعد ساعات قليلة أُعلن خبر اغتيال الرئيس بوضياف في عملية بقيت مثاراً للتساؤلات.
29 سنة على اغتيال بوضياف.. لماذا ترفض سلطات الجزائر إعادة فتح ملف الجريمة؟ (AFP)

في مثل هذا اليوم، قبل 29 سنة، كان الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف يلقي خطاباً للشعب الجزائري من قاعة المركب الثقافي بمدينة عنابة (شرق البلاد)، ونقل ذلك مباشرة على الهواء، حتى سُمع دوي إطلاق الرصاص في خلفيَّة الصورة، تهاوى كل من بالقاعة مختبئاً تحت مقعده، وبعدها قُطع البث. بعد ساعات قليلة كان الخبر قد أعلن بأن الرئيس محمد بوضياف قد فارق الحياة إثر محاولة اغتيال ناجحة.

عمليَّة الاغتيال هذه التي بقيت أحد الألغاز الأكثر إثارة في تاريخ الجزائر المستقلَّة، لا زالت تحيطها كتلة كبيرة من الغموض، والأسئلة التي تبحث عن إجابة.

عمل فردي أم اغتيال مدبَّر؟

محمد بوضياف، المقاوم الجزائري الكبير وأبرز مفجري ثورة التحرير ذات نوفمبر 1954، ورابع رؤساء البلاد الذي قادها في ظرف كان الأكثر دمويَّة في تاريخها، إثر أزمة تعطيل المسار الانتخابي الذي أغرقها في دوامة حرب أهلية دمويَّة، امتدت طوال عشريَّة التسعينيات السواداء.

رجوعاً إلى تفاصيل يوم 29 يونيو/حزيران 1992، كان الرئيس المذكور يلقي خطاباً لعموم الشعب بقاعة المركب الثقافي بمدينة عنابة (شرق البلاد)، خطاب كان يبث ساعتها مباشرة على شاشة القناة الوطنيَّة الجزائريَّة. وبعيدَ دقائق قليلة من بداية الرئيس حديثه، وكانت كلماته الأولى كما توثق ذلك مقاطع مصوَّرة، حول موضوع الإسلام والديمقراطيَّة. دوى انفجار قنبلة صوتية، فتدافع الحضور هلعاً للاختباء تحت مقاعدهم، تلاه رشق رصاص متتابع، قبل أن يقطع البث تحت هول الصدمة.

أصيب الرئيس في مقتل، وقضى نحبه متأثراً بجراحه، أما القاتل فنجح في الهروب خارج القاعة، قبل أن يسلِّم نفسه عند أقرب مركز شرطة. للكشف عن حقيقة ما حدث، ورضوخاً لضغط شعبي وسياسي، شكَّلت السلطة الجزائرية لجنة تقصي حقائق، ضمت عدداً من الفاعلين الحقوقيين إضافة إلى مناضلين في الحركة الوطنية، من رفقاء الفقيد بوضياف في النضال. وهي اللجنة التي خلصت إلى أن قتل الرئيس كان "فعلاً معزولاً"، منفِّذه هو ضابط في القوات الخاصة الجزائرية واسمه مبارك بومعرافي، نظراً لقناعاته "المتشددة" وانتقاماً من الرئيس لمواقفه إزاء حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". مستدلَّة على ذلك برسالة مكتوبة بخط اليد نسبت إلى بومعرافي قيل إنه وجهها إلى صديق له، لدعم "اعترافاته".

لم يكن هناك "مؤامرة على الدولة والجيش لكن كان هناك بالفعل مؤامرة ضد #بوضياف علم الرأي العام الجزائري مؤخرا بالإفراج عن...

Posted by ‎ناصر بوضياف Nacer Boudiaf‎ on Sunday, January 10, 2021

لم تلقَ خلاصات اللجنة المذكورة إجماعاً بشأن صيغة تقديمها للجريمة، كما لطابعها الفردي. بل إن الإجماع لم يتحقق حتى داخل أعضائها كالناشط الحقوقي يوسف فتح الله الذي رفض التوقيع على هذه الخلاصات ليتم اغتياله لاحقاً في وضع غامض. فيما يحمل تقريرها ما رأى فيه الكثيرون ثغرات تصب في طرح الاغتيال المدبَّر. خاصة أن إدماج الملازم مبارك بومعرافي في مجموعة التدخل، التي انضافت إلى الحرس الرئاسي، تم في آخر لحظة، وكان يحمل أمراً فردياً بمهمة ولم يكن اسمه في قائمة فريق التدخل في الأول وتم وضعه مباشرة خلف الستار.

اتهامات بالتعتيم

إلى اليوم يرفض نجل الرئيس محمد بوضياف، ناصر بوضياف، فرضيَّة أن مقتل والده كان "عملاً فردياً"، موجهاً أصابع الاتهام بتدبير الاغتيال إلى وزير الدفاع وقتها خالد نزار، وإلى مدير المخابرات يومها محمد مدين الملقّب بـ"توفيق". وللمفارقة، أن هؤلاء الذين يتَّهمهم نجل بوضياف هم من ثار ضدهم الشعب الجزائري في حراكه الأخير، كما أنه تم اعتقالهم لمتابعة التحقيق معهم في قضايا "تآمر على الجيش" و"تآمر على الدولة".

مطلع السنة الجارية، برَّأت المحكمة الجزائرية كلاً من نزار ومدين من التهم المنسوبة إليهما، الأمر الذي أثار حفيظة ناصر بوضياف، ودفعه إلى تكرار مطلبه بفتح تحقيق جديد في قضيَّة اغتيال والده. حيث دوَّن وقتها "لم يكن هناك مؤامرة على الجيش، لكن كانت هناك مؤامرة ضدَّ المرحوم بوضياف".

وأضاف: "قد استخدم الأشخاص الأربعة حقوقهم في الاستئناف. ربحوا قضيتهم. تم إطلاق سراحهم. برافو للعدالة الجزائرية. كل ما أملك أنا وعائلتي، بعد مرور ثمانية وعشرين عاماً، هو عشرات المقالات الخاضعة للرقابة، حاولت من خلالها ممارسة حقوقي في الاستئناف ضد قرار "العدالة" الذي وصف الاغتيال الجبان لمحمد بوضياف بـ"الفعل المعزول"".

فيما يحمِّل بوضياف السلطات الجديدة في الجزائر ما يعتبره تعتيماً على قضية، هو الذي طالب مراراً بإعادة فتح التحقيق في ملفها، وفي كل مرَّة كان يقابل طلبه بالرَّفض. فـ"هل اغتيل محمد بوضياف لأنه أول رئيس دولة جزائري يندد من مكانته العالية بالمافيا السياسية المالية؟ هل اغتيل بسبب عدم كفاءة الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حمايته؟ أم أنها هي الأخرى جزء من المؤامرة؟" يتساءلُ نجل الرئيس السابق، مرحباً "بالقضاء الجزائري إن أجابني عن أسئلتي".

TRT عربي