آلاف يهربون من واقع "جديد" .. ماذا وراء هجرة الأمريكان إلى أوروبا؟
على الرغم من أن العنف والصراع السياسي ليسا فقط ما يدفعان هجرة الأمريكيين إلى أوروبا، فإنهما يمثلان عوامل حاسمة تدفع الأفراد إلى البحث عن بدايات جديدة عبر المحيط الأطلسي. كما تلعب العوامل الاقتصادية أيضاً دوراً مهماً في قرار الهجرة هذا.
العَلم الأمريكي إلى جوار عَلم الاتحاد الأوروبي أمام مبنى الاتحاد في بروكسل (Others)

في السنوات الأخيرة، كانت هناك زيادة ملحوظة في هجرة الأمريكيين إلى أوروبا، مما أثار تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء هذا الاتجاه. ورغم أن الهجرة كانت جزءاً من تاريخ البشرية لعدة قرون، فإن الأسباب المحددة التي دفعت الأميركيين إلى اختيار أوروبا موطناً جديداً لهم تستحق أن توضع تحت المجهر.

حسب الإيكونوميست، المهاجرون الأمريكيون لا يأتون للاستمتاع بالعالم القديم بل للهروب من العالم الجديد. مشيرةً إلى قول جيمس بالدوين، الكاتب الأسود، عن قراره الهجرة عام 1948: "لم أكن أعرف ماذا سيحدث لي في فرنسا، لكنني كنت أعرف ما سيحدث لي في نيويورك"، وذلك في إشارة إلى النزعة العنصرية ضد الأمريكان السود في تلك الفترة.

وفي سياق متصل، قالت المجلة البريطانية إن أحد العوامل المهمة التي تدفع هذه الهجرة هي الرغبة في الهروب من العنف والصراع السياسي الذي تصاعد في أجزاء معينة من الولايات المتحدة. نتناول في هذا التقرير أبرز العوامل والديناميكيات المختلفة التي تسهم في اتجاهات الهجرة هذه.

هجرة الأمريكيين في أرقام

في الفترة بين 2013 و2022، ارتفع عدد الأميركيين في هولندا من نحو 15500 إلى 24000؛ وفي البرتغال تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى ما يقرب من 10000؛ وفي إسبانيا ارتفع العدد من نحو 20 ألفاً إلى نحو 34 ألفاً.

وفي أماكن أخرى، مثل فرنسا وألمانيا وبلدان الشمال الأوروبي، ارتفع العدد بشكل معتدل أو ظل ثابتاً. وتعتقد بريطانيا أن عدد الأمريكيين المقيمين ارتفع من 137 ألفاً في 2013 إلى 166 ألفاً في 2021 (آخر تقدير)، وفق الإيكونوميست.

في الوقت نفسه، يقول المزيد والمزيد من الأمريكيين إنهم يريدون الخروج من بلادهم. قليل من أولئك الذين تعهدوا بالمغادرة إذا انتُخب دونالد ترمب في عام 2016 فعلوا ذلك بالفعل. لكن مؤسسة "غالوب" لاستطلاعات الرأي، وجدت في عام 2018 أن نسبة الأمريكيين الذين قالوا إنهم يرغبون في الانتقال بشكل دائم إلى بلد آخر ارتفعت من 11% في عهد باراك أوباما إلى 16% في عهد ترمب؛ وبحلول عام 2022، بلغت النسبة 17%، على الرغم من انتخاب جو بايدن.

ووجد استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" العام الماضي أن أولئك الذين يفكرون في الهجرة كانوا في معظمهم من الليبراليين. وليس من المستغرب أن يكون المحافظون أقل ميلاً إلى القول بأنهم يريدون مغادرة بلادهم.

أسباب سياسية

على الرغم من أن المعدل يعد ضئيلاً -بضع عشرات الآلاف من المهاجرين من أصل عدد سكان يبلغ 330 مليون نسمة- فإن الكثير من المغتربين الجدد يقولون إنهم غادروا البلاد جزئياً بسبب اليأس من الاتجاه الذي تتجه إليه الولايات المتحدة.

أحد الدوافع الرئيسية وراء قرار بعض الأمريكيين الانتقال إلى أوروبا هو السعي وراء الأمان والاستقرار. وشهدت الولايات المتحدة ارتفاعاً في حوادث العنف والاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة. أدت عمليات إطلاق النار الجماعية والاضطرابات المدنية والانقسامات السياسية المثيرة للجدل إلى شعور الكثير من الأفراد بعدم الأمان وعدم اليقين بشأن مستقبلهم. وفي المقابل، فإن بعض الدول الأوروبية معروفة بانخفاض معدلات الجريمة نسبياً، وشبكات الأمان الاجتماعي الراسخة، والاستقرار السياسي، مما يجعلها وجهات جذابة لأولئك الذين يبحثون عن اللجوء من العنف والصراع.

ووفقاً للأمريكية كارولين بهرينغر، المساعدة السابقة لنانسي بيلوسي التي انتقلت للعيش في هولندا بعد فوز ترمب عام 2017، بالنسبة لمعظم المغتربين، لم تكن السياسة هي السبب وراء مغادرتهم بقدر ما كانت سبباً لعدم العودة. وأضافت قائلة: "ليست الانتخابات فقط، بل الانقسام المستمر".

دوافع اقتصادية

قالت تريسي ميتز، التي ترأس معهد جون آدامز، وهو مركز ثقافي أمريكي هولندي: "الشيء الذي نسمعه طوال الوقت هو أن التوازن بين العمل والحياة أفضل بكثير هنا". وبينما يكدح العمال الأميركيون 1811 ساعة سنوياً، والأوروبيون 1571 ساعة؛ يعمل الهولنديون 1427 ساعة سنوياً فقط.

كما ينجذب بعض المهاجرين إلى شبكات الأمان الاجتماعي القوية في أوروبا. وهناك عوامل أخرى أكثر واقعية، فقد جعلت الزيادة الهائلة في العمل عن بُعد في أثناء الوباء العيش في الخارج أكثر جدوى. فيما يقدم الكثير من البلدان تأشيرات "البدو الرقمي" للعاملين المستقلين في مجال التكنولوجيا.

والدول الأوروبية التي تجذب معظم الأمريكيين أقامت صفقات مغرية للأجانب. إذ تسمح هولندا للشركات بإعفاء 30% من دخل العمال الأجانب المهرة من الضرائب. في البرتغال، تتطلب تأشيرة الإقامة دخلاً لا يتجاوز 150% من الحد الأدنى الوطني للأجور، أو نحو 1100 يورو شهرياً، وهي عقبة سهلة للمتقاعدين الأمريكيين.

من جهتها، تقول أماندا كليكوفسكي فون كوبنفيلز، من جامعة كينت، وهي خبيرة في شؤون المغتربين الأمريكيين: "يسافر الكثير من أجل التعليم أو العمل، ويقعون في الحب ويستقرون". وأضافت: "لا يزال الأمريكيون أكثر ثراءً من الأوروبيين. ولكن عندما يأتون إلى القارة، فإنهم لم يعودوا يصلون كداعمين للمساواة إلى أراضي الأرستقراطية والتحيز. وبدلاً من ذلك، فإنهم معجبون بالرعاية الصحية الشاملة في أوروبا، ووسائل النقل العام الفعالة، وانخفاض معدلات الجريمة، وانخفاض فجوة التفاوت في الدخل".


TRT عربي