دأبت الحكومة الإسرائيلية والحلفاء الغربيون وإعلامهم، على نشر الأخبار الزائفة وتلفيق الأكاذيب، بهدف محاولة شيطنة المقاومة الفلسطينية وغسل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق المدنيين في غزة, تزامناً مع العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ حوالي 3 أسابيع، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى.
استمرار الأخبار الزائفة والتلفيقات
بعد الهجوم المباغت على غلاف غزة، روجت وسائل إعلام إسرائيلية لكذبة إقدام المقاومة الفلسطينية بقطع رؤوس نحو 40 طفلاً. وهو الادعاء الذي وصل حتى قمة هرم السلطة في الولايات المتحدة، الرئيس جو بايدن، الذي ردده في خطابه في الـ 10 أكتوبر/ تشرين الأول، مشدداً على أنه اضطلع على تقارير تؤكده.
لكن بعد ذلك، أثبتت التحقيقات الصحفية زيف ذلك الادعاء وعدم استناده إلى أي دليل صلب. فتراجع البيت الأبيض عن تصريحات الرئيس، مؤكداً أن بايدن لم يطّلع على أي تقارير تؤكد وقوع تلك الجرائم الشنيعة بحق الأطفال، وأنه استند إلى تقارير إخبارية وادعاءات من قبل الحكومة الإسرائيلية.
ولم يكتف المسؤولون الغربيون وإعلامهم بهذا الإحراج للرئيس الأمريكي، بل قرروا الاستمرار في منحى نشر الأخبار الزائفة بحق الفلسطينيين، تارة لشيطنة المقاومة، وتارة أخرى لتبرئة إسرائيل مما تقوم به من فظاعات في حق المدنيين في غزة، والتي ترقى حسب منظمات دولية لمستوى "جرائم الحرب".
كيف تم دحض معظم افتراءات إسرائيل؟
ويواصل الإعلام الإسرائيلي وحليفه الغربي ترديد مزاعم وقوع حالات اغتصاب للنساء أثناء هجوم المقاومة، معززاً ذلك بمقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، يزيف حديث أحد عناصر القسام بأنه دعا لاغتصاب إحدى النساء المحتجزات.
وفي تحقيق أجراه مكتب مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية، ثبت أن الحديث المنسوب لمقاتل حماس في الفيديو مضاف في الترجمة العبرية والإنجليزية للحديث، فيما النص الأصلي العربي للكلام كان كالآتي: "دعوها في حالها إنها امرأة".
ومن جهة أخرى، سعى الجيش الإسرائيلي إلى تبرئة نفسه من ارتكاب مجزرة مستشفى الأهلي المعمداني، والتي أسقطت نحو 500 شهيد فلسطيني. ونسب الاحتلال الانفجار الذي وقع في المبنى إلى "إطلاق خاطئ لأحد صواريخ المقاومة"، وعلل ذلك بمقطع فيديو منسوب للحادث يبين سقوط إحدى القذائف على المستشفى.
وفند مركز مكافحة التضليل التركي ادعاءات الجيش الإسرائيلي، قائلاً في بيان بأن "الادعاءات التي تناقلتها بعض الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص سقوط إحدى القذائف التي أُطلقت باتجاه إسرائيل على المستشفى، في البث المباشرة لقناة الجزيرة، غير صحيحة. وفي الخبر الذي يتم تداوله كمستند لهذا الادعاء، يتم الحديث فيه عن الهجمات الإسرائيلية".
وأضاف المركز بأن مسؤول الإعلام الرقمي السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حنانيا نفتالي، نشر منشورا أعلن فيه أن "سلاح الجو الإسرائيلي ضرب مستشفى في غزة"، بعد الهجوم الإسرائيلي على المستشفى الأهلي المعمدان في غزة مباشرةً، وقامت بحذف هذا المنشور بعد فترة قصيرة.
كما ذكر مركز مكافحة التضليل أن الحساب المفتوح باسم فريدة خان الذي يعرّف عن نفسه بأنه يعمل صحفياً في قناة الجزيرة، والذي قال إن "الصاروخ الذي أصاب المستشفى أُطلق من غزة"، اتضح أنه حساب لا علاقة له بقناة الجزيرة وتم استخدامه لأغراض التلاعب".
ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن التحليل البصري التفصيلي، الذي أجرته يخلص إلى أن المقطع المتداول لـ "انفجار المعمداني" يظهر شيئا آخر. مشددة على أن "الصاروخ الذي يظهر في الفيديو، من غير المرجح أن يكون قد تسبب في الانفجار في المستشفى، ولم يكن قريباً منه على الإطلاق".
ومع تطور الأحداث في غزة، برزت الأهمية الكبرى لنشاط مكتب مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية، في دحض الافتراءات الإسرائيلية على الفلسطينيين. وهو ما أكده رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، بقوله إن "مركز مكافحة التضليل بتركيا يلعب دوراً بالغ الأهمية في فضح حملات التضليل والمعلومات الكاذبة في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
موجة تضليل عنيفة
وفي حديث سابق له لـTRT عربي، قال المختص في التحقق الإخباري بوكالة سند، مولود صياد، بأن: "الحرب الجارية في الأراضي المحتلة شهدت واحدة من أعنف الهجمات التضليلية التي تستهدف المقاومة والشعب الفلسطيني، وهو ما يترجم في أخبار زائفة كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام الغربية، ومن أبرزها الزعم بوجود رضع جرى قطع رؤوسهم".
"مثلت هذه المزاعم قمة التضليل الذي مارسته تلك الوسائل الإعلامية"، يقول المتخصص في كشف الأخبار الزائفة، ويضيف: "رأينا كيف استطاعت هذه الكذبة أن تروَّج دولياً، لدرجة وصلت بها إلى قادة وزعماء، ودخلت البيت الأبيض وصرح بها الرئيس الأمريكي (...) وبالرغم من تراجع واشنطن عن هذه التصريحات، تركت لدينا هذه الأحداث انطباعاً سيئاً وجعلتنا نقول إن هناك موجة تضليل واسعة تجري".
بالمقابل، يرى حسام الهندي، خبير التحقق الإخباري ومدير منصة "FactCheck بالعربي"، بأن "انتشار المواد المضللة والكاذبة يحصل طوال الوقت، لأسباب معينة من بينها اعتبار انتشار هذه الأخبار نوعاً من الدعم المعنوى للطرف الذي يؤيده مصدرها"، لكن "الجديد مع بداية الأحداث في غزة، هو أن بعض وسائل الإعلام الغربية ومسؤولين كباراً غربيين، منهم رئيس دولة، رددوا هذه المزاعم دون تحقق من صحتها أو استقصاء تأكيدها من طرف مستقل".
ويضيف الهندي، في حديثه لـTRT عربي، أن إقبال وسائل الإعلام الغربية على نشر تلك الادعاءات الزائفة "أقرب للرؤية الأمريكية الساذجة لكل شيء حولها، يعني قيل لهم: حماس قتلت 40 طفلاً، فنقلوا الكلام حرفياً دون تشكيك (...) بالنظر إلى أن رقم 40 مثير للريبة، يعني لماذا 40؟ لماذا لم يقولوا 41 أو 39؟ (...) وهذا ينطبق أيضاً على الادعاء بوجود اغتصابات".
ويخلص مدير "FactCheck بالعربي"، قائلاً: "نحن أمام طرف منحاز سياسياً، يحمل وجهة نظر وتفكيراً ساذجين، استطاع الإسرائيليون أن يتلاعبوا به! ولولا وجود إعلام محترم في تلك الدول لكانت هذه التصريحات والمزاعم حقائق لا ينفيها أحد، إذ إن كلام المسؤولين هنا مختلف عن انتشار الشائعات الطبيعي والعادي، لأنه موثق بصفة المتحدث".