إسرائيل وجيشها.. تاريخ من خرق الهدنات
خلال سنوات حكم حركة حماس لقطاع غزة بعد الخروج الإسرائيلي منها، اعتدى الاحتلال على القطاع مرات عديدة، وكانت كل مرة تنتهي بهدنة بين الطرفين، إلا أن إسرائيل دائماً ما كانت تمارس عادتها في خرق الهدنات.
Israeli army / صورة: AA (AA)

انتهت الهدنة المؤقتة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس من دون تمديد، ورغم أن إسرائيل لم تسكت ضرباتها تماماً خلال الأيام الماضية، فإنها بدأت فور موعد الانتهاء الرسمي في استئناف القتال مباشرة.

وشن الاحتلال هجمات مكثفة على القطاع أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وبينما كانت الهدنة الإنسانية الأخيرة فرصة لأهل غزة لالتقاط الأنفاس من الحرب التي زاد ضحاياها خلال نحو 50 يوماً عن 15 ألف شهيد، فإن اختراقات الجيش الإسرائيلي للهدنة الإنسانية منعهم من ذلك.

تعريف الهدنة.. لا تعرفه إسرائيل

تعني الهدنة الإنسانية بين أي طرفين متحاربين أن تقف جميع الأعمال القتالية بينهما، ومن المتعارف عليه ألّا تمثل الهدنة نهاية حقيقية للحرب، لكنها تقف إطلاق النيران ولو لمدة محددة يجري خلالها التفاهم حول ما بعد الهدنة، وما إذا كانت هناك فرصة لإنهاء حالة الحرب أو الإبقاء على وضع الهدنة بين طرفين متحاربين أو العودة إلى الحرب مرة أخرى.

وللجيش الإسرائيلي تاريخ طويل في الدخول في هدنات عسكرية ثم خرقها، وذلك منذ الوقت المبكر لإعلان "دولة إسرائيل" عام 1948، وكان أبرزها الهدنات التي وقعتها إسرائيل "الوليدة" في ذلك الوقت مع الجيوش العربية التي حاربتها في حرب 1948.

ولم تلتزم تل أبيب كثيراً من الهدنات التي يجري إبرامها بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية على مدار سنوات الحرب بينهما، ونستعرض في السطور التالية هذا التاريخ من خرق أشهَر الهدنات من قِبل إسرائيل.

الهدنة الأخيرة.. خُرقت أيضاً

بعد أن جرى التوصل إلى هدنة عسكرية بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس في قطاع غزة بدأت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وانتهت مساء 30 من الشهر ذاته، أعلنت الحركة عن خرق الجيش الإسرائيلي للهدنة الإنسانية في أول أيامها، بإطلاقها النيران على الفلسطينيين واستشهاد اثنين.

كما أن خرق الهدنة هذه المرة لم يتمثل فقط في ضرب النيران تجاه المواطنين الفلسطينيين، بل امتد إلى التعنت في إدخال المساعدات إلى شمال غزة عن طريق معبر رفح البري، لتكون أقل بكثير مما جرى الاتفاق عليه بين إسرائيل وحركة حماس عبر الوساطة الأمريكية-القطرية-المصرية، إذ جرى الاتفاق على إدخال مساعدات إنسانية وطبية ووقود إلى مناطق القطاع كافة.

بالإضافة إلى ذلك، تجاهلت إسرائيل ما اتُّفق عليه بشأن طريقة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، التي وُضعت على أساس الأقدمية عند الاتفاق على الهدنة.

هدنات لم تستمر في غزة

خلال سنوات حكم حركة حماس لقطاع غزة بعد الخروج الإسرائيلي منها، اعتدى الاحتلال على القطاع مرات عديدة، وكانت كل مرة تنتهي بهدنة بين الطرفين، إلا أن إسرائيل دائماً ما كانت تمارس عادتها في خرق الهدنات.

في عام 2019 جرت هدنة بين المقاومة وإسرائيل بعد عملية إسرائيلية أطلق عليها وقتها اسم "صيحة الفجر"، وكان من ضمن شروطها وقف عمليات الاغتيال، وتخفيف حصار تل أبيب للقطاع، وهو ما لم يحدث من قِبل إسرائيل.

وفي عام 2014 خرقت إسرائيل هدنة أيضاً، جرى التوصل إليها بعد عدوان استمر من القوات الإسرائيلية على القطاع لمدة 50 يوماً، ورغم مقتل أكثر من 2000 شخص من فلسطينيي غزة وقتها، فإنّ إسرائيل لم تفِ ببنود الهدنة وعادت للتصعيد في القطاع.

أمّا هدنة عام 2012 فكانت نتيجةً للحرب الإسرائيلية على غزة لمدة 8 أيام، وجرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، ليجري على أساسها وقف قوات الاحتلال الإسرائيلي لكل أعمالها الحربية برياً وجوياً وبحرياً، على أن تقوم الفصائل الفلسطينية بنفس الشيء، لكن هذه الهدنة انهارت سريعاً بعد اتهام إسرائيل وقتها لمصر بأنها تنحاز إلى حركة حماس، إذ كانت الهدنة بوساطة مصرية.

وفي 2008 بعد حرب إسرائيلية قصيرة المدى على قطاع غزة جرى التوصل إلى هدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية لمدة 6 أشهُر، وبينما كانت هذه الهدنة تتضمن تخفيف الحصار العسكري على غزة، شنّت إسرائيل بعد شهر واحد من دخول الهدنة حيز التنفيذ في 19 يوليو/تموز هجوماً برياً موسعاً على غزة.

هدنات حرب 48

بعد تدخل دولي خلال حرب 1948 التي شنتها الجيوش العربية ضد إسرائيل، أُقرت هدنة أولى في 29 مايو/أيار بوساطة الأمم المتحدة، لكن إسرائيل هاجمت قرى فلسطينية ودمرتها تماماً، مثل المزار في حيفا والمنشية في عكا.

ومن خلال الأمم المتحدة أيضاً جرى التوصل إلى اتفاق هدنة ثانية في العام نفسه، لكن إسرائيل انتهكتها بتنفيذ عمليات عسكرية هدمت خلالها قرى فلسطينية وطردت سكانها، مثل قرى عين غزال وجبع في حيفا بجانب احتلالها لهم، كما طرد الجيش الإسرائيلي البدو وسكان القرى من صحراء النقب.

وفي عام 1949 عُقد اتفاق هدنة بين مصر وإسرائيل، وتعهدت الدولتان خلاله بعدم عدوان طرف ضدّ الآخر، وذلك بعد مشاركة مصر في حرب 1948، ولكن إسرائيل شاركت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، في خرق واضح للهدنة الموقعة بين الطرفين، وكانت هذه الهدنة تنص في مادتها الأولى على عدم لجوء مصر وإسرائيل إلى القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما لم تلتزمه إسرائيل قَط.

وفي أعقاب حرب 1948 أيضاً وقعت إسرائيل هدنة أخرى منفردة مع سوريا في 20 يوليو/تموز 1949، لكن إسرائيل نقضت تلك الهدنة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1955 بالهجوم على سوريا، في ما عُرف وقتها باسم "عملية أوراق الزيتون".

خوف تاريخي من الالتزام

قال وزير شؤون المفاوضات الفلسطينية الأسبق حسن عصفور إنّ الجيش الإسرائيلي يخرق الهدنات وكل شيء بسبب "عقدة الخوف الدائمة لديهم، كونهم أقلية في محيط ليس محيطهم، كما أنه لا يوجد لديهم حق، ويشعرون دائماً أنهم غرباء".

ويضيف عصفور لـTRT عربي أن المظاهرات الإسرائيلية الأخيرة التي كانت ضد نتنياهو كان تخوفها الأساسي من كون الحرب الجديدة "قد تدمر الدولة"، وهو ما لا يريده الإسرائيليون ويتخوفون منه دائماً، "بمعنى أنها أزمة وجود".

ويوضح أن مسألة خرق إسرائيل للهدنات متعلقة أيضاً بحالة الإرباك الحاصلة لديهم في الداخل، لأن الإسرائيليين يشعرون دائماً أنهم مهددون بالمحو إذا ما التزموا أي اتفاقيات، مشيراً إلى أن الإسرائليين اغتالوا إسحاق رابين لأنه كان يريد السلام مع الفلسطينيين.

واعتبر عضو المجلس الوطني الفلسطيني أن عدم الالتزام الإسرائيلي بالهدنات أو الاتفاقات له سياق تاريخي متعلق بالأساس بسقف الحرب الموضوع من البداية، الذي يراه "قراراً وُضع من أمريكا"، ويفسر حضور وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين لمجلس الحرب الإسرائيلي، "لذا وقف الحرب هذه المرة سيأتي من واشنطن لا من تل أبيب"، وفق عصفور.

TRT عربي