التكنولوجيا تنقلب على نفسها.. كيف هدّدت مشكلة تقنية إمبراطورية فيسبوك؟
تعرّض فيسبوك لواحدة من أسوأ أزماته التي قدرت خسائرها بالمليارات، إثر عطل فني استمر عدة ساعات، ليكتفي عملاق التكنولوجيا بعدها ببيان مقتضب يشرح سبب المشكلة، لكن ما حقيقة ما حدث؟
لاحقاً أعلنت فيسبوك في بيان أن العطل سببه "تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم التي تربط المنصّات بمستخدميها" عبر الإنترنت.   (AFP)

في أزمة وصفت بأنها واحدة من أسوأ الكوارث التي مر بها عملاق التكنولوجيا "فيسبوك" في تاريخه، تعطل الموقع الشهير والتطبيقات التابعة له "إنستغرام" و"واتساب"، لمدة تزيد عن 6 ساعات حول العالم، وأدى ذلك إلى خسارات هائلة قدرّت بمليارات الدولارات.

ظل سبب العطل غير واضح، وإن كان طول المدة مع خسارة الشركة الفادحة بمرور كل دقيقة، عكس طبيعة المشكلة التي يبدو أنها "ضخمة" وغير معتادة.

لاحقاً، أعلنت فيسبوك في بيان أن العطل سببه "تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم التي تربط المنصّات بمستخدميها" عبر الإنترنت.

وأوضحت الشركة أن ذلك العطل تسبب في "سلسلة من المشاكل أثرت على أدوات وأنظمة كثيرة نستخدمها داخلياً بشكل يومي"، لافتة إلى أن ذلك ما عرقل جهود تشخيص المشكلة وحلها.

فما طبيعة ذلك العطل التقني؟

تتبع موقع "Wired" تلك المشكلة المعقدة، وكشف عن أن خروج التطبيقات الثلاثة عن الخدمة، كان بسبب تعذّر الوصول إلى ما يعرف بنظام الـDNS أو نظام أسماء النطاقات.

وهو نظام يخزن المعلومات التي تتضمن أسماء نطاقات الإنترنت Domain Name System، في قاعدة بيانات لا مركزية هائلة على الإنترنت.

يمكن فهم طريقة عمل ذلك النظام بتخيله كدفتر هاتف للإنترنت، يقوم بترجمة أسماء المضيف التي نكتبها في متصفح الإنترنت الخاص بنا URL، مثل Facebook.com، ويقوم بتحويلها إلى عناوين IP، تنقلنا إلى المكان الذي تحتله تلك المواقع داخل الشبكة العنكبوتية.

وبسبب أن مشاكل الـDNS شائعة نسبياً ويمكن حلها سريعاً، يبدو أن ما واجهته "فيسبوك" كان أعقد من ذلك.

يقول تروي مورش، كبير الباحثين في شركة الأمن السيبراني Bad Packets: "يبدو أن تعطل نظام DNS هو أحد أعراض المشكلة، وليس المشكلة بأكملها".

ويرجّح مورش وعدد من الخبراء، أن "فيسبوك" قد سحب ما يُعرف باسم نظام الملاحة والتوجيه Border Gateway Protocol، وهو الذي يضمن إيصال عناوين الـIP للخوادم التي تحمل أسماء النطاقات.

لفهم الأمر بطريقة أبسط، إذا كان يمكن تخيل الـDNS كدفتر هاتف للإنترنت، يمكن تخيل الـBGP كنظام الملاحة الخاص به، إنه المسؤول عن توجيه البيانات في مسار محدد لضمان وصولها إلى خوادمها الصحيحة، أي أنه يربط الشبكة الداخلية لفيسبوك بالشبكة الخارجية للإنترنت لضمان الاتصال.

أسئلة بلا أجوبة

جاء بيان فيسبوك لتوضيح سبب العطل مقتضباً ويفتقر إلى أي تفاصيل فنية، دون أن يقدم إجابة عن الأسئلة الرئيسية المتعلقة بالأزمة.

السؤال الأهم الذي طرحه الخبراء، حسب موقع Wired، هو لماذا اختفى نظام الملاحة BGP في المقام الأول؟

يرجّح جون جراهام كومينغ، مدير التكنولوجيا في شركة "كلاود فلير"، أن "فيسبوك" قام بتغيير ما في نظام الملاحة نفسه، الذي يربط الموقع ببقية الإنترنت، وهذا التغيير غير معروف سببه أو هدفه.

وتابع كومينغ: "في النهاية، الإنترنت هو شبكة تحوي مجموعة هائلة من الشبكات التي يعرّف كل منها عن نفسه للآخر، فيحدث الاتصال، لسبب ما، توقف فيسبوك عن تعريف نفسه، فاختفى من الشبكة".

وحينما حدث ذلك، انفصلت الشبكات الداخلية الخاصة بفيسبوك وتطبيقاتها ولم يعد بإمكانها الوصول إلى الإنترنت الخارجي، وهو ما عرقل محاولات موظفيها لحل المشكلة وتشخيصها عدة ساعات.

الأمر أشبه بلحظة تنقلب فيها التكنولوجيا على نفسها وتتحول إلى دائرة مفرغة، يمكن شرحه ببساطة كالتالي: "أصبح فيسبوك عالقاً وغير قادر على الوصول إلى الإنترنت لإصلاح عطل نظام الملاحة والتوجيه BGP، الذي بدوره يمكنه من الوصول إلى الإنترنت!"، وفق موقع Wired.

يوضح كومينغ "الإنترنت هو نظام يذكرنا بمدى الترابط وهشاشته في الوقت نفسه، هذه هي الطريقة التي يعمل بها، ويظل كذلك على مستويين، المستوى الأول الجانب التقني الذي يضمن ترابطه، والمستوى الثاني يعتمد على الأشخاص الذين يراقبون عمله ليلاً ونهاراً"، وكلاهما يؤثر في الآخر بطريقة يصعب فصلها.

فهل سيكشف "فيسبوك" حقيقة ما حدث خلال الأيام المقبلة؟ أم سيكتفي بردود مقتضبة تستغل جهل المستخدمين بالتفاصيل الفنية، كي يتمكن من فرض قواعده الخاصة على الجميع؟

TRT عربي - وكالات