الكوليرا تزداد انتشاراً حول العالم.. كيف يمكن مواجهتها؟
تصنف الكوليرا من الأمراض المحجرية، التي قد تسبب وباءً في حال لم يُسيطَر عليها، ونقصد بالمحجرية أن المصاب بها يجب أن يُحجَر للوصول إلى الشفاء، وتتراوح فترة الحضانة بين ساعتين إلى خمسة أيام قبل ظهور الأعراض
الكوليرا تزداد انتشاراً حول العالم / صورة: AA (AA)

رغم كونه كائناً دقيقاً فإنه شديد الفوعة، وتستخدمه هيئات دولية مقياساً على انعدام المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، ويوصف بأنه شديد الفوعة لأنه يمتلك مواد وأدوات تشبه إلى حدّ كبير أسلحة يستخدمها للانتشار في الجسم وتكوين مستعمرات ومراوغة جهاز المناعة وإحداث أضرار في الجسم.

أما استخدامه مقياساً على حالة انعدام المساواة فيتمثل في فقدان بعض المجتمعات حقوقها، فالجميع يجب أن يحصلوا على المياه النظيفة للشرب، وأن يكون لهم مرافق صحية تؤمن لهم حياة كريمة، لكن انتشار هذا الكائن الدقيق يكشف أن هذا الشرط غير محقق، فيلزم التحرك الطبي بشكل عاجل.

نتحدث هنا عن الكوليرا، وتُعرف بأنها عصيات جرثومية، وفي هذا الصدد نتحدث عن الفروق بين الأحياء الدقيقة، الأول منها الجراثيم، ولها أشكال عدّة، مثل المكورات والعصيات (الكوليرا عصيات جرثومية).

والثاني هو الطفيليات، وأيضاً تصنف وفق تصنيفات، ومثال عليها الديدان التي تصيب البطن وتظهر في البراز، وتعالج بما يطلق عليه شعبياً (دواء دود)، أما الثالث فهو الفيروسات، وتعتبر كورونا مثالاً شائعاً لها.

وتعتبر العصيات الجرثومية التي تسمى الكوليرا أو ضمة الكوليرا من البكتيريا الضمية أو الواوية، أي تشبه حرف الواو، وهي متحركة ولها سوط واحد تهاجم مخاطية الأمعاء عبر مادة تفرزها تسمى ذيفان، وهي أحد أسلحة الجرثوم للهجوم، وبعد إفراز الذيفان تبدأ الأعراض بالظهور.

أين تكمن الخطورة؟

تصنف الكوليرا من الأمراض المحجرية، التي قد تسبب وباءً في حال لم يُسيطَر عليها، ونقصد بالمحجرية أن المصاب بها يجب أن يُحجَر للوصول إلى الشفاء، وتتراوح فترة الحضانة بين ساعتين إلى خمسة أيام قبل ظهور الأعراض، ونسبة كثيرة من الناس لا تظهر لديهم الأعراض ويكونون حاملين للجرثوم فقط.

وتكمن هنا الخطورة، فالذين لا تظهر عليهم الأعراض يساهمون بنشر العدوى، وقد تظهر الأعراض لاحقاً أو لا تظهر.

أما نشر العدوى فيأتي من خلال شرب المياه الملوثة والأطعمة غير المعقمة بشكل صحيح، وبشكل رئيسي الملوثة بالفضلات البشرية، فكثيراً ما نسمع اختلاط شبكات الصرف الصحي بمياه الشرب، وهذا دفع الهيئات الدولية اعتباره مقياساً لعدم المساواة في الحصول على الخدمات.

عند الوصول إلى مرحلة ظهور فاشيات الكوليرا في مكان ما، فهذا يعني أن في المياه التي يستخدمها السكان في هذه المنطقة أو التجمع أو البلد تلوثاً كبيراً، سواء كان استخدام المياه للشرب أو لغسل المأكولات، بالإضافة إلى عدم القدرة على الوصول إلى مصدر مياه صحي، وسط غياب الرقابة الدورية من قِبل الدولة على جودة المياه، وإهمال صيانة شبكات الصرف الصحي.

الأعراض

ولمرض الكوليرا أعراض عدّة، إذ يُعَدّ القيء الأصفر أو الأخضر علامة مميزة للقيء المرافق لأعراض الكوليرا، فهو دليل على أن محتويات الجهاز الهضمي قد جرى إخراجها بشكل كامل وبدأت العصارة الهاضمة بالخروج، أي إننا في وضع يتطلب تدخلاً علاجياً عاجلاً.

ومن أبرز الأعراض المرافقة للمرض حدوث إسهال شديد غير مصحوب بمغص، ويكون لون البراز أولاً أصفر ثم أبيض كلون ماء الأرز، والإسهال الرزي علامة مميزة للكوليرا.

وكذلك حدوث قيء شديد بعد الإسهال، ويكون القيء غير مصحوب بغثيان ولونه أولاً أصفر ثم أخضر ثم كلون ماء الأرز، وهذا دليل واضح أن موجودات الجهاز الهضمي قد جرى إخراجها بالكامل وبدأت العصارات الهضمية بالخروج.

ومن أعراض الكوليرا أيضاً العطش الشديد نتيجة الإسهال والقيء الشديدين، وقد يحصل جفاف نتيجة الإسهال والقيء الشديدين، مؤدياً إلى هبوط في الدورة الدموية.

كما أن المصاب بالكوليرا قد يعاني من شح في البول نتيجة للجفاف الذي أصابه، مؤدياً في بعض الحالات إلى توقف إدرار البول.

التشخيص للمرض

في حالة الأوبئة يُنظر إلى أي إصابة بالإسهال على أنها إصابة بالكوليرا حتى يثبت العكس، إذ يجري التشخيص بالإضافة إلى الصورة السريرية للمريض (كلمة سريرية مصدرها السرير، أي الأعراض التي يبديها المريض)، عندها يفحصه الطبيب على السرير، فوجود بعض علامات المرض مثل الإسهال وشح البول وعلامات الجفاف يعني ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من التشخيص.

وتتضمن المرحلة التالية لإثبات إصابة الشخص بالكوليرا في الفحص المخبري لعينة البراز أخذها من الشخص وفحصها ضمن أوساط خاصة في المخبر، وتظهر النتائج بعد 48 ساعة.

يُشار إلى أن اختبارات الكشف السريع للإصابة بالكوليرا قد جرى تطويرها لتظهر النتجية خلال 15 دقيقة فقط، فالوقت مهم لأن الإسهال الصاعق للشخص المصاب قد يسبب موتاً فورياً.

كوارث وحروب

يمكن أن تكون الكوليرا مرضاً متوطناً في مكان ما، لكن هذا يحدده وجود إصابات مؤكدة في آخر ثلاث سنوات، ويجب أن تكون هذه الإصابات محلية، أي لم تأتِ من وافد خارجي.

أما في حال وجود البكتريا وسريانها في مكان تعرّض لكوارث أو حروب أدت إلى اكتظاظ الناس في المخيمات أو تعطل شبكة المياه والصرف الصحي، فهنا نكون أمام خطر فعلي لتحول الكوليرا إلى وباء.

يُشار إلى أن منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أطلقت حملة في سوريا عقب الزلزال الذي ضرب شمالها في فبراير/شباط 2023، وذلك تحسباً لانتشار الكوليرا والحدّ من تحوله إلى وباء.

أما في ما يخص اللقاح فيتوفر حالياً 3 أنواع من اللقاحات ضدّ مرض الكوليرا، لكن فاعليته لا تتعدى 85% بعد إعطائه وخلال الأشهر الستة الأولى، ثم تنخفض إلى 50%، وهذا يعني أن اللقاح لا يؤمن حماية كاملة، كما أن الجرعات الداعمة ضرورية للأشخاص الموجودين في مناطق موبوءة أو سيسافرون إليها بمهمات مختلفة.

بين الوقاية والعلاج

إنّ انتشار مرض الكوليرا يعتبر مقياساً يمكن من خلاله قياس عدم تحقيق المساواة الاجتماعية في منطقة ما أو بين البلدان، ولذلك فإن إصلاح الخلل يُعَدّ جزءاً من معالجة المشكلة.

وهنا يكمن الخلل في توفير مرافق الخدمات الصحيحة من حمامات وتأمين مصدر صالح لمياه الشرب لجميع المجتمعات والشعوب من دون استثناء.

أما علاج الكوليرا فهو سهل، وغالباً يتطلب إعطاء محاليل الإماهة الفموي للمريض، وهذه المحاليل توفرها منظمة الصحة العالمية في المناطق الموبوءة، وطريقة تجهيز العلاج فقط تتطلب إذابة المحلول.

لكن إذا كان المريض قد قطع شوطاً في الإسهال والقيء، فهنا يجب إعطاؤه السوائل الوريدية والمضادات الحيوية، وتتمثل مهمة المضادات هذه في تقليل فترة الإسهال، لا محاصرة الفاشية أو الوباء.

إنّ المضادات الحيوية التي يجري استخدامها يجب أن تكون مدروسة الكمية والوقت، لأنها قد تسبب مقاومة لدى الكوليرا المنتشرة، وهنا تصبح غير فعّالة في حال جرى استخدامها بطريقة عشوائية، وعادة تشرف السلطات على مخزون هذه المضادات وتوزع مجاناً.

ويطلق على أي مريض أُصيب بالكوليرا وعُولج منها بأنه شُفي تماماً، ويمكنه الخروج من الحجر الصحي بعد أخذ 3 عينات براز بعد الانتهاء من الأدوية إلى المختبر، ويجب أن تكون العينات الثلاث سلبية، أي تظهر عدم طرح الكوليرا مع البراز إلى الخارج.

TRT عربي