دائماً ما حظيت القضية الفلسطينية باهتمام كبير من المجتمع الدولي، ومع ذلك، ظلت الاتهامات بالتحيز في وسائل الإعلام الغربية، خصوصاً تجاه إسرائيل، موضوعاً متكرراً، ليأتي العدوان الإسرائيلي على غزة ويجرف معه كل معايير المهنية والحرية والموضوعية التي كثيراً ما تغنت بها هذه الصروح الإعلامية المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر في تجاهل الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة.
ويقول النقاد إن وسائل الإعلام الغربية غالباً ما تقلل من شأن معاناة الفلسطينيين أو تُهملها، مما يؤدي إلى تقديم رواية غير مكتملة ومتحيزة. وفي مقابلة مع الأناضول، قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي: "إن تغطية إعلام الغرب لحرب غزة تعكس العنصرية ضد الفلسطيني والمسلم"، مشيراً إلى ما اسمه "انحياز غربي إعلامي مطلق لإسرائيل يقوم على التعصب والعنصرية وتكرار الرواية الإسرائيلية دون أي بحث مهني".
ووفقاً لتحليل إنترسبت للتغطية الإعلامية الرئيسية، فقد أظهرت تغطية نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز للحرب الإسرائيلية على غزة تحيزاً ثابتاً ضد الفلسطينيين. كما أن وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل وجهات النظر الأمريكية حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم تُعِر سوى القليل من الاهتمام للتأثير غير المسبوق لحملة الحصار والقصف الإسرائيلية على الأطفال والصحفيين في قطاع غزة.
انحياز كامل لإسرائيل
وكما فشلت الحكومات الغربية في تحمل مسؤوليتها في التحرك لمواجهة الروايات الموثوقة عن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، سقطت الأقنعة مرة أخرى عن المعايير المزدوجة التي تتبعها وسائل الإعلام الغربية التي تزعم أنها منابر الحرية والديمقراطية بلعبها دور متحيز بشكل واضح لصالح إسرائيل بحسب مراقبين، ما زاد بشكل كبير انتشار المعلومات المضللة والتجرُّد من الإنسانية.
وفي ظل التمييز، لم تكتفِ وسائل الإعلام الغربية بتبني الرواية الإسرائيلية فحسب، بل نأت بنفسها أيضاً عن الموضوعية الصحفية، إذ إن تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، جُلّهم من النساء والأطفال، لم يحظَ إلا بقدر ضئيل من التغطية في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الغربية الأخرى، التي يغطي عشرات من مراسليها الحرب من داخل إسرائيل، في حين يوجد عدد قليل منهم على الأرض لتغطية الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة.
وقد ركزت هذه المنابر الغربية بشكل غير متناسب على الوَفَيات الإسرائيلية في الصراع من خلال استخدام لغة عاطفية لوصف عمليات قتل الإسرائيليين، في حين تجاهلت بشكل سافر مقتل الفلسطينيين الذين جرّدتهم من إنسانيتهم، إذ اعتبرت موتهم أمراً يوميّاً وطبيعيّاً للغاية لدرجة أن الصحفيين ينقلون خبره كما لو أنهم ينقلون أخبار الطقس.
علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين تجرؤوا على رفع أصواتهم ضد الخسائر في أرواح المدنيين، أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أو المناشدة من أجل وصول المساعدات الأساسية إلى غزة، جرى وَسْمهم بقسوة بكلمة "معاداة السامية".
تجاهل متعمد
أحد جوانب التحيز هو التأطير الانتقائي، إذ تختار وسائل الإعلام زوايا أو روايات محددة تتوافق مع تحيزاتها أو المُناخ السياسي السائد. وفي حالة العدوان الأخير على غزة، يرى النقاد أن وسائل الإعلام الغربية تميل إلى تأطير الصراع باعتباره ردَّ فعل على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع التركيز على المخاوف الأمنية الإسرائيلية وتهميش الأسباب الجذرية للصراع، فضلاً عن تجاهل ردة الفعل غير المسبوقة عبر ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم أجمع.
مصدر قلَق آخر يدور حول نقص تمثيل الأصوات الفلسطينية في التغطية الإعلامية الغربية. فمعظم وسائل الإعلام الغربية تهمِّش بشكل متعمد وجهات نظر وتجارب ومظالم الفلسطينيين، إذ إن الافتقار إلى الروايات المتنوعة يعزز الفهم أحادي الجانب للصراع، مما يؤدي إلى مفاهيم خاطئة حول الأسباب الجذرية والحلول المحتملة.
ويشير المنتقدون أيضاً إلى ميل وسائل الإعلام إلى إضفاء الطابع الإنساني على الضحايا الإسرائيليين مع تجريد الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم. ومن خلال إضفاء طابع فردي على القصص الإسرائيلية وتقديمها بطريقة أكثر ارتباطاً، قد تسهم وسائل الإعلام عن غير قصد في خلق فجوة تعاطف تقلل خطورة الوضع بالنسبة للفلسطينيين.
ولم يقتصر الأمر على انحراف هذه الوسائل الإعلامية بشكل حاد في تأطيرها المأساة وتجاهل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، بل إن نشرها المعلومات المضللة، المتجذرة في روايات غير موثقة أو متناقضة أو كاذبة، كانت له عواقب إنسانية حقيقية على الأرض.
أسباب الانحياز رغم وضوح الجرائم
طوال فترة الصراع، تعرضت وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك محطات البث التي تموّلها الدولة مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وقناة DW الألمانية، ووسائل الإعلام العالمية مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وتايمز أوف لندن، وسي إن إن، وفوكس نيوز، لانتقادات واسعة النطاق لتكرارها الدعاية الإسرائيلية وتجاهل المجازر بحق الفلسطينيين.
ولعل من أبرز الأسباب التي توضح سبب هذا الانحياز غير الأخلاقي هو نفوذ وسيطرة الصهيونية وأتباعها على أهم صروح الغرب الإعلامية، وهو الأمر الذي أكده مؤخراً آلان ديرشوفيتز، المحامي الإسرائيلي المكلف بالدفاع عن إسرائيل في القضية التي رفعتها ضدها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، عندما قال: "اليهود أقوياء للغاية، نحن أغنياء جدّاً، نحن نسيطر على وسائل الإعلام، لن نعتذر أبداً عن استخدام قوتنا ونفوذنا، ولن يتحقق السلام للشعب اليهودي والأمة اليهودية إلا بالقوة".
وبينما يتم تبرير جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحُجة "الحق في الدفاع عن النفس"، لا توجد حتى كلمة احتجاج على مقتل أكثر من 100 صحفي فلسطيني في القصف المتواصل الذي حوَّل غزة إلى أنقاض. وفي حديثه للأناضول، اتهم الصحفي البريطاني هاري فير وسائل الإعلام الغربية بإظهار التحيز في تغطيتها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قائلاً إن "السرد الشامل" يستند إلى الرواية الإسرائيلية فقط.