في نفس اليوم الذي صوت فيه معظم دول العالم على قرار يفضي بوقف فوري لإطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 من ديسمبر/كانون الأول، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن شن حملة انتقاد علنية وحادة على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، محذراً من أن الدعم الدولي للحرب على غزة "يتآكل" بسرعة.
ومع ذلك، لا يزال الدعم الأمريكي لإسرائيل على حاله منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ففي 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري عادت واشنطن واستخدمت حق الفيتو لمنع إقرار مجلس الأمن الدولي مشروعاً يفضي بوقف إطلاق النار.
ما الذي دفع بايدن إلى مهاجمة نتنياهو علنياً؟
في حفل لجمع لجمع التبرعات لحملته الانتخابية في أحد فنادق واشنطن، الثلاثاء، هاجم بايدن لأول مرة وبشكل علني رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلاً: "أمام بيبي (نتنياهو) قرار صعب عليه اتخاذه"، حسبما نقلته شبكة فوكس نيوز الأمريكية.
وقال بايدن: "هذه هي الحكومة الأكثر محافظة في تاريخ إسرائيل". وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية "لا تريد حل الدولتين". وزعم الرئيس الأمريكي أنه من أجل تجنب حدوث تحول عالمي في التصورات ضد إسرائيل، يتعين على نتنياهو "التعزيز والتغيير"، لا سيما أن إسرائيل تتعرض مؤخراً لإدانة دولية شديدة بسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين.
فيما يمثل الانقسام داخل المجتمع الأمريكي وما رافقه من انحدار حاد في شعبية بايدن الذي يستعد لخوض منافسة انتخابية شرسة نهاية العام المقبل، سبباً آخراً في طفو الخلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو المتطرفة على السطح مؤخراً.
تراجع حاد في شعبية بايدن
تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً حاداً في شعبية بايدن في أوساط الناخبين الشباب واليساريين والأقليات، وبالأخص المسلمين، وهي الفئات التي ساهمت في فوزه على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفقاً لتقرير نشره ذا ريال نيوز الأمريكي.
وتشير أرقام استطلاعات الرأي التي أجراها بايدن خلال الأسبوع الماضي إلى أنه يواجه مشكلة غير مسبوقة لا تتمثل فقط بخسارة شريحة الشباب والأقليات، بل تراجع شعبيته بين الديمقراطيين أنفسهم بسبب موقفه الداعم لإسرائيل. ففي انتخابات عام 2020، كان دعم بايدن من الناخبين الشباب أعلى بنحو 20 نقطة من دعم ترمب لكنه الآن أصبح قريباً جداً من أرقام ترمب مع الناخبين الشباب في خمس ولايات متأرجحة رئيسية.
وبينما نشرت مجلة رولينج ستون مقالاً يوضح كيف أن دعم بايدن للهجوم الإسرائيلي يضر بآفاقه في عام 2024، جاء في العنوان الرئيسي لمقال آخر نُشر في مجلة بوليتيكو: "حفرة بايدن الكبيرة وكيفية الخروج منها"، أن الشعور بالضيق الذي يشعر به الناخبون يسبق إصدار بايدن شيكاً على بياض لحرب إسرائيل الحالية في غزة، وتصاعد بشكل كبير مع الحصار والغزو وحملة القصف الوحشية التي فرضتها إسرائيل لاحقاً. لكن الأمر أصبح أسوأ بكثير في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أثار ناقوس الخطر لدى المانحين وقادة الأحزاب.
يذكر أنه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكرت نيوزويك أن بايدن يواجه ثورة شبابية تدين بشدة دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة. وقالت المجلة الأمريكية أن مجموعات عديدة من الناخبين الشباب بعثت برسالة إلى الرئيس تحذره من أن النهج المستمر الذي تتبعه إدارته تجاه الحرب في الشرق الأوسط قد يحكم على فرص إعادة انتخابه بالفشل، خصوصاً وأن هذه الشريحة هي التي ساعدته في الفوز في الانتخابات السابقة.
خلافات حول الدعم المالي
مع تزايد الخلافات بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية حول استمرار العدوان الإسرائيلي الذي دخل شهره الثالث وخلف أكثر من 19 ألف شهيد، جلهم من النساء والأطفال، يواجه طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن 14 مليار دولار إضافية مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل جدلاً حاداً في الكونغرس، وفقاً لتقرير نشرته فورين بوليسي اليوم الخميس.
الخلافات بشأن حزمة المساعدات الإضافية لم تظهر فقط بسبب استخدامها في استهداف البنية التحتية واستهداف المدنيين بغزة، ولكن لأن إسرائيل دولة ثرية ولا تحتاج أصلاً إلى الدعم كما هو الحال في أوكرانيا.
بالإضافة إلى ذلك، قد يتساءل المشرعون عما إذا كانت إسرائيل -وهي بالفعل أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية ( 3.8 مليار دولار سنوياً)- استخدمت عشرات المليارات من الدولارات من الدعم العسكري الأمريكي حتى الآن بطريقة تعزز أمنها بدلاً من الإضرار به ودعم الأنشطة الاستيطانية بالضفة الغربية.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن العمال الأمريكيين -الذين يدفعون الضرائب التي تنفق في هذه المساعدات- يستحقون أن يُبرر لهم لماذا يقع على الحكومة الأمريكية أن تسد العجز الناشئ في التمويل العسكري الإسرائيلي، الذي نشأ جزء منه عن الاشتغال بالنشاط الاستيطاني الذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتوسيع نطاقه.
وحتى في خضم العدوان وما سببه من عجز كبير في ميزانية الحكومة الإسرائيلية، قدمت حكومة نتنياهو ميزانية في وقت سابق من هذا الشهر من شأنها تخصيص ما يعادل عشرات الملايين من الدولارات الجديدة لتمويل مشاريع استيطانية يراها الغرب بأنه غير قانونية.
وفي سياق منفصل، صدق مجلس النواب الأمريكي (ذو الغالبية الجمهورية)، على فتح تحقيق رسمي لعزل الرئيس جو بايدن مساء الأربعاء، بتهمة توفيره امتيازات لأعمال نجله هانتر، وفقاً لما نقلته الأناضول، التي قال مراسلها إنه من المنتظر أن تستمر عملية التحقيق التي سيجريها مجلس النواب طول العام 2024، وهو العام الذي سيشهد الانتخابات الرئاسية، وسط توقعات في أن تؤثر سلباً على المرشح الديمقراطي للرئاسة.