ثلاث زوايا لمشاهدة فيلم Mank
يقدّم فيلم Mank نقداً تاريخياً لهوليوود في ثلاثينيات القرن الماضي من وجهة نظر الكاتب هيرمان مانكويتز Herman Mankiewicz بينما يعكف على كتابة نص الفيلم الشهير المواطن كين Citizen Kane.
فيلم Mank (IMDb)

من المرجّح أنّك شاهدت واحداً على الأقل مِن أفلام المخرج الأمريكي ديفيد فينشر David Fincher، وهو مُخرج عددٍ من الأفلام التي نالت شهرة واسعة مثل فيلم سبعة Se7en، والفتاة المختفية Gone Girl، والشبكة الاجتماعية The Social Network، وأخيراً فيلمه، الذي رُشّح لستّ جوائز غولدن غلوب والمرشح لعشر جوائز أوسكار، فيلم مانك Mank.

الفيلم يقدّم نقداً تاريخياً لهوليوود في ثلاثينيات القرن الماضي من وجهة نظر الكاتب هيرمان مانكويتز Herman Mankiewicz بينما يعكف على كتابة نص الفيلم الشهير المواطن كين Citizen Kane، وهو الفيلم الذي رُشّح لثماني جوائز أوسكار وفاز بجائزة أوسكار كأفضل نصٍّ مناصفة مع المخرج والكاتب أورسون ويليس Orson Welles. كما يتضح لنا من عدد الجوائز التي رُشّح لها، دون أن يفوز بأي منها في الغولدن غلوب، أنّ الفيلم ربما لا يفي كليّة بما يعد، ومن المتفهم تماماً أن يجده عدد من المشاهدين غير مثير، لهذا أقدّم لك ثلاثة جوانب يتعرض لها الفيلم، إن كنت مهتماً بأي منها فسوف تقضي وقتاً ممتعاً مع فيلم Mank.

الملكية الفكرية

من الواضح أنّ الخط الرئيسي لأحداث الفيلم هو تتبع الملكية الفكرية لنصّ فيلم المواطن كين الذي يفترض أن يكون قد كُتب من خلال التعاون بين هيرمان مانكويتز وأورسون ويليس، إلا أنّ قضية "مَن المالك الحقيقي للنص؟" أثيرت عام 1971 بسبب مقال نشرته الكاتبة والناقدة بولين كيل Pauline Kael تؤكد فيه أنّ "أورسون ويليس لم يكن موجوداً أثناء كتابة المواطن كين" بل إنّها تنقل عن السيدة ريت ألكساندر Mrs. Rita Alexander التي تولّت كتابة النّص بالكامل كما أملاه عليها مانكويتز أن "ويليس لم يكتب سطراً واحداً من الفيلم". تسبب مقال بولين كيل بضجّة كبيرة أضرّت بشكل كبير بسمعة أورسون ويليس، لكن بعد عام واحد بالضبط ظهرت شهادات أخرى لعدد آخر من المخرجين والمنخرطين في المجال الفني للدفاع عن أورسون ويليس حتى ظهر بحث روبيرت كارينجير Robert carringer الذي عاد إلى أرشيف شركة الإنتاج وخلُص إلى أنّ أول نسختين من الفيلم كانتا قد كُتبتا بالكامل عن طريق هيرمان مانكويتز بالفعل ولم يكن لأورسون ويليس أي مساهمة فيهما، إلا أنّ هاتين النسختين لم تكونا الوحيدتين بل تلتها خمس نسخ أخرى فيها الكثير من التعديلات والإضافات التي قام بها ويليس وهي تعديلات مركزية وهامة في الفيلم.

مشهد من فيلم Mank (IMDb)

بين هذا وذاك، والعديد من المحاولات الأخرى لكشف ما حدث يتيه الخطّ الفاصل بين المالك الحقيقي للعمل، فإذا كنت مهتماً بقضايا الملكية الفكرية للأعمال الفنية، خاصة مع التحدي الذي تواجهه هذه القضية حالياً مع سيطرة التكنولوجيا على الواقع بما يعنيه ذلك من سهولة النسخ والنشر، فإنّ هذا الفيلم موجّه لك.

الفن والسياسة

من المعروف أنّ العلاقة بين الفن والسياسة لا تنفصل، ومن السهل أن تبحث قليلاً عبر الإنترنت لتجد نماذج لا تحصى من الأعمال الفنية التي استُخدمت أو صُنعت لصالح أغراض سياسية بحتة كالتصميمات التي استخدمها الحزب الشيوعي السوفييتي في الدعاية السياسية لنفسه، أو ما يعرف بأوّل مونتاج في تاريخ السينما في فيلم سقوط برلين The Fall of Berlin حيث صوّر مشهداً غير حقيقي لوصول ستالين إلى برلين من خلال دمج مادة فيلمية مصورة له مع الفيلم المصوّر كي تُستخدم في الدعاية للحزب أيضاً. لكن فيلم مانك يعرض زاوية مختلفة بعض الشيء، فالفيلم يعرض شبكات العلاقات التي تتكون حول الأعمال الفنية وعلاقتها الشخصية المباشرة بالفاعلين السياسيين، وما نعنيه بالفاعلين السياسيين في هذه الحقبة هو شخصيات مثل أدولف هتلر شخصياً خاصة مع الوضع في الاعتبار أنّ كثيراً من الشخصيات الرئيسية في المشهد الفني في هوليوود في هذه الفترة من اليهود المهاجرين من ألمانيا، الفيلم يعرض مجموعة من العلاقات والمحادثات المميزة التي تحدث خلف الكواليس والتي تهتم بشكل رئيسي بالسياسة.

مشهد من فيلم Mank (IMDb)

التقنية

إذا كنت ممن يستمتعون بشكل رئيسي بالجانب التقني لصناعة السينما، فلن يخذلك الفيلم في هذا الجانب. تبدو صورة الفيلم مختلفة قليلاً عن المعتاد، إذ لم يكتفِ ديفيد فينشر بتصويره بالأبيض والأسود، لكنّه صوّره بدقة 8k وهي دقة مرتفعة للغاية وتكنولوجيا حديثة نسبياً، ثم قلّص جودة الفيلم بعد التصوير حتى يفقد الكثير من التفاصيل والجودة، ثم أضاف آثار احتراق وأتربة لمحاكاة الصورة كما كانت في ثلاثينيات وأربعينيات هوليوود، أمّا في المشاهد التي صُوّرت في الخارج نلاحظ وجود سطوع ضوئي خفيف حول الممثل والذي يحاكي ضعف قدرة الكاميرات في هذا الوقت على التعامل مع وجود تباينات كبيرة في شدّة سطوع الضوء. يشمل الاهتمام بالمحاكاة في الفيلم الأصوات أيضاً، فاختيار آلات محددة مع إضافة قليل من صدى الصوت الذي كان ينتج قديماً عن عدم جاهزية القاعات وضعف أجهزة التسجيل كي ينتج فيلماً يُعبّر بشكل كامل عن المرحلة التاريخية التي يشير إليها.

من اللافت للنظر أنّ الكاتب الأصلي للفيلم ليس ديفيد فينشر، بل والده جاك فينشر jack fincher، وهو الفيلم الوحيد الذي كتبه جاك وقد حاول ديفيد تصويره من قبل بعد انتهائه من فيلم اللعبة The Game عام 1997، إلا أنّ المنتجين لم يرغبوا في إنتاج فيلم مصور بأسلوب الأبيض والأسود مع ديفيد فينشر. هكذا أُجّل إنتاج الفيلم حتى يومنا هذا ليكون إنتاجه من نصيب شركة netflix. لقد أنتج ديفيد فينشر فيلماً جميلاً بلا شك، ربما ليس ممتعاً بنفس قدر جماله، وفيه درجة من التشتت بين موضوعاته المختلفة، إلا أنّ بصمة فينشر وجودته تعطي الفيلم أبعاداً أخرى، أضف إلى ذلك الأداء المميز لغاري أولدمان Gary Oldman في دور هيرمان مانكويتز، وإبداع آماندا سيفريد Amanda Seyfried في أدائها دورَ واحدة من أشهر ممثلات هوليوود ماريون دافيس Marion Davies. فيلم مانك ليس مجرد فيلم جميل، ولكنّه يزداد جمالاً كلّما أعدت مشاهدته، لاهتمام فينشر بكثير من التفاصيل الدقيقة التي تلاحظها في كل مرّة تعيد فيها مشاهدته فيزداد عمق تأثيره.

TRT عربي