سجاد آيا صوفيا.. مواصفاته وتاريخه وقصة اختيار اللون والقطن ودلالته
مع اقتراب موعد إقامة أول صلاة جمعة في مسجد آيا صوفيا المقررة يوم الجمعة المقبل، تتكشف المزيد من التفاصيل الصغيرة المتعلقة بشكل المسجد الذي كان متحفاً على مدار 86 عاما.
السجاد الفيروزي المخصص لجامع أيا صوفيا (AA)

لعل أبرز هذه التفاصيل التي شغلت اهتمام المتابعين حول العالم السجاد الذي سيبسط على أرضية المسجد، لا سيما مواصفاته ولونه وسمكه ونقوشه ودلالات كل ذلك.

ففي أحد المصانع التاريخية التي يبلغ عمرها أكثر من 108 أعوام في ولاية مانيسا غربي تركيا، توشك أعمال حياكة السجادات الرئيسية لمسجد آيا صوفيا على الانتهاء، ويجري تركيبها تباعاً على أرضية المسجد، حيث زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام المكان لتفقد التحضيرات المتسارعة لإقامة صلاة الجمعة، وعبر خلال الزيارة عن إعجابه بالسجاد ولونه الذي اختاره بنفسه.

التفاصيل المتعلقة بسجاد آيا صوفيا فتحت الباب واسعاً أمام الحديث عن صناعة السجاد في تركيا، لكونها صناعة تاريخية تتميز بها تركيا منذ عصور وما تزال حتى اليوم تتربع على عرش صانعي السجاد حول العالم، وتحقق أرقام صادرات قياسية بمليارات الدولارات.

مواصفات عالمية خاصة

تجري عملية صناعة السجاد الخاص بمسجد آيا صوفيا في أحد المصانع التاريخية العريقة على مستوى العالم، والموجودة في ضاحية "ديميرجي" التابعة لولاية مانيسا غربي تركيا، حيث تتم صناعتها بمواصفات وتقنيات وشروط خاصة جداً، وتشرف عليها أعلى الجهات الرسمية في الدولة لا سيما رئاسة الشؤون الدينية ووزارة السياحة والثقافة.

والمصنع الذي أوكلت إليه هذه المهمة يعد أول مصنع آلي لصناعة السجاد في تاريخ تركيا ويبلغ عمره 108 سنوات. يقول "بهجت أوزكول" مدير الإنتاج في المصنع: "نشكر الدولة والرئيس أردوغان على منحنا هذه الثقة لصناعة سجادة آيا صوفيا، نحن سعداء جداً بصناعة سجادة آيا صوفيا الذي ينتظر العالم الإسلامي افتتاحه بصبر نافد وإقامة أول صلاة جمعة فيه". موضحاً أن "السجادة تصنع من الصوف التركي 100٪ غير المضر بالصحة، وغير القابل للاشتعال على الإطلاق، المتر الواحد منها يزن 5 كيلوغرامات، وبسمك 16 مليمتراً، وانتخب بمعايير ومواصفات خاصة بآيا صوفيا".

وأوضح مدير الإنتاج في المصنع أن السجادة صنعت بمعايير خاصة جداً تجعلها قابلة للاستخدام لسنوات طويلة جداً، لافتاً إلى أنه جرى استخدام تقنيات خاصة في صباغة الصوف المستخدم في صناعتها، ومن أجل منع حصول أثر أو تخريب في مكان السجود تم معالجة ريش السجادة بتقنية خاصة عن طريق البخار ليكون مائلاً باتجاه القبلة، "هذه التقنيات موجودة في شركتنا فقط، ولا توجد في أي مكان آخر بالعالم".

قصة اختيار اللون

يقول علي رضا أوزكول رئيس مجلس إدارة المصنع: "وصلنا طلب من وزارة السياحة قبل نحو 15 يوماً، وقبلنا ذلك بسرور، طُلب منا إعداد 4 آلاف متر مربع من السجاد، 2000 متر طلبت سريعاً وجهزت ليوم الافتتاح، و2000 متر ستكون جاهزة وتسلم بحلول انتهاء أعمال التنظيم والترميم المتوقعة خلال 6 أشهر"، موضحاً أنه تم تخصيص 75 شخصاً في المصنع، و8 أشخاص داخل المسجد، للتفرغ والعمل بهذا المشروع، حيث يجري العمل على 3 فترات يومياً وعلى مدار الساعة من أجل إتمام العمل قبيل موعد التسليم المقرر.

وعن اختيار اللون يقول أوزكول: "كان هناك رأيان أساسيان فيما يتعلق باللون، كان البعض يتجه نحو اللون الأحمر (البوردو) والبعض الآخر يميل إلى اللون الكرزي، لكن تم اختيار اللون التركواز (الفيروزي) من خلال الرئيس رجب طيب أردوغان"، كاشفاً عن أن المصنع كان يتجه إلى استخدام القطن المستورد من نيوزيلندا لكونه يتمتع بجودة أعلى قليلاً من التركي، إلا أن الرئيس رفض ذلك قطعياً وشدد على ضرورة استخدام القطن التركي الوطني، كما أوضح أن الصباغة تمت بطرق متقدمة وباستخدام صبغات صحية غير مسرطنة.

وأضاف: "في الأماكن العريقة والتاريخية لا يتم اختيار ألوان فاتحة، ونميل إلى الألوان الداكنة التي ترمز إلى الأصالة، أؤمن أن استخدام لون داكن كهذا (اللون التركوازي) سوف يعبر عن أصالة المكان، فالمكان من الداخل يوجد به أعمدة وجدران باللون الأخضر، وبالتالي نتوقع أن يكون هذا اللون ملائماً كثيراً".

وكشف رئيس مجلس إدارة المصنع عن أصعب مشكلة واجهتهم في إعداد السجاد وفرشه داخل مسجد آيا صوفيا، لافتاً إلى وجود مشكلة في توافق اتجاه القبلة مع اتجاهات المبنى، موضحاً أن القبلة تأتي ملتوية مع تصميم البناء الداخلي، وأن إعداد السجادات تم بمعايير خاصة لكي يتلاءم مع هذا الأمر.

سجاد المصنع حول العالم

ووضعت شركة "أوزكول" للسجاد على صدر موقعها الرسمي على الإنترنت صورة كبيرة لمسجد آيا صوفيا، وكتبت: "نشعر بفخر كبير لمنحنا الثقة لحياكة سجادات مسجد آيا صوفيا الكبير الذي يعتبر رمز فتح إسطنبول، وينتظر العالم الإسلامي افتتاحه بصبر نافد".

وعلى مستوى تركيا تكفلت الشركة بصناعة سجادات عدد من أبرز المساجد التاريخية الكبيرة ومنها مسجد السليمانية في إسطنبول الذي صنعت له سجادة بمساحة 4200 متر مربع، ومسجد السلطان أيوب، ومسجد أمينونو الجديد في إسطنبول، ومسجد أورتا كوي الشهير، ومسجد دولما بهتشيه، ومسجد حجي بايرام في أنقرة، ومسجد أولو جامع في بورصة، ومسجد مولانا في قونيا، وغيرها كثير من المساجد.

وعلى الصعيد الدولي تكفل هذا المصنع بحياكة سجادات مئات المساجد الكبرى حول العالم، منها في أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وكندا وسويسرا والسويد والدنمارك واليونان وهولندا وألبانيا والنرويج وأذربيجان وبلغاريا والبوسنة والهرسك وقبرص وتشيلي والتشيك وجورجيا واليابان وكازاخستان وطاجاكستان ومقدونيا وصربيا ورومانيا وجنوب إفريقيا وأوكرانيا.

عربياً حاك هذا المصنع سجادات مسجد أبو عيشه في العاصمة الأردنية عمان، ومسجد طرابلس في العاصمة الليبية، ومسجد الشيخ أحمد في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، ومسجد الشعب (الصالح) في العاصمة اليمنية صنعاء.

تاريخ عريق

تعد صناعة السجاد من أقدم الصناعات التركية المتوارثة التي بدأت في القرن الحادي عشر وامتهنتها لأول مرة القبائل البدوية التي سكنت آسيا الوسطى، ثم تطورت وأدخلها السلاجقة إلى الأناضول. ومع نهاية القرن التاسع عشر ظهر السجاد التركي في رسومات عصر النهضة كدلالة على الهيبة والكرامة والسلام والذي ما يزال قائماً حتى يومنا، وبرز اهتمام مؤرخي الفنون والعلماء في العالم الغربي بدراسة السجاد التركي والشرقي، إذ جذبت أنواع السجاد المنسوج كالكليم والسوماك والسيسيم والزيلي اهتمام جامعي الفنون والعلماء، وفي أواخر القرن العشرين بدأت مشاريع لإحياء فن نسج السجاد التركي التقليدي باستخدام النسج اليدوي، والأصواف المصبوغة طبيعياً.

اقرأ أيضا:

أشهر المدن والمصانع

لكل منطقة في تركيا حكاية تسرد أصالتها التاريخية وأنواع تختلف عن الأخرى نظراً للخيوط التي يتم استخدامها مثل الحرير والقطن والصوف، أو يتم المزج بين أكثر من نوع، ويعد السجاد الأناضولي من أشهر أنواع السجاد في تركيا إذ تتراوح فيه البوصة المربعة بين أربعين ومئة عقدة، واللون الأحمر هو المفضل لهذا النوع والذي يكسو غالبية لون السجادة، كما أن النقوش عبارة عن النباتات المستوحاة من طبيعة المنطقة.

وبينما تؤكد الدراسات أن أقدم سجاد تركي عرف في قونية وسيواس وقيصري وهي مناطق تقع وسط الأناضول، تشتهر مدينة هيركي بتصنيع السجاد الأعلى سعراً نظراً لصناعته يدوياً على أيدي نساء المدينة، ويوجد العديد من مراكز صنع السجاد فى تركيا منها أسبرطة وميلاس وأوساك، وبالتحديد غازي عنتاب التي تعد من أضخم المدن التركية تصنيعاً للسجاد والتي يوجد بها 350 مصنعاً للسجاد.

وعن أشهر المصانع لصناعة السجاد التركي مصنع "هركة" بولاية قوجه ايلي وهو من أقدم المصانع في نسج السجاد، حيث إنه حاك سجادة عملاقة تتراوح مساحتها ما بين 70 - 80 متراً مربعاً للحجرة الخاصة التي تحتضن الأمانات المقدسة في قصر "طوب قابي" التاريخي بمدينة إسطنبول، كما نسج أكبر سجادة في تركيا بمساحة تبلغ 468 متراً مربعاً، لصالة الاحتفالات في قصر "يلدز شالي"، قبل 120 عاماً، حيث تعد في الوقت ذاته واحدة من كبرى السجادات حول العالم. ويعتبر "هركة" التاريخي من أهم مراكز صناعة السجاد في تركيا، حيث تُزين منتجاته قصور السلاطين العثمانيين منذ نحو 177 عاماً.

أكبر مصدر في العالم

عام 2018 بلغت قيمة صادرات تركيا من السجاد إلى العالم 2.7 مليار دولار متفوقة بذلك على بلجيكا، منافستها الوحيدة في قطاع تصدير السجاد، بنحو مليار دولار، في حين حلت الصين بالمرتبة الثالثة في تصدير السجاد بـ346.3 مليون دولار. وفي إحصائية أحدث وصلت صادرات السجاد التركي في الفترة من يناير/كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول عام 2019، 1.8 مليار دولار بحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية ومركز التجارة العالمي بمدينة إسطنبول.

ومن بين أكثر من 170 دولة حول العالم يصل إليها السجاد التركي، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية، وألمانيا، والعراق، والأرجنتين، وتايلاند، ومنغوليا، وموريتانيا، ونيوزيلندا وأستراليا، وتعتبر أمريكا أكبر سوق للسجاد التركي، تليها السعودية وألمانيا والعراق وبريطانيا.

وفي تصريح نقلته وكالة الأناضول قال صلاح الدين قبلان، رئيس قطاع صناعة السجاد، إن القطاع يهدف إلى أن تصل قيمة صادرات السجاد إلى 3 مليارات دولار عام 2020.

السجاد الفيروزي المخصص لجامع أياصوفيا (AA)
TRT عربي